جاليات

“غمّض عين، فتّح عين”.. عرضٌ يُعيد للمسرح صوته الإنساني وسط الركام

“غمّض عين، فتّح عين” المسرحية التي لعبت بطولتها سينتيا كرم وفؤاد يمين على مسرح اندريه ماتيو في لافال كندا،ليست مجرد مسرحية، بل مرآة تعكس وجوهنا وهمومنا اليومية، وتعيد إلى أذهان المهاجرين عادات من أوطانهم لم يتمكنوا من الإفلات من براثنها ، سواء لخفة لفظها ووقعها الجميل، أو لارتباطها العميق بتاريخٍ مليء بالذكريات والحنين.

العمل يقدّم رحلة إنسانية مؤثرة تجمع بين الحلم والانكسار، بين الحبّ والفقد، في زمنٍ يختبر فيه الإنسان معنى البقاء وسط التغيّرات والانهيارات. على مقاعد المسرح، ضحك الجمهور وبكى في آنٍ واحد، متأملًا كيف يمكن للحياة أن تتقلّب في لحظة،تماماً  كما يوحي عنوانها غمض عين وفتّح عين التي حرص كريم شبلي وسارة عبّدو في كتابتها واخراجها محاكات  وجدان المشاهد اللبناني والعربي، عبر حكايةٍ بسيطة في ظاهرها، عميقة في رمزيتها، تُعيدنا إلى ذاكرتنا الجماعية، وإلى تفاصيلٍ صغيرة من حياتنا اليومية التي لم تغادرنا يومًا.

تدور أحداث المسرحية داخل حمّام منزلٍ بسيط يتحول إلى مساحة رمزية تختصر حياة زوجين لبنانيين على مدى عقود. من لحظة الزواج الأولى، مرورًا بتقلبات الحرب، إلى الانفجارات المتتالية التي مزّقت المدينة، يواجه الزوجان تحولات الزمان والمكان وهما متمسكان بالأمل والحبّ رغم كل الخسارات.

منذ اللحظة الاولى ،عرفت عايدة وعبدو كيف يجذبان الجمهور الى عالمهما المنسوج من ذكريات الطفولة ،الازمات السياسية وانهيارات الواقع الاجتماعي ،الاحلام والاماني ،فخفة الظل كانت جواز عبورهما الى عيون الحاضرين الذين كانوا في حال من الانبهار والحنين مرة لبلادهم التي تركوا فيها احبة واصدقاء واخرى لما سيحدث مع الزوجين على الخشبة، وكأنّ المسرح تحوّل إلى مرآة تعكس ذواتهم وذاكرتهم في آنٍ واحد.

والبداية مع عايدة، تلك المرأة العاشقة حتى آخر نَفَس، المؤمنة بالعذراء مريم، التي لا تنفكّ ترفع صلواتها لها كلما ضاقت بها الحياة. إلى جانبها عبدو، الرجل المحبّ، الراضي بنصيبه، الذي يرى في البساطة سرّ السعادة.
يمرّ أمامنا شريط من الذكريات بسرعة البرق، فنرافقهما في رحلة عائلة تأسست على الحبّ، واكتملت بالعطاء والتفاني مع ولادة ابنهما الوحيد نوح، المهاجر إلى كندا، والذي لم يبقِ له من وطنه الأم سوى بيتٍ قديم ورثه عن والديه، يختزن عبق الماضي وذكريات الطفولة.

ومع توالي الأحداث، تتشابك الأزمات الأمنية والسياسية التي خلّفت الجراح والخسارات، لتأخذنا المسرحية إلى لحظتها الأخيرة: صلاة العجوز عايدة أمام صورة العذراء بعد فقدانها حبيبها العجوز عبدو. لحظة صامتة، لكنها تختصر عمق الفقد، ووجع الانتظار، وجمال الوفاء الذي لا يشيخ.

الكاتبان والمخرجان شبلي وعبّدو قدّما عملًا يجمع بين الكوميديا السوداء والمأساة الواقعية، حيث الضحك يجاور البكاء، والحنين يلتقي بالخذلان. وتُروى القصة بلهجة لبنانية قريبة من الناس، تجعل الجمهور يرى في الشخصيتين جزءًا من حياته الخاصة.

الكلمة نيوز كانت هناك والتقت ابطال العمل وجاءت بالتقرير التالي:

قالت سينتيا بصوتٍ تغمره العاطفة وصدق الإحساس:”شكراً من القلب لكل الجمهور اللبناني الذي كان بانتظارنا اليوم. لقد شعرت بحبّكم في ضحكاتكم، في نظراتكم، وفي دفء حضوركم. شكراً لأنكم جئتم، وتحملتم عناء الطريق، وجلستم تصغون إلينا بقلوبكم قبل آذانكم. محبتكم هي طاقة تمنحني القوة في كل خطوة.”

وتوقفت لحظةً، كأنها تستعيد في ذاكرتها طريقاً طويلاً من العمل والاجتهاد، ثم تابعت:”النجاح لا يأتي صدفة، بل هو ثمرة تعبٍ وسنين طويلة من الإصرار. أشكر الله في كل لحظة على ما وصلت إليه، لأن ما أعيشه اليوم كان حلماً يرافقني منذ الطفولة. عندما يتحقق الحلم الذي انتظرته عمراً، لا يمكن وصف الإحساس بالكلمات.”

وحول اذا ما شعرت بان نجاحها جاء متأخرا أجابت :”لا أؤمن بشيء اسمه تأخّر في النجاح. كل شيء يأتي في وقته. الفرصة تحتاج إلى إنسان جاهز ليستقبلها. ربما لو جاءت قبل هذا الوقت، لما كنت أعيشها بنفس النضج والوعي. اليوم أنا حاضرة، مستعدة، وأقدّر كل ما وصلت إليه بعمق.”

وعن سرّ محبة الناس لها، قالت:”أظن أن الناس يشعرون بصدقك. يشعرون إذا كنت تحبهم فعلاً أم لا. أنا أكنّ لهم حباً حقيقياً واحتراماً عميقاً، وأحترمهم من خلال عملي. حين أقدّم عملاً من القلب، أقدّمه لهم أولاً، فهم يرون فيّ شخصاً يشبههم، يفكّر مثلهم، ويحلم مثلهم. هذه الشفافية هي ما يخلق بيني وبينهم علاقة صادقة وجميلة.”

ثم تحدثت عن مسرحيتها الأخيرة التي قدّمتها في بيروت ثم في كندا، وقالت بعينين تلمعان بالشغف:”هذه المسرحية قطعة من قلبي. عملنا عليها ليلاً ونهاراً في بيروت دون راحة، وواجهنا التعب والسهر بحبٍّ كبير. واليوم، عندما أقدّمها في كندا، أشعر أن كل الجهد كان يستحق. أحبّها إلى درجة أنني لو كُتب لي أن أرحل عن هذه الدنيا غداً، لاخترت أن أقدّمها مرّة أخيرة… ثم أغمض عينيّ بسلام.”

 فؤاد يمّين:

وفي حديث مع الكلمة نيوز وجه فؤاد يمين كلمة شكر فيها الجمهور اللبناني الذي حضر اليوم.ومما قاله:” لقد شعرنا فعلاً بحرارة قلوبكم هنا في كندا أكثر مما نشعر بها أحيانًا في لبنان. كان الدفء والطاقة والمحبة في القاعة لا يوصفون، وأدركنا كم أن هذا الجمهور يحتاج أن يسمع هذه القصة، وأن يعيش لحظات تشبهه وتعيد إليه شيئًا من رائحة لبنان، من صوته، من ذاكرته.

وأضاف متأثراً:”كنا جميعًا في حالة عاطفية قوية. فكلما اقتربنا من فكرة بيروت أو تذكّرناها، كانت المشاعر تفيض فينا. واليوم عندما رأيت الجمهور هنا، وكيف كان متعطشًا لكل ما يذكّره بلبنان، شعرت بإحساس جميل وصادق يصعب وصفه. فعلاً، اللبنانيون في الاغتراب يحملون لبنان في قلوبهم أكثر من كثيرين يعيشون فيه، بذاكرته، بطعامه، بروائحه، وبأهله،فعلاص تفاجأت بتفاعل الناس مع المسرحية. كنت متأكدًا أن العرض سيسعدهم، لكن لم أتوقع أن يكون التفاعل بهذا العمق. شعرت بمدى ارتباطهم بما نقدمه، وكأنهم يعيشون معنا كل لحظة على الخشبة. كان هناك تواصل مباشر من القلب، وهذا ما جعل التجربة مؤثرة جدًا بالنسبة لنا جميعًا.”

و عن الجولة الفنيةالتي سيقومون بها في أجاب:”بعد عرض مونتريال، لدينا جولة جديدة تشمل تورونتو في 31 أكتوبر، وغاتينو في 2 نوفمبر، وبعدها سنتوجّه إلى مدينة باريس في يناير. أنا متحمّس جدًا، وأعتقد أن جمهور باريس سيكون قريبًا من جمهورنا في لبنان، بحكم تواصله المستمر مع البلد الأم. لكن بصراحة، جمهور كندا فاجأنا بروحه الجميلة وبتفاعله، وقدرته على استقبال العمل بقلوب مفتوحة مليئة بالحب.”

وختم فؤاد حديثه بابتسامة تعكس شغفه الدائم:”نحن نعمل حاليًا على أكثر من مشروع جديد، بين السينما والمسرح، وستبدأ هذه الأعمال بالظهور قريبًا إن شاء الله. ما زلنا نحمل قصصنا من لبنان إلى كل مكان، لأن الفن بالنسبة لنا رسالة مستمرة… ورسالة حبّ قبل أي شيء.”

ناس تشرب لتنسى، أما نحن فاخترنا أن نصنع مسرحاً لنتذكّر

وكان لمخرج العمل كريم شبلي كلمة جاء فيها “ناس تشرب لتنسى، أما نحن فاخترنا أن نصنع مسرحاً لنتذكّر” بهذه الكلمات عبّرنا، أنا وسارة، عن قرارنا أن نشارككم تجربة مختلفة، صادقة، ومليئة بالمشاعر. بعد أن خسرتُ نادية وزوزو، وخسرت سارة ديديه، شعرنا أن أفضل طريقة لتكريم من فقدناهم هي أن نحافظ على الفرح الذي علمونا إياه، وأن ننقل إليكم شيئًا من الطاقة التي عاشوا بها.

المسرح بالنسبة لنا ليس مجرد عرض، بل مساحة للحب، للذكريات، وللضحك الذي يجمعنا مهما كانت الظروف. لذلك قررنا أن نشارككم هذا العمل. ونطلب منكم أن تشتركوا في القناة لتبقوا على تواصل معنا وتتابعوا رحلتنا.

نشكر من القلب فؤاد يمّين وسينتيا كرام على انضمامهما إلينا ومشاركتهما هذا الحلم. وجودهما معنا أعطى للمسرحية روحًا جديدة، ودفئًا يلامس القلب.

لقد مرّت خمس سنوات منذ بدأنا هذه المغامرة، وخلالها كبرنا، وتعلّمنا، وضحكنا، وبكينا، لكن الأجمل أننا هنا معكم ومع جمهورٍ آمن بالفن وبالمحبة وبالإنسانية ،شكرا لكميل نصار على هذه الفرصة الرائعة.

شكرًا من القلب لكل من حضر، ولكل من شاركنا الفرح. أنتم لستم جمهورًا فحسب، أنتم أصدقاء، وأهل، وسبب استمرارنا.

وفي الختام، لا بدّ من توجيه كلمة شكر وتقدير إلى شركة “Canev” ممثّلةً بمؤسسيها الدكتور كميل نصّار وإيف قيومجي، على خيارهما الفني الرفيع في تقديم مسرح راقٍ يلامس وجدان الناس ويُعيد للمسرح اللبناني مكانته كمساحةٍ للصدق والجمال والتأمل.

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى