“معمول” في كندا تحاكي الوجع وتبلسم الجراح

شهد مسرح Andre Mathieu في لافال ،المسرحية اللبنانية “معمول” وهي من وهي من الاعمال الاجتماعية المعاصرة،عمل يحمل في طيّاته طابعًا إنسانيًا وعاطفيًا، ويغوص في عمق العلاقات العائلية والحنين إلى الجذور والتقاليد.
تتناول المسرحية التي كتبها واخرجها سارة عبدو وكريم شبلي وقام بتنفيذ انتاجها في كندا المخرجة والممثلة الكندية من اصول لبنانية رانيا الحلو، ونظمتها شركات canev لصاحبيها د. كميل نصار وايف قيومجي و New dimension لصاحبتها السيدة هاي لاف حدشيتي ، موضوع العادات والتقاليد التي نحملها معنا في الغربة، فتُظهر كيف يصبح “المعمول” رمزًا للمحبة واللقاء ولمّ الشمل، كما تعكس الصراعات اليومية للمهاجرين الذين يحاولون الحفاظ على هويتهم الثقافية وسط بيئة جديدة.
يمتزج في العمل الحنين بالفكاهة، والواقع بالرمز، وتُقدَّم الرسائل ببساطة وعمق، مع أداء تمثيلي حساس ومؤثر. وقد لقيت المسرحية ترحيبًا واسعًا من الجمهور، خصوصًا الجالية اللبنانية والعربية، الذين وجدوا أنفسهم بين سطور النص وفي مشاهد العرض.
وتدور أحداث المسرحية حول أربع نساء: هيام أبو شديد في دور “تانيا”، والدة “ريم” التي تجسّد شخصيتها سارة عبدو، وندى أبو فرحات في دور “جولي”، صاحبة صالون التجميل، وسينتيا كرم في دور “عَفّو”، الفتاة التي كرّست حياتها لرعاية والدتها المريضة ولم تتزوج. تلتقي النساء الأربع في مناسبات مختلفة لتحضير المعمول، هذه الحلوى التراثية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، والتي ترتبط بالأعياد وتُشكّل رمزًا للذكريات، والحنين، ولمّ الشمل،ويتناولن موضوعات من الحياة اليومية ،ويتناولن موضوعات من الحياة اليومية، فيتحادثن عن الحب، والزواج، والهجرة، والوحدة، والخوف من الغد، كما يتشاركن آمالهن وخيباتهن، ويعبّرن عن وجعهن بلغة صادقة وعفوية، ضمن قالب ترفيهي إنساني فيه من الطرافة بقدر ما فيه من العمق. يجتمعن حول المعمول، لكن ما يجمعهن في الحقيقة هو الذاكرة، والأمومة، والصداقة، والبحث عن الذات وسط عالم سريع التغيّر.
بارعة هيام ابو شديد في دور الام المحافظة والملتزمة دينيا وملفتة كعادتها ندى ابو فرحات بتجسيدها دور المرأة القوية المعاصرة المتحررة التي فقدت زوجها ولم تخجل باليوح بأحد المحرمات باعلانها حبها لسيدة بعد وفاة زوجها ،اما الممثلة الشابة سارة عبده، الشريكة في الكتابة، فهي المرأة التي تحارب المجتمع والأم والأحكام المسبقة وكل ما يواجه المرأة الشابة في مجتمعنا اليوم ،ليبقى الدور الأكثر دفئا وقربا من قلوب المشاهدين وهو دور سينتيا كرم حيث تؤدي دور المرأة الدرزية التقليدية التي تترك عملها لتهتم بوالدتها المريضة هي التي تتمتع بالروح الجميلة والقلب الطيب ،والتي عوّضها الله في حب لم تكن تتوقعه والذي يلعب دوره جوزيف آصاف الذكر الوحيد في المسرحية.
ساعة ونص الساعة في العرض الاول وساعة ونصف الساعة في العرض الثاني ،لا ملل،لا ضجر بل ضحك متواصل رغم الوجع الذي عشناه سواء مع الاماض الجسدية او النفسية التي نقلها لنا ارباب ذاك المسرح الهادف دون ان يأخذونا الى الابتذال او الى التكرار انما برقي واحتراف ومهارة مسرحية ملفتة عشنا في اغترابنا الطويل قصر المسافات فيما بيننا وبين بلدنا الام.
افتتح المسرحية د.نصار الذي أكد على وجوب مساعدة لبنان ومما قاله:”اليوم نحن هنا، ليس فقط لنضحك، ولا فقط لنتفرّج، بل لنُعبّر عن مهمّة نحملها في وجداننا: مساعدة لبنان ،لبنان، هذا الوطن الذي مهما تعِب ومهما اشتدّت عليه الأيام، يبقى حيًّا فينا، يقلقنا ويعنينا، ويدفعنا للمبادرة كلما سنحت الفرصة.
بعد النجاحات التي حققها عرض “معمول” في بيروت ودبي، رأينا أن الوقت قد حان لنحضره إلى كندا. سبعة فنانين على الخشبة اليوم، من بينهم كاتبان ومنتجان شاركا في صياغة هذا العمل بشغف وحب.لقد كنا في السابق نقدم عروضًا كلاسيكية، حفلات أو “ستاند أب”، لكن هذه المرة قررنا خوض تجربة مختلفة:تجربة تجمع بين الضحك والتأمل، بين الحنين والعمل، بين الوطن والغربة.وجودكم معنا اليوم ليس مجرد حضور… هو موقف، هو تضامن، هو رسالة دعم لشباب لبنان، وللفن، وللمبادرات التي تصنع فرقًا.
غادة نصر
وفي كلمتها شكرت السيدة غادة نصر رئيسة جمعية l’association cancer Canada Liban (A2CL) كل شخص حضر اليوم على دعمه اللامشروط للجمعية متوقفة عند شعار الجمعية “ترويض السرطان والعيش بكرامة”،مشيرة الى ان الجمعية تعمل بكل شفافية على مساعدة اي شخص بالغ مصاب بالسرطان ويحتاج إلى دعم جسدي، نفسي، أو مالي، وذلك من خلال تقديم المشورة على يد مهنيين في مجال الصحة،وتأمين الأدوية الخاصة بالسرطان والمستلزمات المرافقة لها،
هنا في كندا، وفي لبنان أيضاً، عبر جمعية “باربرا نصّار”.
واشارت نصر الى ان الجمعية تقوم حالياً بتوقيع مذكرة تفاهم (MoU) مع أهم مركز للعناية التلطيفية في كندا، وهو مركز Teresa Dellar للعناية التلطيفية في غرب جزيرة مونتريال، وذلك لتبادل الخبرات وتأمين تدريبات في هذا المجال.
وتابعت تقول:”سهرتنا الليلة معمول ومعقول ،معقول يكون عنا بلبنان اول مركز للعناية لمرضى السرطان،معقول لان المركز فتح ابوابه في 14 شباط ،نعم لقد تحقق الحلم :في 14 شباط، التاريخ يعني الكثير ،انه عيد يوم الحب والتعاطف، افتتحنا أول مركز للعناية بمرضى السرطان في لبنان. نعم، أصبح “المعقول معمولًا”، وبدأ المركز بتقديم خدماته، من توزيع الأدوية مجانا إلى تنظيم أنشطة علاجية وترفيهية مثل اليوغا والزومبا للمرضى وذويهم.اشكركم واقول لكم المعمول معكم صار معقول بدعمكم ،اليوم، نؤمن أكثر من أي وقت مضى أن بالحب والإصرار والدعم الجماعي، يمكننا أن نحقق المعجزات
الكلمة نيوز كانت هناك والتقت الممثلة وكاتبة العمل سارة عبدو التي تحدثت عن اسباب تسمية المسرحية بالمعمول قائلة:” المعمول ليس مجرد حلوى، بل هو ذكرى، وجَمعة، وحنين. حين أفكّر بالمعمول، أتذكّر عمّتي، وأمّي، وجدّتي، وزوجة عمّي. كيف كنّا نجتمع حول العجين، نراقب، ونسأل: ماذا تفعلن؟ ولماذا يستغرق هذا كلّ هذا الوقت؟ وما إن تتذوّق طعم المعمول، حتى تكتشف أنّك تذوقت التاريخ،نكهة ورثناها، وخليط يجمعنا جميعًا. هذا الأمر يبعث فيّ الروح، ويسعدني، وربّما يكون هذا هو السبب الحقيقي وراء حبّي للمعمول.”
وحول ما تود قوله للجالية اللبنانية التي ملأت المسرح بعرضيها المسائي والنهاري أجابت :”بالفعل لقد كانت الصالة مليئة بالحضور في العرضين، النهاري والمسائي، وهذا الحضور الغامر يعكس شوق الجالية اللبنانية للفن، وارتباطها العميق بالجذور، وبدفء اللقاءات التي تشبه الوطن.شكراً من كل قلبي. لولا حضوركم، لبقيت نصوصنا حبيسة الأدراج. وجودكم يعني لي الكثير، ودعمكم أثمن مما يُقال. أتمنى أن نكون قد قدّمنا ما يلامس قلوبكم، كما لامستم أنتم قلوبنا بحبّكم ودفئكم.”
وللجالية التي لا تزال متمسكة بتراثها وعاداتها وتقاليدها، أعربت الفنانة عن فرحتها واعتزازها بذلك، فقالت:”أنا فخورة بانتمائي اللبناني. وأنتم في الاغتراب تُصفّون الأمور السيئة وتحتفظون بما هو جميل وأصيل. أعلم أن هناك أموراً تُعيدنا إلى الماضي، لكننا نحاول أن نقدم أفضل ما لدينا لوطننا. أتمنى أن نبقى هكذا، وأن نعيد بناء البلد من جديد. قد لا يكون ذلك في ايامنا نحن ، لكن حتماً في جيل أبنائنا.”
اما سينتيا كرم فتحدثت عن فخرها بابناء بلدها في الاغتراب ومما قالته :” بكل صدق، لم نشعر بأننا في كندا، بل أحسسنا وكأننا في لبنان… بلهفة ابناء بلدي المنتشرين في كندا،بقلوبهم، واحتضانهم المليء بالمحبّة، وضحكاتهم التي غمرت القلوب. هذا أمر لن أنساه ما حييت. لم نشعر بالغربة، بل كنا في أحضان أهلنا. وأود أن أقول لهم: استمروا بزيارة لبنان، واحملوا معكم شمس الوطن، فلبنان بحاجة إليكم”.
وتوجهت بالشكر لكل لبناني لما يزل متمسكا “بعاداتنا وتقاليدنا، لقد التقيت بأكثر من عائلة لما تزل تجتمع لتحضير المعمول. يا لها من جالية جميلة، متّحدة، مترابطة، تسهر معاً وتعيش كعائلة واحدة. ما أجمل لو نتعلّم منكم قليلاً فقط! لماذا علينا دائماً أن نهاجر لنُدرك قيمة بعضنا البعض وقيمة الوطن؟
وختمت قائلة:”سأبقى دائمًا أقدّم ما ينبع من القلب، شيئًا يحمل مشاعر صادقة وقريبة من الناس. هذا هو الفن الذي أؤمن به، وسأظل دائمًا أقترب منكم بهذه الطريقة.”
وفي ختام العرض توجهت كاتبة العمل الممثلة سارة الى الجمهور بتحية خاصة بالقول :”ثمّة عبارة أقولها دائمًا في ختام كل عرض…لكن هذا المساء، ثمّة ما هو شخصي أودّ قوله قبل أن نغادر.
اليوم ذكرى وفاة إنسانٍ كان السبب في وقوفي على هذا المسرح ،كان دومًا خلفي، يدعمني، يشجّعني…
لم يستطع أن يعتلي الخشبة، لكنه منحني القوّة لأفعل.أحبّكِ… سارة.
وختمت قائلة:” هذه المسرحية تتناول مسألة العادات ،ثمّة عادات يجب أن نتمسّك بها، كالمعمول، والمسرح، ولحظات الفرح.
وثمّة عادات علينا أن نتخلّى عنها، كالازدحام، والتأخير، والأحكام المسبقة.نحن نعلم أنكم تركتم الكثير لتعيشوا هنا…
لكن احملوا معكم الأجمل من العادات.”
وهكذا، تُصبح “معمول” أكثر من مجرد مسرحية؛ إنها صرخة فنية ناعمة في وجه الجمود، ومرآة تعكس واقعاً يحتاج إلى مصارحة وشجاعة للتغيير. هي دعوة للتأمل، لإعادة النظر في المفاهيم الموروثة، وللتحرّر من أثقال اجتماعية كبّلت الأرواح وأخّرت الخطى. فربما آن الأوان أن نصنع “معمولًا” جديدًا… من قيمٍ تُبنى على المحبة، والانفتاح، واحترام الآخر، علّنا نذوق معه طعم الحياة كما يجب أن تكون.