منوّعات

قصة المهاجرون العرب في كاليفورنيا 

كتب سامي خليفة

تتعامل عالمة التاريخ الأميركية سارة غوالتيري، من جامعة “دورنسايف” في كاليفورنا، في كتابها، مع صورة نمطية قديمة للعرب الأميركيين، ما يؤكد مكانتهم الطويلة في الثقافة الأميركية.

في عام 1881، كانت عائلة أردبيلي، أول عائلة سورية تهاجر إلى الولايات المتحدة. وبحلول عام 1890، انتقل الجزء الأكبر من العائلة إلى لوس أنجلوس، وذهب اثنان منهم، نجيب وإبراهيم، إلى نيويورك، وأنشئا في عام 1892 أول صحيفة باللغة العربية في الولايات المتحدة، باسم “كوكب أميركا”.

وفي مشهدية أخرى عام 2003، عثرت كاثي سعاد كيني، وهي حفيدة مهاجرين فلسطينيين، على مخبأ غامض يوجد فيه رسائل مخزنة في صندوق حلوى قديم في منزل والدتها الواقع في لوس أنجلوس. داخل الصندوق كانت هناك أكثر من 130 رسالة كتبتها جدتها كاترينا سعادة. وهي سيدة أعمال ناجحة، هاجرت إلى فلسطين من كاليفورنيا عبر المكسيك قبل فترةٍ طويلة من الزمن.

كانت كيني متحمسة لقراءة الرسائل التي توفر كنز من المعلومات حول تاريخ عائلتها. إلا أنها كمهاجرة من الجيل الثالث، لم يكن لديها المفتاح الضروري لفتح الأسرار لأن الرسائل مكتوبة باللغة العربية.

تصف سارة غوالتيري هذا المشهد في كتابها الجديد: “الطرق العربية: مسارات إلى كاليفورنيا السورية ” Arab Routes: Pathways to Syrian California (مكون من 224 صفحة، مطبعة جامعة ستانفورد، 24 دولارًا)، الذي يستكشف كيف نشأ مجتمع عربي-أميركي في جنوب كاليفورنيا. من خلال القيام بذلك، أعادت غوالتيري، الأستاذة المساعدة في الدراسات الأميركية والعرقية والتاريخ ودراسات الشرق الأوسط في كلية “يو إس سي دورنسايف” للآداب والفنون والعلوم، تسجيل العرب في تاريخ كاليفورنيا.

المهاجرون العرب في أميركا

تقول غوالتيري عن الكتاب: “تقليديًا، لم يتعرف تاريخ كاليفورنيا على الجذور العميقة للمجتمع العربي هنا في الولاية. كتابي يدفع ضد فكرة تنتشر على نطاق واسع في وسائل الإعلام وتُفيد بأن العرب هم مهاجرون جدد، وأنهم دائمًا ما يكونون شرق أوسطيين أكثر من كونهم أميركيين”.

بطلب من مساعدة مؤرخ ومترجم فلسطيني، شرعت كيني في رحلة لكشف أسرار ماضي جدتها. وكشفت الرسائل المترجمة عن قضية طلاق معقدة بين جدتها وزوجها آنذاك، وهي قضية أعادت جدتها ذهابًا وإيابًا إلى فلسطين.

تشرح غوالتيري ذلك قائلةً: “تفهم كاثي رحلة جدتها كمهاجرة، كإمرأة جاءت من فلسطين إلى كاليفورنيا من خلال هذا اللغز الذي يتكشف في رسائلها. لا تكتشف كاثي دراما عائلية لا توصف فحسب، بل تبدأ في فهم هذا البعد الكامل في حياتها بطريقة جديدة. وهذا يساعدها على التواصل مع إحساسها بالعروبة وصقل هويتها كأميركية عربية “.

تقول غوالتيري إن الجالية العربية-الأميركية تعمل غالبًا على إعادة بناء علاقتها بجذورها في الشرق الأوسط. ويميل العديد من أفراد الجالية العربية الذين قابلتهم خلال بحثها إلى تجاهل هويتهم كأميركيين عرب، خصوصًا أولئك الذين هاجروا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كان هناك عداء كبير تجاه الدول العربية.

الصلة بأميركا اللاتينية

تكون أصول الناس في كثير من الأحيان أكثر تعقيدًا مما قد تظهر على السطح، وهذا موضوع جوهري يضيء عليه بحث غوالتيري. وهي تجادل بالقول أننا نميل إلى التفكير في الهجرة على أنها رحلة غير محدودة، ولا نولي اهتمامًا كافيًا للدور المهم الذي تلعبه في تشكيل هويات المهاجرين من خلال الأماكن التي يعيشون فيها والوقت الذي يقضونه على طول الطريق.

منذ أواخر القرن التاسع عشر، ارتبطت الهجرة السورية واللبنانية، على وجه الخصوص، ارتباطًا وثيقًا بجنوب كاليفورنيا وبأميركا اللاتينية وعبرها، وخصوصًا المكسيك.

تعلّق غوالتيري على هذه النقطة بالقول: “هذا البعد الأميركي-اللاتيني للتاريخ العربي في جنوب كاليفورنيا غير معروف جيدًا، وأردت أن أروي تلك القصة. ينظر كتابي إلى ما أسميه” مسارات أخرى ” إلى الولايات المتحدة، وتحديدًا إلى كاليفورنيا، ولا سيما في هذا المسار الجنوبي الذي أخذه الكثير من المهاجرين الناطقين بالعربية إلى لوس أنجلوس”.

يتجاوز بحث غوالتيري الصور النمطية لجزيرة إليس لكشف قصص هذه الجالية الأميركية-السورية، وتكشف عن تضامن مهم عبر الحدود والأعراق في كاليفورنيا السورية.

جريمة قتل في سليبي لاجون

من بين ما تذكره غوالتيري في كتابها، تكشف عن المصالح السورية في الدفاع عن المراهقين الأميركيين-المكسيكيين المتهمين في جريمة القتل في “سليبي لاجون” عام 1942.

اتُهم اثنان وعشرون من الأعضاء المزعومين في عصابة “شارع 38” بقتل شاب أميركي-مكسيكي يُدعى خوسيه دياز، الذي وجد فاقدًا للوعي ويحتضر بالقرب من متجرٍ في كاليفورنيا. وفي تلك الفترة، كان “سليبي لاجون”، مكانًا شهيرًا للسباحة للأميركيين-المكسيكيين الذين مُنعوا من الدخول إليه بسبب التفرقة العنصرية والتمييز. في نهاية المطاف، أُحيل سبعة عشر متهمًا إلى المحكمة، حيث جرت أكبر محاكمة جماعية في تاريخ كاليفورنيا في جو من التحيز الشديد والتمييز العنصري.

تروي غوالتيري قصة ما أصبح إجهاضًا سيئًا للعدالة من خلال عدسة أحد كبار محامي الدفاع في القضية، وهو سوري-أميركي يُدعى جورج شبلي.

تقول غوالتيري: “عندما نفهم هذه المحاكمة الشهيرة والصعبة في تاريخ كاليفورنيا بمؤازرة محامٍ أميركي من أصول سورية، يمكننا أن نرى أنواع التضامن التي ظهرت بين الأميركيين العرب والمكسيكيين في لوس أنجلوس في ذلك الوقت. وبدلاً من سرد هذه القصة من خلال عدسة الصراع، يمكننا التحول إلى فهمها كقصة رائعة عن التضامن وإمكانية بناء تحالف بين الأعراق”.

اندماج العرب

بينما نواجه رهاب الإسلام المتزايد أو ما يُعرف بالإسلاموفوبيا، وزيادة العداء للمهاجرين، تقول غوالتيري إنها تود أن يتخلى الناس عن فكرة أن هناك طرائق مختلفة ليكونوا أميركيين.

تضيف “الشيء الذي يقلقني دائمًا كباحثة في هذا المجال هي الطريقة التي يُنظر بها إلى العرب على أنهم غير أميركيين. غالبًا ما نفكر في المهاجرين الناطقين بالعربية وأطفالهم على أنهم بطريقة أو بأخرى أكثر ارتباطًا ببلدانهم الأصلية أكثر من ارتباطهم بالمنطقة التي يقطنون ويترعرعون فيها”. وتستطرد العالمة الأميركية بالقول “يقدم هذا الكتاب تاريخًا غنيًا عن مدى اندماج العرب في نسيج جنوب كاليفورنيا”.

ولعل غلاف كتاب غوالتيري أكبر مثالٍ على ما تقوله. إذ يُظهر الألعاب البهلوانية التي تُؤدى في شاطئ العضلات الشهير في “سانتا مونيكا”، جنوب كاليفورنيا، في أربعينيات القرن العشرين. مع خلفيةٍ في المشهد تُظهر مقهى خوري الشهير الذي يمتلكه مواطن سوري-أميركي.

وتختم غوالتيري بالقول: “تعجبني فكرة وجود صاحب مقهى عربي في مثل هذه القصة الشهيرة عن الترفيه في كاليفورنيا. أريد أن يشاهد القراء العروض البهلوانية، والنظر إلى ما وراءها ورؤية هذا المقهى السوري-الأميركي، حيث ربما ذهب الناس لشراء الصودا أثناء مشاهدة الألعاب البهلوانية”.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى