من الطبيعي أن يستحوذ مرض السكري من النوع الأول (type 1 diabetes) على اهتمام كبير من الباحثين؛ نظراً لأنه يُعد أشهر مرض مزمن يصيب الأطفال ويلازمهم بقية حياتهم.
عدوى فيروسية في البنكرياس
أحدث دراسة أجريت على النوع الأول من المرض، وتمت مناقشتها في الاجتماع السنوي للجمعية الأوربية لدراسة مرض السكري (EASD) ونُشرت في مجلة الطب الطبيعي (journal Nature Medicine) في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، وجدت أن العلاج بالأدوية المضادة للفيروسات (antiviral drugs) يمكن أن يساعد في الحفاظ على إنتاج الإنسولين بين الأطفال الذين تم تشخيصهم حديثاً بالمرض من النوع الأول، وإبطاء تطوره وحدوث مضاعفات؛ بل والوقاية منه بشكل كامل.
وجاءت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة أوسلو بالنرويج، وكذلك أطباء من مستشفى الأطفال الخاصة بالجامعة (OUS)، بناء على أبحاث سابقة ربطت بين الإصابة بمرض السكري وبين وجود عدوى مزمنة بفيروس معين «إنتروفيروس» enterovirus يكون موجوداً في بنكرياس هؤلاء الأطفال الذين تمت إصابتهم بالفيروس المعوي، ومع الوقت يمكن أن يؤدي إلى تلف خلايا «بيتا» (beta cells) في البنكرياس المسؤولة عن إفراز الإنسولين، وبالتالي تحدث الإصابة بمرض السكري من النوع الأول.
تبعاً لهذه النظرية، قام العلماء بالتفكير في إمكانية منع الإصابة من الأساس، إذا أمكنت السيطرة على العدوى الفيروسية من البداية عن طريق مضادات للفيروسات. ولذلك قاموا بإجراء أبحاث عن تأثير العلاج الجديد على إنتاج الإنسولين للسيطرة على الغلوكوز في الدم بطريقة طبيعية.
مضادات الفيروسات تحسّن إنتاج الإنسولين
وتبين أن الأطفال الذين تم تشخيصهم حديثاً، وتلقوا الأدوية المضادة للفيروسات حافظوا على مستوى أعلى من إنتاج الإنسولين بعد عام واحد، مقارنة بالذين لم يتناولوا المضادات، مما يدل على أن العلاج يمكن أن يبطئ المرض أو يمنعه تماماً؛ خصوصاً في بداية الإصابة؛ لأن الخلايا تكون ما زالت سليمة.
أوضح الباحثون أن طريقة العلاج الجديدة تهدف في الوقت الحالي إلى السيطرة على مستويات الغلوكوز في المرضى عن طريق تحفيز إفراز الإنسولين من خلايا البنكرياس، عن طريق إيقاف الفيروس (الذي يمكن أن يكون سبب الإصابة)، ومنعه من تدمير خلايا البنكرياس.
وهذا ما يوفر الحماية من المضاعفات الخطيرة التي تحدث على المدى الطويل، مثل فقدان البصر بشكل كامل، والفشل الكلوي، والإصابة بالنوبات القلبية، والتهاب الأعصاب الطرفية.
وبشكل عام يلعب السكري دوراً كبيراً في انخفاض متوسط العمر؛ خصوصاً إذا لم يتم التحكم في مستويات الغلوكوز بشكل جيد، والمواظبة على تناول العلاج، وبذلك يكون العلاج المبكر بمثابة توفير حياة صحية أفضل لهؤلاء المرضى.
تجربة علمية محدودة
قام الباحثون بإجراء التجربة على 96 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاماً، وتم اختيارهم بشكل عشوائي، بشرط ألا يكون قد مضى على تشخيصهم بالسكري من النوع الأول فترة أطول من ثلاثة أسابيع (من حديثي الإصابة بالمرض).
وتم تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى تناولت علاجاً مضاداً للفيروسات عن طريق الفم البليكوناريل pleconaril، والريبافيرين ribavirin. وتناولت المجموعة الأخرى عقاراً وهمياً يحمل شكل قرص العلاج نفسه، ولكن من دون مادة فعالة للتأثير النفسي فقط، وذلك لمدة 6 شهور.
وتمت متابعة إفراز الإنسولين كاستجابة للعلاج لمدة عام كامل، وتبين أن مستوى إنتاج الإنسولين في الجسم كان أعلى بكثير في المجموعة الأولى التي تلقت أدوية مضادة للفيروسات، مقارنة بالمجموعة الثانية التي تلقت العقار الوهمي.
وذكر الباحثون أن 86 في المائة من الأطفال الذين حصلوا على مضادات الفيروسات ما زالوا قادرين على إفراز الإنسولين الخاص بهم، بمستويات تقلل بشكل كبير من جرعات العلاج بالإنسولين الخارجي، مما يسهل على الطفل معاناة الوخز بالحقن، فضلاً عن مضاعفات العلاج.
علاج مكمل لسكري الأطفال
أوضح الباحثون أن أهمية الدراسة تكمن في إمكانية تغيير طريقة العلاج للنوع الأول بشكل كامل؛ حيث يمكن الاعتماد على مضادات الفيروسات بوصفها جزءاً مكملاً للعلاج الأساسي حتى الآن، وهو حقن الإنسولين. وفي المستقبل ومع إجراء مزيد من الدراسات على أعداد أكبر من الأطفال يمكن استخدامها فقط للعلاج ما دامت محفزة لخلايا البنكرياس لإفراز الإنسولين. ولكن بالطبع يحتاج الأمر إلى وقت طويل لمعرفة إمكانية حدوث أعراض جانبية نتيجة لاستخدام مضادات الفيروسات لفترات طويلة، وأيضاً معرفة لأي مدى يمكن السيطرة على مستويات الغلوكوز في الدم، حتى يتم الاعتماد عليها بوصفها بديلاً أفضل للإنسولين، أو للحماية من المرض بشكل كامل؛ خصوصاً أنها عن طريق الفم.