جاليات

النائب السابق محمد عميري: الطريق الاقوى للتغيير يبدأ من الداخل وعلى النائب ان يكون صوت الناس وخادم قضاياهم ومطالبهم

خاص البرتا- حاورته نسرين زهر الدين وعايدة فياض عجرم

حطّ محمد عميري او “مو” كما ينادوه في كندا رحاله في أرض القيقب في العام  1974 قبيل اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية. وجذب المجتمع الكندي يومها، الشاب ذو الثمانية عشر ربيعا” للعيش في بيئة راقية ريادية كما استمالته الحياة السياسية التي حلم بخوض غمارها منذ السنة الاولى لدراسته مادة العلوم السياسية في جامعة البرتا بعيد قيامه بجولة مدرسية مع رفاق صفه الى البرلمان مصرحاً  حينها عن رغبته، لا بل اصراره دخول غرفة الاجتماعات كنائب عن المقاطعة، وهو ما خطط له وحققه بعزيمة وارادة ودعم الناخبين من الجالية صعودا” الى بقية أفراد المجتمع الذي يمثله.

“الكلمة نيوز” التقت المشرّع العنيد، وكان الحديث عن تجربته النيابية التي استمرت 22 عاما”، شائقاً، مفعماً بالاصرار والامل، من المفيد جدا الحديث عنها والقاء الضوء على بعض من جوانبها.

رحلة الدراسة والعمل السياسي

أكمل “مو” دراسته الثانوية مع وصوله الى كندا، ثم انتسب الى جامعة البرتا محصّلا فيها اجازة في العلوم السياسية ومع   انتقاله الى كالغاري بدأ العمل في مجال الاستثمارات العقارية وتطوع خلال هذه الفترة في الحملات الانتخابية وفي النشاطات الثقافية والمتعلقة بالجاليات. دفعه شغفه بالعمل السياسي الى الانضمام باكرا” -خلال دراسته – لحزب المحافظين الحاكم في ولاية البرتا.

بدأ عميري ترشحه بمحاولتين غير ناجحتين في انتخابات العامين 1986 و1989 ثم نجح، وأعيد انتخابه منذ العام 1993 وحتى العام 2012 عن دائرة شرق كالغاري. عمل في اللجان البرلمانية ومنها لجنة المرأة والطفل وساهم في اقرار قانون ينص على اجبار الزوج المطلق تقديم الدعم المالي المطلوب لطليقته بدلاً من الدعم الحكومي الذي يأتي من أموال دافعي الضرائب.

ساهم في مشروع قانون مساواة الاجر بين الجنسين. كما ساهم في تصحيح القوة القانونية للتشريع في المقاطعة واقرار  تشريعات تتعلق بالقيادة وتنظيمها اضافة الى مشاركته في اللجان البيئية. ترأس مؤسسة “المستقبل الاقتصادي لألبرتا” منذ 2012 حتى  2015. كما  التقى كموفد من الحكومة المحلية بشخصيات مؤثرة وقيادات عربية ودولية.

التغيير من الداخل

فوجئت الجالية اللبنانية بقرار عميري القاضي بترشحه عن حزب المحافظين وكان النقاش يومها ان هذا  الحزب انما هو  كباقي الاحزاب اليمينية في العالم التي تهمل لا بل تتعمد انصاف قضايا العرب والمسلمين، غير ان وجهة نظره كانت تقوم على ان الطريق الاقوى للتغيير هو من الداخل، وفي هذا الاطار يقول السياسي المخضرم ان الحزب الليبرالي والحزب المحافظ هما الحزبان الاقوى في كندا، وبالتالي فان موقفهما يكاد يكون موحدّاً في عدم انصاف العرب وقضاياهم في المحافل الدولية.

يؤمن عميري انه ومن خلال وجوده كسياسي في البرلمان يستطيع ان يساهم في تغيير السردية الغربية عن شعوب الشرق الاوسط وكان يشرح  في نقاشاته الدائمة مع اعضاء البرلمان عن هذا الموضوع مبيناً الحقائق، محققاً بذلك اختراقاً في الرأي العام المنحاز لجهة واحدة في الصراع وفي الوعي الحضاري لشعوب المنطقة.

احتفل عميري في خلال سنته النيابية الاولى بعيد الاضحى المبارك في البرلمان وأقام صلاة العيد فيه، كما منع في خلال سنوات عمله التشريعي، الحكومة، من اقرار قرارين يمسان بالشعور العربي ويصنفّان كندا في مصاف الدول المعادية للانسانية، الاول عندما وافق رئيس وزراء البرتا كلاين وبصورة مبدأية على مشروع قرار يدعم التدخل الاميركي في العراق والثاني منع تسجيل ذكرى الهولوكوست في البرتا كيوم رسمي ناقلاً معنى يوم الذكرى من مجرد محرقة لليهود الى يوم لتذكر المجازر الجماعية التي أقامتها الانظمة الديكتاتورية في العالم ضد الاقليات الاثنية.

اشكالية الهوية في العمل العام

تحدث النائب السابق عن وضع الجالية اللبنانية حالياً في البرتا مشيداً بتطورها الواضح في كل المجالات. ووفق رؤيته المتعمقة في الامور فهو يرى تطوراً ملحوظاً في قدرات أبناء الجالية على تعدد هجراتهم، الذين باتوا اكثر علماً وتطوراً وقدرة على تبؤ مراكز حساسة كما التعبير عن أنفسهم والاندماج بايجابية في المجتمع. “لم تعد الجالية بحاجة الى نواب يمثلونها او يتكلمون باسمها في الندوة البرلمانية” يقول عميري، الذي  ينصح كل من يودّ الترشح الى الندوة البرلمانية ان لا يفعل ذلك معتمداً على ما يسمى مظلومية الجالية انما انطلاقاً من كونه مواطناً كندياً ترشح لخدمة أبناء شعبه الكنديين على جميع أصولهم وفروعهم ودون أي استثناء. ولربما هذه هي الاشكالية الكبرى في مبدأ عميري الذي انطلق منها يوم قرر ان يصبح صوت الناس في برلمان البرتا اذ انه لم يعتبر نفسه يوماً ممثلاً أبناء الجالية فحسب، انما مصالح جميع الناخبين الذين خدم قضاياهم لا سيما العربية منها وكنائب كندي بغض النظر عن أصوله وهويته الاساسية.

وفي هذا الاطار، يعتبر عميري ان الترشح لاتمام ما يسمى النجاح بخوض غمار السياسة ليس الا استعداداً للفشل في هذا المضمار، فهو يؤمن ان كل انسان يتقن مهنته، يستطيع النجاح دون الحاجة الى الدخول في السياسة لاتمام هذا النجاح. كما يشدد على دعم الجالية للترشيح كشرط من شروط النجاح على ان يبدأ الدعم الاولي من الاسرة الصغيرة والاقرباء ثم الجالية ومنها الى عامة الناس.

اهتم عميري ببناء علاقات قوية مع كل فرد من أفراد الجالية باعتباره فرداً مستقلاً رافضاً الطريقة القبلية “الابوية” المعتمدة في لبنان أو ما يسمى بالمفاتيح الانتخابية في الوصول الى أصوات أكبر عدد ممكن من الاشخاص.

لم يقنع الرجل بما دون النجوم، فبجدّه ومثابرته استطاع ان يحجز له مكانة خاصة في البرلمان الكندي كنائب كندي من أصول عربية، عن مقاطعة كندية، دفعته براغماتيته الى المزج بين هويته العربية الاساسية وهويته الكندية الجديدة في بوتقة واحدة ليثبت بخياراته الخدماتية ان خدمة الناخبين تعني خدمة المجتمع على تعدد روافده الاثنية والحضارية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى