الكوش مخرجة لبنانية تحلق في عالم السينما العالمية وتطمح نحو الأقضل
كتب مازن مجوز
بإرادة لا تقهر، وتصميم لا يتراجع أمام التحديات الجمة التي واجهتها، بينها ما واجهته في طريقها الشاق إلى مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي، حينما لم تكن تملك المال المطلوب للسفر للوصول إلى أمستردام للمشاركة فيه، فعرفت بدبلوماسيتها كيف “تدبر أمورها” مع الجهة التي قدمت لها المنحة حيث أبلغتها “لا أريد أن أخسر الفرصة فقط لأنني لا أحمل المال”.
إنها المخرجة اللبنانية هلا الكوش التي ما لبث أن تم اختيار فيلمها The Place Where I Belong (المكان الذي أنتمي إليه) ليكون واحداً من 16 فيلماً فقط من بين 260 مشروعاً اختاره القيمون على المهرجان مشروعاً للانضمام إلى برنامج 2022 في أمستردام وعبر الإنترنت في هذه النسخة من المهرجان الذي يدعم صناع الأفلام من خلال برامج تنمية المواهب والذي سيقام من حزيران/يونيو إلى أيلول/ سبتمبر المقبل.
وتؤكد الكوش أنها ستعمل على أول فيلم طويل خاص بها بدعم من المهرجان، “أنا حالياً في أمستردام أقوم بالتحضير له، فهو لا يزال في مرحلة التطوير والكتابة، ولم أحدد حتى الآن من سيشاركني في التمثيل أو إذا سأكون وحيدة، وسيتناول مواضيع عدة، أشبهها كلها بالبوصلة التي ستدلك في النهاية إلى صلب الموضوع، وسيركز أيضاً على تأثير إنفجار 4 آب على الشخصية الرئيسية (أنا) وعلى اللبنانيين ومن ثم على المجتمع اللبناني”.
تحقيق الذات واكتساب الخبرة عاملان اكتشفت الكثير من تفاصيلهما خلال مشاركتها في ورشة عمل في الدانمارك والتي لم تلمسها في عالم السينما في لبنان، مشاركة غيرت مصير حياتها “لمست الانفتاح وخطًّا جديدًا في الفن، حيث وجدت نفسي أكثر في خط الأفلام الوثائقية” مشددة على اكتشافها عالمًا جديدًا، عالم يشبهها “من ينفذون تلك الأفلام أيضاً يشبهونني لأنهم كانوا حقيقيين ويتمتعون بالشفافية مع أنفسهم”.
ومن هنا قررت الكوش التعبير عن الأشياء التي تحدث في الحياة والتي يخاف الناس الحديث عنها وتوضح “سعيت إلى إحداث تغيير نوعي على الصعيد الشخصي، ومن ثم أحاول أن أُغير في المجتمع حولي، ومن هنا استعملت السينما إلى أداة للثورة والنشاط والعلاج النفسي لي وللعالم من حولي”، رافضة ما تداوله الإعلام اللبناني من أنها حاولت في فيلمها “الفائز” نقل معاناة وآلام اللبنانيين إثر الانفجار المشؤوم “أنا أنقل قصتي وربما من خلالها الكل يتعاطف مع الشخصية الرئيسية، كي يشعروا تماماً بما أشعر به أي كما حصل في perfect picture حيث لم يكم هدفي أن أنقل وجع أحد، بل كنت شفافة وحقيقية وجريئة في الفن الذي قدمته.
ويعد هذا الفيلم الوثائقي المتوسط الطول “الصورة المثالية” أول فيلم مستقل لها، وحقق نجاحاً كبيراً، إذ تم الاعتراف به من قبل المهرجانات السينمائية الوثائقية الرائدة في العالم، فتم عرضه لأول مرة في IDFAثم تابع إلى HOTDOCS، واستمر في جولته العالمية من خلال العديد من المهرجانات السينمائية الدولية كـ “أفضل فيلم وثائقي إبداعي” في Women Voices Now، مهرجان قابس السينمائي، وHollywood Women Themes Internartional Film Festival.
وخلال عام 2021، حصلت الكوش أيضاً على جائزة في مسابقة التصوير الفوتوغرافي ونالت لقب المرأة ذات الرؤية من Canon في الشرق الأوسط (Women with Vision)..
العديد من المبادئ ترسخت في شخصية الكوش خلال مسيرة “تراكم الخبرات”، وبرأيها “الشيء الأهم هو عدم الخوف من الفشل، لأنه يخفف من حماسنا (المدروس بالطبع) ويبقينا في دائرة “تكرار ذاتنا”. هي مبادئ تتمازج مع سمات شخصيتها “أنا كتير حساسة ودبلوماسية، أحب الأخذ والرد وكمخرجة لا أتمسك برأيي، بل أتوقف عند آراء أصحاب الخبرة والمتخصصين، وأترك مجالاً للاقتراحات أو الأفكار غير المتوقعة، وهي أحياناً تدخل الجمال إلى أفلامي”.
أما فضولها الفني فله شأن آخر، فهو الدافع الأول وراء اطلاعها على آخر الإبداعات والإبتكارات في عالم السينما والتمثيل والإخراج والتصوير، عامل يأتي بالدرجة الأولى في اكتشاف الآفاق الجديدة أمامها وفق تعبيرها.
وبشفافيتها الفنية تكشف الكوش عن علاقة حب كبيرة بينها وبين السينما الوثائقية “لأنها تجسد الحقيقة كما هي من دون تجميل، ولأنني أنا شخص أيضاً كذلك، وجدت نفسي فيها بشكل كبير، حتى أشعر أنها مثل مرآتي”.
بصورة مختلفة وأسلوب مبتكر تميز فيلم “المكان الذي أنتمي إليه” ما ساهم في حصد النقاط “التقييمية” لتختم الكوش برسالة إلى اللبنانيين “عندما ترغب في شيء ما، فإن الكون بأسره يطاوعك على القيام بتحقيق رغبتك” حتى لو بات لبنان بلداً من الصعب على أحد أن يطمح أو يحلم فيه، فأكثر اللبنانيين لم يعودوا يجرؤون على السعي لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم.