.tie-icon-fire { display:none; }
أخبار لبنان

لبنان دولة منتهية الصلاحية في سجلاتها التجارية وذاكرتها الجمعية بخطر

‎بقلم مازن مجوز

حالة من الفوضى والإهمال، يرافقها غياب الكهرباء وضياع الملفات، فيما الكثير من الحقائب السفر تحولت إلى أدوات لحفظ الأوراق والملفات، وتبقى العبارة التي يبادرك بها أي موظف تسأله عن ملف معين او ورقة تحتاجها: الـ systeme معطل منذ أكثر من شهر، “إذا بتحب تبرم عليها تفضل وإذا حظك حلو بتلاقيها”.

من زار مقر السجل التجاري في قصر العدل في بيروت منذ العام 2020 سيدرك بديهيا أننا نتحدث عن الحالة المزرية التي يتخبط بها أحد ارقى اقلام السجلات التجارية في لبنان…. وبالطبع لا يكتمل المشهد من دون “التعصيب” الذي يصيب كل من باشر بالبحث عن….. إبرة في كومة قش والذي قد يستمر لأسابيع، في درجة حرارة تلامس ال 35 احيانا يقابلها نسبة رطوبة تتراوح بين 70 إلى 75 %.

ملفات واوراق مكدسة منذ العام 1940، فوق الرفوف والطاولات بشكل عشوائي ومنها ما هو مرمي على الارض وفوق الزوايا، تجسدت في صور صادمة وثقها “جاكوب بوسوول” وهو صحافي أجنبي يعمل في بيروت، عبر حسابه على تويتر في 10 كانون الثاني 2020 من داخل أحد مكاتب السجل التجاري، واصفا الوضع بـ “العصر الحجري في لبنان”.

ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسية والتنمية الدكتور نزيه الخياط في حديث لـ “هنا لبنان” أن هذا المشهد هو فعلا مرآة لواقع البلد وانهيار المؤسسات فيه، وهو إنعكاس للإستعصاء عن إجراء أي عملية إصلاح داخل الإدارة اللبنانية، لأن المطلوب الحفاظ على مبدأ الزبائنية والمحسوبية كنهج، معتبرا أن أي إصلاح قادر على مقاربة الأزمات الحقيقية في الإدارة اللبنانية،  سيطال عدد من الموظفين الذين توظفوا بـ “الواسطة” وهؤلاء معظمهم لا يتمتعوا بالكفاءة المطلوبة في هذه المواقع.

وكلاء ومحامون ومندوبين منتدبين لشركات ومؤسسات يمضون ساعات لانهاء معاملاتهم، هذا إن حالفهم الحظ في مركز يعد  الأكبر على صعيد المحافظات في لبنان، وواجهة لبنان للتجارة والإستثمار. بالطبع هي مسؤولية الدولة في المحافظة على هذه الأوراق والمستندات لمواطنيها والشركات الوطنية والأجنبية العاملة على أراضيها لكن على من تقرع مزاميرك يا داوود؟

وإذا كانت الحجة السائدة هي عدم توفر مساحات أو أماكن مخصصة لوضعها فيها، بقى تعليق أحد المواطنين على الصور الملتقطة من داخل مقر السجل التجاري: “كل هذه الملفات والأوراق يمكن جمعها في كومبيوتر واحد”. فالحل لهذه الفوضى العارمة لا يحتاج إلى الكثير من التفكير ويكمن في “المكننة”. فهذا المقر هو صورة مصغرة عن الإدارات والمؤسسات العامة في لبنان التي لا تزال موجودة في عصر ما قبل التكنولوجيا والأنترنت.

وحول الوعود التي يطلقها الوزراء المعنيون بهذا الملف يعلق الخياط: “حالة الإستعصاء تنسحب أيضاً على عملية المكننة، فالمعنيون وأصحاب الشأن ومنذ 30 سنة يعدون اللبنانيين بانجاز الحكومة الالكترونية أي مكننة أجهزة الدولة”، أي الإستعاضة عن العلاقة المباشرة بين الموظف والمواطن، ما يمنع عملية الرشاوة أو الفساد أو التزوير، لأنه عبر المكننة يمكن ضبط 90 % من أعمال الادارة اللبنانية وهذا لا يزال بعيد المنال، ولنسأل أصحاب الشأن عن الأسباب يوضح الخياط.

ويبدو أن حال السجل التجاري في مختلف المناطق ليس أفضل حالا من حال هذا المقر، وهو ما أشار إليه نقيب المحامين ناضر كسبار خلال ترؤسه الإجتماع الأول للجنة شؤون السجل التجاري في الثالث من شباط الماضي بقوله “مع ما يعانيه السجل التجاري في مختلف المناطق من فوضى وإكتظاظ”.

ووفق الخياط فإننا مع عدم تحديث الإدارة، فإننا نضرب جزء من ذاكرة الدولة اللبنانية التي بات عمرها 100 سنة ليسأل اليوم بعد أن تم الإجهاز على مؤسسات الدولة والسعي إلى الإجهاز على الكيان مطلوب هل المطلوب أيضا إزالة كل اثر لما يسمى بالذاكرة الجمعية للدولة اللبنانية الممثلة بأرشيفها؟ وهل نحن نحترم إرث مجتمعنا وتاريخنا كما فعلت تركيا مع الإرشيف العثماني الذي يعود إلى 650 مضت وأنشأت له اهم مركز للإرشيف في العالم؟ حتى أن الأرشيف التركي يتضمن من أكثر من 110 ملايين وثيقة يتم مكننتها وحفظها الكترونيا ورقميا.

ويختم الخياط مؤكدا أن ما يحصل يدل على أن الإستمرار والإمعان في الفساد سيبقى سيد الموقف مع الأسف، لأنه ليس هناك من توجه رغم كل الكلام اللفظي التافه الذي يصدر عن أركان السلطة والدولة، ليبقى ينطبق عليهم القول “إسمع تفرح جرب تحزن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى