من القلب

من لبنان إلى كندا… والإتصالات تدوم

جاكلين جابر أبو عقل

لم أكن أعلم أن الهاتف الجوال الذي وضعت رقمه في خدمة المعلنين في كندا بغية التواصل معي  لنشر إعلاناتهم عبر موقع” المنبّه” الالكتروني، هو نفسه الذي سيحمل هموم وشكاوى وتمنيات أبناء بلادي الباحثين عن أية  مساعدة عينية أو تلك المتعلقة بالهجرة أو حتى اللجوء هربًا من الواقع الأليم الذي يعيشونه  في لبنان.                                                       

ولم أكن أعلم أن الرقم الذي اخترته جميلًا، سهل الحفظ والاحتفاظ به، هو عينه الذي سجن ابتسامتي وتفاؤل أفكاري في بوتقة سوداء، لاسيما بعد الكم الهائل من رسائل الواتس اب، الباحثة عن بريق أمل ضئيل، مفادها سؤال وحيد لا جواب عليه، كيف لي أن انقذ من طلب مساعدتي وأنا عاجزة لأنني لا أملك القرار ولا الرؤية “المساعداتية”.

احتلت مأساة شعبي كل كياني، وفي ذاكرتي الممزقة بين هواجس الماضي التعيس وتفاؤل المستقبل “الشريد”، رحت أنظر إلى ما بعد الكون وإلى ما بعد الحياة وأحلم. لا بل أطير، علني، بفانوس علاء الدين أو بعصا الساحرة امبروزيا، أستطيع ولو للحظات، أن أمحو عن وجوههم غضب الواقع المرير ومن أذهانهم وجع الموت الأليم، فنعيش معًا في أرض”جزيرية ” فيها من الحياة ما يشبه الحياة، فأعانق أخوتي بلهفة المحب المشتاق ورفاقي وأصدقائي بطيبة العاشق الولهان وأبناء بلادي بفرح المتعطش دائمًا للحب والسلام. ولكن، من أين لي الخيار، فأنا في بلاد فيها من الأمان والأمنيات ما جعل أخي اللبناني يسألني اللطف بالمساعدة وتحديدًا السفر إلى حيث أعيش، يريد الخلاص، وكيف لي أن اخلصه، وأنا لا حول لي ولا قوة لكنني ومن كل قلبي أريد.                                                        

الويل لهم حكام بلادي بما أوصلونا إليه، هجرة فيها من الحنين ما يدمي القلب والعين معًا، فقر وجوع ما يفطر الفؤاد والروح أيضًا معًا، خوف وضياع، يأس لا رجاء فيه، موت لا قيامة بعده….وكيف لنا أن نبقى وأن نعيش؟؟؟؟                                                                  

الويل لمن هجرنا في بلادنا وساهم في انتشارنا في بلاد الاغتراب، سرق أموالنا، نهب أحلامنا الوردية وعاث في ديارنا الخراب، فهربنا الواحد تلو العائلة، والعائلة تلو الجماعة، ومن لم يكتب له فرصة النجاة والاختيار، بات حلم الحياة كبير عليه، كبير إلى درجة القساوة، فكيف لي أن أرد على من سألني الرحيل، على من أراد شبعًا لأطفاله بعد هذا الجوع العنيد ، وبماذا أرد، ماذا أقول، ولمن بعد أقول؟                                                      

أخوتي ،أخواتي                                                            

انتم يا من ترسلون لي عبر خدمة الواتس اب رسائل محبة وتقدير، رسائل تطلب المساعدة بالترحيل، أحبكم جميعًا، أود أن أمد يدي الصغيرة لانتشالكم مما أنتم فيه، أود أن أحمل لكم كل العون في يمناي وكل الدعم والقوة في يسراي ولكن ماذا عساي أن أفعل وأنا مواطنة حائرة في غياهب الزمن لا حيلة لي إلا التعاضد والتعاطف معكم؟                                       

لكن مهلًا، لا، لن أقف مكتوفة الأيدي أمام ما تستغيثون، سأنقل صرخاتكم إلى المسؤولين في بلادي الجديدة “كندا”، حيث الإنسان إنسان والحياة حياة والبلاد بلاد، ولن أتوانى لحظة واحدة عن السير بما ترغبون وطرحه أمام حكام البلاد القارسة البرودة الدافئة القلوب، علّني في رفع صوت القلم الحر في أرض الإنسانية الحقة أستطيع أن أمد جسر تواصل متين بين شعبي بلدي الحبيبين.                                                                 

معكم سأكون، ولكم سأستمع، وإليكم سأطلب وأطالب .                         

مع محبتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى