علوم وتكنولوجيا

تحرير الجينوم… أمل العلماء في حماية البشرية من الأوبئة المقبلة

خاص المنبه بقلم سامي خليفة

عرضت بعض أفلام هوليوود الشهيرة مثل “إكس مان” X-men، و”جوراسيك وورلد” Jurrasic world، مفهومٌا مثيرا عن التحرير الجيني للسلالة الجرثومية، وهي تقنية جزيئية حيوية يمكنها تغيير الحمض النووي للحيوانات المنوية أو البويضات أو الأجنة. ومع إظهار جائحة كوفيد-19 مدى ضعف البشر أمام المرض، فهل حان الوقت للتفكير في المضي قدماً لاستخدام هذه التقنية بسرعة أكبر؟

تحرير جينوم السلالة الجرثومية البشرية

بادئ ذي بدء، يرى البعض في  تلك التقنية وسيلة نافعة للبحث في العمليات الحيوية واستكشافها؛ لما تنطوي عليه من إضافة وحذف واستبدال أزواج قواعد الدي أن اي (الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين) في الأطوار البكيرة من الأمشاج والأجنة، ما يعبِّد الطريق لاستجلاء غوامضها، والانتفاع بها في الوصول إلى علاجات جينية ناجعة. وبالتالي، إذا قمنا بإزالة الجين الذي يسبب مرضاً معيناً في الجنين، فلن يكون الطفل خالياً من المرض عند الولادة فحسب، بل وكذلك أحفاده.

يوجد الآن دليل جيد على نجاح هذه التقنية، حيث يتم إجراء بحث طبيعي على أجنة غير قابلة للحياة. وقد تم الحكم على العالم الصيني هي جيانكوي، عالم الفيزياء الحيوية الذي تدّرب في جامعتيّ “رايس” و”ستانفورد”، بالسجن لمدة 3 سنوات، بعد أن صدم العالم عام 2018، بقيامه بإنشاء توأمين معدلّين وراثياً باسم لولو ونانا.

تم إجراء تحرير جينوم السلالة الجرثومية البشرية باستخدام “نظام كريسبر” الحائز على جائزة نوبل، وهي تقنية للتعديل الجيني تتيح تعديل الحمض النووي للكائن الحي، بما في ذلك البشر. ويتفق الباحثون وصانعو السياسات في مجال الخصوبة وعلم الأجنة على أن استخدام هذه التقنية على عامة الناس ستكون قريبة وربما خلال سنوات قليلة.

وتمتاز تقنية “كريسبر” بأنها رخيصة التكلفة، وسهلة الاستعمال، وتتيح للعلماء تعديل الجينات من خلال “مقص” جيني يضاهي في عمله برنامجاً لمعالجة النصوص، ويمكنه رصد التشوهات الجينية واستبدالها بعناصر أخرى في الحمض النووي. كما تمكّن  العلماء من تنقيح الحمض النووي للخلية بقدر غير مسبوق من الدقة.

ونذكر هنا أنه في عام 2016، أصبحت المملكة المتحدة أول دولة في العالم تسمح باستخدام تقنية وراثية تُسمى العلاج البديل للميتوكوندريا، باستبدال الميتوكوندريا غير الصحية، الجزء من الخلية الذي يوفر الطاقة، بأخرى صحية من متبرع.

وسيلة لمواجهة الأوبئة

توازياً، يناقش العلماء الآن تحرير الجينوم في ضوء جائحة كوفيد-19، إذ يمكن للمرء استخدام “كريسبر ” لتعطيل الفيروس عن طريق خلط شيفرته الجينية. كما يمكن تعديل جينات الأشخاص لجعلهم أكثر مقاومة للعدوى عن طريق استهداف “الخلايا التائية”، التي تعتبر مركزية في الاستجابة المناعية للجسم. وهناك بالفعل تجارب سريرية قيد التنفيذ تبحث في تعديل الجينوم للخلايا التائية في مرضى السرطان لتحسين المناعة المضادة للورم.

كشفت الجائحة التي ما زلنا نعيش كابوسها، عن حقيقة وحشية مفادها أن غالبية البلدان في العالم ليست مجهزة تماماً للتعامل مع الصدمات المفاجئة التي تتعرض لها أنظمة الرعاية الصحية التي غالباً ما تكون مرهقة بالفعل. لذلك، عانى العديد من مرضى السرطان، على سبيل المثال لا الحصر، للوصول إلى العلاجات أو مواعيد التشخيص في الوقت المناسب أثناء الجائحة.

التخبط الكبير الذي أحدثته الجائحة، دفع العلماء للتفكير بإمكانية استخدام تقنيات تحرير جينوم السلالة الجرثومية البشرية لمعالجة الأمراض الخطيرة لحماية أنظمة الرعاية الصحية من الأوبئة في المستقبل. ولدينا بالفعل ثروة من المعلومات تشير إلى أن بعض الطفرات الجينية، مثل تلك الموجودة في جين BRCA2 لدى النساء، تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان. وبذلك توفر النقاط الساخنة الوراثية المرضية أهدافاً محتملة للعلاج بـواسطة هذه التقنيات.

تنبؤات مستقبلية قاتمة

يمكن أن تكون الجائحة التي نعيشها مجرد بداية لسلسلة من الأزمات الصحية الدولية التي سنواجهها. إذ أكد تقرير صدر مؤخراً عن المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) على الصلة الواضحة بين الأوبئة العالمية وفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ. والأهم من ذلك، يقدم التقرير تنبؤات مستقبلية قاتمة عن مزيد من الأوبئة القادمة، والتي قد تكون أكثر فتكاً وتدميراً من كوفيد-19.

ولا يتعلق ما نتحدث عنه بالأوبئة الفيروسية التي قد نضطر لمواجهتها في المستقبل فحسب. فمع تغير مناخنا العالمي، ستتغير معدلات انتقال الأمراض الأخرى مثل الملاريا. وإذا بدأت الملاريا في الظهور في مواقع ذات أنظمة رعاية صحية غير جاهزة، فقد تكون الآثار على توفير الرعاية الصحية هائلة.

ويشير العلماء في هذا السياق، أن هناك طريقة لحماية الناس من الملاريا عبر إدخال جين واحد معيب لفقر الدم المنجلي ( اضطراب وراثي في خلايا الدم الحمراء). تمنحك نسخة واحدة من هذا الجين المعيب مستوى من الحماية ضد الملاريا. ولكن إذا كان هناك طفلان لديهما جين واحد معيب، فقد يصاب الطفل بفقر الدم المنجلي. ويوضح ما شرحناه هنا مدى تعقيد عملية تحرير الجينات، حيث يمكنك تعديل الجينات لحماية السكان من مرض واحد، ولكن من المحتمل أن تسبب مشاكل بطرق أخرى.

متى يستخدم العالم هذه التقنية؟

عند الحديث عن اللجوء إلى تحرير الجينوم، لا بد من الإشارة أن هذه التقنية قد تحتاج بضع سنواتٍ لكي تدخل حياتنا. وبهذا الخصوص، صرحت “الجمعية الملكية البريطانية” مؤخراً، أن تحرير الجينوم الوراثي ليس جاهزاً للتجربة بأمان على البشر، رغم أنها أشارت إلى أن موافقة الدول على ممارسات العلاج بـتحرير جينوم السلالة الجرثومية البشرية، يجب أن تركز على أمراض معينة تسببها جينات معينة، مثل فقر الدم المنجلي، فقر الدم الخلوي والتليف الكيسي.

أما التحديات الرئيسية الأخرى للباحثين فتكمن في التعديلات الجينية غير المقصودة في مواقع محددة من الجينوم والتي قد تؤدي إلى مجموعة من التعقيدات الإضافية لشبكة الجينوم.

ويمكن أن نفترض في النهاية أن العالم ليس جاهزاً حالياً لتقنيات تحرير جينوم السلالة الجرثومية البشرية، وأي تقدم في هذا المجال من المحتمل أن يحدث بوتيرة بطيئة. ومع ذلك، ستظهر هذه التكنولوجيا في النهاية لحماية البشرية من الأمراض. وسيعتمد توقيت طرحها على شدة وتواتر الأزمات الصحية مستقبلاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى