جاليات

المطران ميلاد الجاويش: أنطاكيا، أرض الاجداد، أرض يسوع والرسل، تستحق منا أن نبتكر أساليب جديدة لكي نعيد وحدتها لأنها أرض يسوع

تمثل الذكرى الثلاثمائة لإعادة الوحدة الكنسية بين الكنيسة الروميّة الملكيّة الأنطاكيّة والكنيسة الرومانية الكاثوليكية مناسبةً مهمّة تسلط الضوء على الجهود الجادة التي بُذلت وعلى التفاهم الذي تم بناؤه على مرّ الزمن لتحقيق الوحدة وإزالة الانقسام الذي استمر لعدة قرون.

الكلمة نيوز” التقت المطران ميلاد الجاويش راعي ابرشية كندا للروم الملكيين الكاثوليك للاطلاع منه على بعض التفاصيل حول الصلاة الاحتفاليّة التي ستقام في هذه المناسبة كما على أهمية وحدة الكنيسة وغيرها من المواضيع الروحية المتعلقة بهذه المناسبة المميزة.

-بداية، لنتحدث عن الاحتفال الذي تقيمه الكنيسة الكاثوليكية -كندا- في 19 من الشهر الحالي؟

أبرشيتنا، كما باقي الابرشيات الرومية الملكية في الشرق والمهجر، تحتفل هذه السنة بالذكرى المئويه الثالثة على اعادة الشركة الكنسية بين كنيسة انطاكيا الرومية وكنيسة روما. سنقيم احتفالًا عندنا في كاتدرائيّة المخلّص في مونتريال، ضمن أسبوع الصلاة من اجل وحدة الكنائس، بحضور السفير البابوي في كندا المونسنيور إيفان يوركوفيتش ورهط من الأساقفة، وهو عبارة عن سهرة صلاة ووقفة ضمير واعادة تفكير في وجودنا الكنسي.

-لنتحدث قليلا عند نشأة الطائفة الكاثوليكية، واقعها اليوم عامة وفي كندا خاصة؟

هي كنيسة مشرقيه، انطاكية، رسولية، لاننا عندما نقول انطاكية فهذا يعني أنّها ضمن الكنائس الاولى التي تأسست بعد صعود الرب يسوع الى السماء. حاليًا في انطاكيا كنائس عدة، وكنيستنا الأمّ الرومية الملكية انقسمت للأسف في العام 1724 بين روم أرثوذكس وروم كاثوليك، هي كنيسة بيزنطية تتّبع الطقس البيزنطي ولغتها الاصلية اليونانية اضافة الى العربية حالياً.

وعن واقعها اليوم في كندا، لا بد من القول ان “الروم الملكيين الكاثوليك” أتوا الى كندا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد الاحداث المؤلمة في الشرق، خصوصًا بعد احداث 1860، وكنيسة المخلص تأسست هنا سنة 1892، وهي أول رعية مشرقية مسيحية، لتخدم ليس الروم الكاثوليك فحسب، بل كل الكاثوليك الشرقيين بما فيهم الموارنة والسريان والارمن والاقباط الكاثوليك. منذ ذلك الوقت توسّعت الابرشية حتى اصبحت اليوم تعدّ 13 رعية في كندا كلها، 5 في مقاطعه كيبيك والباقي خارجها. وتتألف من مؤمنين أتوا من مختلف بلدان الشرق، من لبنان، وسوريا، وفلسطين، والاردنّ، ومصر، والسودان، لان في مصر هناك ايضا روم ملكيون وهم غير الاقباط المصريين. اذاً نحن كنيسة متنوعة الانتماءات ونصبّ كلنا في محبة المسيح.

-ماذا يعني هذا الفسيفساء البشري من كل الجنسيات والاتنيات الذي تضمّه كنيسة الملكيين؟

هي صورة مصغرة عن انطاكيا. فعندما نتكلم عن انطاكيا، لا نتكلم فقط عن تلك المدينة الواقعة شمال سوريا، بل نتكلم عنها كأرض مشرقية تحوي البطريركية الانطاكية القديمة التي تمتد حالياً على جنوب تركيا، سوريا، لبنان، فلسطين، والأردن وسائر المشرق. انها أرض يسوع، أرض الرسل الاوائل. هناك يسوع خرج من فلسطين من أرض انطاكيا، كذلك الرسل الاوائل بطرس وبولس وغيرهم خرجوا من هذه الارض، ونحن المسيحيون المشرقيون أبناء هذه الكنيسة الاولى، نحن أبناء الرسل وانا لا أعتبر انطاكيا ارضاً فحسب وليست جغرافيا أو تاريخًا فقط، بل هي قيمة ما بعدها قيمة، بمعنى أننا أبناء الرسل الاوائل.

-ما معنى ان تكون كاثوليكياً او ارثوذكسياً ؟

ان تكون كاثوليكياً، والكاثوليكية بمعناها الحرفي “الجامعة”، هو ان يكون قلبك قلباً عالمياً يتّسع للجميع، ان تتّسم بالعلم والمعرفة والانفتاح على الآخرين، وأن تكون أرثوذكسياً هي ان تكون منغمساً في المسيح، صاحب قلب مستقيم. المسألة ليست مسأله ايمان مستقيم فحسب، بل قلب مستقيم، هي كما يقول اللاهوتي الكبير المطران جورج خضر: الارثوذكسية هي استقامة قلب وانغماس في المسيح قبل ان تكون انغماسًا في الطقوس، ونحن الروم الكاثوليك نجمع بين الاثنين، نحن كاثوليك في معتقدنا وارثوذكسيون في طقوسنا نجمع هذا الغنى الذي يأتي من الكنيستين.

-هل لنا بلمحة مقتضبة عن الاحداث التي أدت الى هذا الانقسام في الكنيسة ومن ثم الجهود التي أدت الى درء هذا الانقسام في خلال 300 سنة؟

هناك عوامل تاريخية معقّدة أدّت للأسف الى هذا الانقسام في قلب الكنيسة الرومية الانطاكية بين ما عرف لاحقاً بروم كاثوليك وروم أرثوذكس، لا نستطيع الان أن ندخل في تفاصيلها، بالطبع لكل كنيسة من هاتين الكنيستين نظرتهما وقراءتهما الخاصة لما حدث سنة 1724. بالمختصر كان هناك فريقان: فريق يحاول أن يعيد الوحدة مع كنيسة روما كما كانت في القرن الاول قبل الانقسام الكبير سنة 1054، وهناك فريق آخر كان يريد ان يثبت على أرثوذكسيته ويرفض إعادة الشركة مع البابا. هذان التياران أتت ظروف وقسمتهما بين بطريركيّتين.

-ما هي أهمية اعادة الوحده الكنسية للمؤمنين بشكل عام؟

طبعاً وحدة الكنيسة هي هدفنا، هي صلاتنا، هي أملنا ورجاؤنا، ولكن هذا الامر يتطلب رؤية جديدة وهدوءاً وصلاة وتضحيات كثيرة، هناك تقدّم كبير أُحرزَ نسبة الى الماضي، ولكن الامور تتطور نحو الايجابيه بإذن الله، على كل فريق أن يعيد قراءة الماضي بطريقة جديدة، وأنا سأقول في خطابي في 19 الشهر بأن انطاكيا أرض الاجداد، أرض يسوع والرسل، تستحق منا أن نبتكر أساليب جديدة لكي نعيد وحدتها لأنها أرض يسوع.

-استلمت الابرشية منذ ما يقارب السنتين تقريباً، ماذا تود أن تقول لأبناء الطائفة؟

اسمحي لي ان أصحّح قليلاً، فأنا أفضّل ان أستعمل كلمة “أبناء الكنيسة” بدلاً من “أبناء الطائفة”، لان هناك فرق بين الطائفة وهي مفهوم اجتماعي، والكنيسة وهي مفهوم روحي ديني.

أقول لهم، نحن في كندا لا ننظر الى الماضي لكي نرى انقساماتنا، ولكن نتطلع الى المستقبل بعين واحدة، هذه الذكرى ليست يوبيلاً لان اليوبيل هو احتفال، والاحتفال الكبير نقيمه عندما تتوحّد الكنيسة. كما انه ليس احتفالاً بولادة كنيسة الروم الكاثوليك، لان الكنيسة لم تولد في العام 1724 بل على أيام الرسل، هي كنيسة رسولية، نحن نقيم هذه الاحتفالية أو هذه الصلاة لكي تكون وقفة ضمير ورجوع الى الداخل وتوبة داخلية في طريق الألف ميل نحو الوحدة الشاملة بإذن الله.

-برأيك بماذا تختلف مشاكل أبناء الكنيسة في لبنان عن نظرائهم في بلاد الاغتراب؟

لكل بلد مشاكله وتحدياته، بالطبع التحديات في لبنان حالياً هي اقتصادية، مصيرية، هناك اسئلة حول الوجود المسيحي في الشرق، هناك شرق يفرغ من مؤمنيه وهذه هي المصيبة الكبرى، وعبء على ضمير المسؤولين الكنسيين الشرقيين، اضافة الى الوضع الاقتصادي الصعب والفقر المتفشي والعوز، اما هنا في كندا، هناك تحديات أخرى ليست من باب الاقتصاد ولكن تحديات المحافظة على ايماننا المسيحي في قلب مجتمع علماني أقرب الى الالحاد. هذا هو التحدي الكبير ان نحافظ على اولادنا، ثقافتنا، تراثنا وطقوسنا من دون ان نلغي الانفتاح على المجتمع الكندي.

-كلمة اخيرة

اشكر لك هذه المقابله أنت لديك حب للجالية اللبنانية والشرقية بشكل عام وتواصلك عبر الجالية اللبنانية في كندا كلها برهان على ذلك، أشكرك من كل قلبي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى