قصص من بلادي

“المنبّه” يفتح كتاب الاستقلال… 77 سنة ولم يبلغ الوليد سنّ الرشد

في 1943 تمّت الولادة بعد مخاض استمرّ سنوات.

كانت الولادة حدثُا تاريخيًا بارزًا في تاريخ لبنان، وكانت بشارة وطنية فريدة لخلاص وطن رزح قرونًا تحت نير استعمارات بمختلف الأشكال والألوان.

وحدثت المعجزة اللبنانية الأولى على أيدي رجالات كبار كبار، توحّدوا وتعاهدوا على تجاوز كل الهواجس والمخاوف والانتماءات.

ولم يكن أحد يعلم أن لبنان كان مرصودًا منذ ولادة استقلاله.

كان لا يزال فتيًّا يتطلع للأفق البعيد، يوم بدأ نحره في منتصف الخمسينيات من عمره.

وبدأت حكاية الصلب والوأد تتوالى فصولها على هذه الروح الشابة.

استفاقت كل عفاريت الأرض من تحت أقدامه لتخمد كل رمق فيه نحو الحياة.

فاجتاحته جيوش غريبة فتح لها أهله الأبواب لاقتحامه.

حرب أهلية مزّقت كل ما تبقى من جسده، وأرجعته إلى مرارات الزمن الأسود، وانتفاضة على الدستور من جديد وإعادة رسم أوطان بديلة عن الوطن الأم الحاضن لكل أبنائه وطوائفه.

وكرّت سبّحة الانقسامات والمواجهات، ليلفظ الوليد ما تبقى من أنفاسه، فسادًا وتفجرًا وفشلًا وانهيارًا في جميع مؤسساته وأركانه.

بعد سبعة وسبعين عامًا من الوعد المخنوق، ها نحن نطلق الرجاء والنداء لمن تبقى من الرجالات الكبار الشرفاء، لإنقاذ لبنان وشعب لبنان واستقلال لبنان، من ربقة استعمارات مقنّعة بالطائفية والمذهبية والتبعية، ومدجّجة بأعتى أسلحة الفساد والقهر، ومن أجل أن يعيدوا لنا ولأولادنا ولأحفادنا حكاية وطن صغير، كان هبة من السماء، ردّدت اسمه الكتب المقدّسة أكثر من سبعين مرّة، وتغنّى به التاريخ وشعراء الدنيا، وتوّجت عاصمته مدينة للشرائع، وكان، في يوم هارب من قبضة الذئاب، درّة الشرق ورسالة العالم.

بداية الحكاية

خضع لبنان للسيطرة العثمانية في الفترة الممتدة بين 1516-1918.

عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى تمّ انتداب فرنسا لحكم لبنان حسب اتفاقيّة (سايكس بيكو)، وقد طُلب من الشعوب تحديد مصائرهم في ما بينهم.

لبنان الكبير

في أيلول من العام 1920 أعلن المفوّض السامي لدولة الانتداب الفرنسي الجنرال غورو قيام “دولة لبنان الكبير”عاصمتها بيروت، وضمت ولاية بيروت مع أقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع أقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا)، فاتسعت مساحته من 3500 كلم مربع الى 10452 كلم مربع وازداد سكانه من 414 ألف نسمة إلى 628 ألف نسمة.

جلس البطريرك الياس الحويك عن يمين المندوب السامي الفرنسي هنري غورو والمفتي الأكبر الشيخ مصطفى نجا عن يساره لإعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 من قصر الصنوبر في بيروت، وقد أثمرت جهود البطريرك الحويك في الزيارات الخارجية إلى حماية أبناء بلده، وتمكّن من انتشال اعتراف دولي في مؤتمر فرساي ومن بعده مؤتمر الصلح في فرنسا باستقلال لبنان الكبير بعد التفاف المسلمين والمسيحيين حوله. وبالطبع تضاف إلى جهوده الجبّارة، الزيارات التي قامت بها شخصيات عديدة إلى عواصم أخرى لإقناع الإمبراطور جوزف الأول في النمسا والملك فيصل الأول في سوريا وغيرهم كثيرين.

وبموجب الصك المؤرّخ في 29/9/1923 أعلن انتداب فرنسا على لبنان من قبل عصبة الأمم، وبالتالي حظي لبنان بالشرعية الدولية.

ثم إنتقل سكّان لبنان من الجنسية العثمانية إلى الجنسية اللبنانية في 19/1/1925 بموجب قرار صادر عن المفوّض السامي الفرنسي وذلك عطفًا على معاهدة لوزان 1923 التي بموجبها تنازلت تركيا، وريثة الأمبراطورية العثمانية، عن سيادتها على البلاد العربية التي كانت جزءًا منها.

تبعها صدور الدستور اللبناني في 23/5/1926 وإعلان الجمهورية اللبنانية بدل تسمية لبنان الكبير.

وفي 23 أيار من عام 1926 أقرّ مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية. لينتخب بعدها شارل دباس كأول رئيس للبنان.

 قصّة الاستقلال

ومن عام 1930 إلى عام 1943، راحت “صيغة” رياض الصلح / بشارة الخوري وغيرهما من طلاب الاستقلال ـ تتبلور، إلى أن تحوّلت إلى ما سمّي بالميثاق الوطني اللبناني، وهو يقوم على المعادلة التالية: من أجل بلوغ الاستقلال، على المسيحيين أن يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم، وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري- العربي.

هذا الميثاق الذي صاغه الرئيس بشارة الخوري في العبارة التالية: “وما الميثاق الوطني سوى اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزاعاتهما في عقيدة واحدة: استقلال لبنان التام الناجز دون الالتجاء إلى حماية من الغرب ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق.”

وتبدأ قصة الاستقلال يوم تقدّمت الحكومة اللبنانية إلى المفوضية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور بما ينسجم مع الأوضاع القائمة، وكان هذا الطلب بدعم من البريطانيين الذين كانوا منتدبين على فلسطين والأردن والعراق. ويوم 21 ايلول 1943، فاز الشيخ بشارة الخوري بالانتخابات الرئاسية، وشكل حكومة برئاسة الرئيس رياض الصلح التي أحالت مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي، واعتبرت السلطات المنتدبة هذا القرار تحديًا سافرًا للمفوض السامي ما جعله يأمر بتعليق الدستور.

ولم يحتمل المفوض السامي الفرنسي بداية هذه النزعة الاستقلالية لدى اللبنانيين، فكانت أوامره: “اعتقلوهم..اعتقلوا رئيسي الجمهورية والحكومة…”
عمدت القوات الفرنسية ليل 10/11/1943 إلى اقتحام منزل الرئيس بشارة الخوري، وقامت القوة المقتحمة بإرهاب أهل بيته وعائلته، واعتدت بالضرب على نجل الرئيس الشيخ خليل الذي جرح في رأسه ولطخت الدماء وجهه. توجهت قوة مماثلة إلى منزل الرئيس رياض الصلح وانتزعوه من سريره، ثم اعتقلوا الآخرين من الوزراء من بينهم عادل عسيران الذي جرى اعتقاله بثياب النوم، أما عائلة النائب عبد الحميد كرامي، فقد أعدت كتابًا وصفت فيه وقائع ليلة الاعتقال وكيف دخل الجند الفرنسي منزله بالخلع والكسر موجهـين سلاحهم نحو رؤوس النساء والأطفال لنيل اعترافهم عن مكان وجود عبد الحميد كرامي الذي كان نائمًا في مرياطة في منزل خالد مصطفى وقد جرى اعتقاله على أيدي الجنود الفرنسيين.
عاش اللبنانيون لحظات رهيبة وسط روايات متناقضة عن مصير زعماء البلاد، المعتقلين في قلعة راشيا، لأن الصحف مُنعت يومذاك من الصدور، وعمّ الإضراب لبنان كله مع تقدّم ساعات النهار، وسط انتشار القوات الفرنسية والسنغالية والمدرعات في الطرقات والشوارع. وشهد لبنان تظاهرات تجلّت فيها أروع معالم الوحدة الوطنية وشاركت فيها القطاعات العمالية والنسائية.

تطويق البرلمان
بادر رئيس المجلس صبري حماده بتوجيه دعوة خطية للنواب لعقد جلسة فورية، وعندما وصلت إلى الفرنسيين أخبار عن نية النواب بالاجتماع سارع الجيش الفرنسي لتطويق البرلمان. ورغم الحصار العسكري الفرنسي حضر الجلسة من استطاع من النواب، وبعضهم تسلق المبنى ودخل من نوافذه مثل نائب طرابلس سعدي المنلا الذي أدخله من النافذة بطل التجذيف حسين سجعان، بعد إقفال الفرنسيين لباب البرلمان الخارجي، وسُميت النافذة شباك سعدي، فبلغ العدد سبعة نواب بمن فيهم الرئيس صبري حمادة، واتخذ المجلس بعد مشاورات هاتفية مع النواب الذين تعذر عليهم الوصول قرارًا فوريًا بالإجماع يؤكد فيه مواقفه السابقة في تعديل الدستور واعتبار الانتداب الفرنسي لاغيًا، وقرّر النواب المجتمعون اعتبار الحكم القائم وحده شرعيًا ورفض رئاسة إميل إده الذي عينه المفوّض السامي، وتولى سعدي المنلا رسم العلم اللبناني الجديد.
وفي 11 تشرين الثاني 1943، شكل كل من الأمير مجيد إرسلان وصبري حمادة وحبيب أبي شهلا “حكومة لبنان الحر” التي ترأسها حبيب أبو شهلا، وكان مقرّ هذه الحكومة في بشامون، التي تبعد 30 كلم عن بيروت جنوبًا. وجمع الأمير مجيد من حوله العديد من الرجال وتم تسليحهم لمواجهة القوات الفرنسية. وشهدت مسيرات شعبية تطالب بالاستقلال والإفراج عن رئيسي الجمهورية والحكومة وباقي الوزراء.

الاستقلال
نتيجة نضالات اللبنانيين ومواصلتهم التحركات والتظاهرات، والمواقف الدولية ومنها البريطانية والأميركية، تمّ الافراج عن المعتقلين في 22 تشرين الثاني الذي صار عيدًا وطنيًا، وبعدما تبلغ المعتقلون قرار الإفراج انتظروا وصول السيارات الرسمية الثلاث التي أقلتهم إلى بيروت، واجتازت الطرقات والشوارع وسط الجماهير التي تحلقت هازجة فرحة في راشيا، وقرى البقاع، وصولًا إلى بيروت.

وفي عام 1945م تم الوصول إلى اتفاق لسحب القوات الفرنسية والبريطانية، وتم إعلان لبنان كدولة مستقلة بالكامل عام 1946.

حكاية العَلَم

تبدأ حكاية العلم اللبناني مع الأمير فخر الدين المعني عام 1516، حين اعتمد علمًا من لونين، أحمر وأبيض، يتوسّطه إكليل أخضر.

وفي القرن السابع عشر، وتحديدًا عام 1698، اعتمد الأمير بشير الأول علمًا أزرق يتوسّطـه هلال أبيض.

وفي 1842 استعمل المتصرّف العثماني والي الدين راية حمراء، يتوسّطها هلال ونجمة بيضاء، للدلالة على الارتباط بالدولة العثمانية.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانسحاب العثمانيين من لبنان، استخدم اللبنانيون راية بيضاء يتوسّطها رسم شجرة الأرز التي يعرف بها لبنان.

جاء الانتداب الفرنسي، ومعه رفع الفرنسيون علمهم المميَز بألوانه الأزرق والأبيض والأحمر، في وسطه رسم شجرة الأرز.

ومع استقلال لبنان عام 1943 اعتمد اللبنانيون علما أبيض، مع شريطين باللون الأحمر في الأعلـى والأسفل ورسم شجرة الأرز اللبنانية في الوسط، ورفعوه للمرة الاولى على مبنى السرايا الحكومية في بلدة بشامون، وأقرّه البرلمان اللبناني في كانون الأول 1943.
يرمز اللون الأحمر إلى دماء الشهداء، والأبيض إلى تراكم الثلوج على جبال لبنان، فضلًا عن دلالته على الصفاء والسلام. أما شجرة الأرز المستمدة من جبال لبنان أيضًا، فترمز إلى القداسة والخلود.
كيف ولد علمنا اللبناني؟
يروى أنه قبل عهد الاستقلال، تمّ اعتماد العلم الفرنسي بألوانه الأزرق والأبيض والأحمر يتوسطه رسم شجرة الأرز رمزًا وطنيًا للدولة. وقد تبنّى الجنرال غورو هذا العلم في خطابه الذي ألقاه بمناسبة إعلان إنشاء دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول 1920، كما نصّ عليه الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار 1926، ليبقى علمًا للبنان حتى العام 1943، وهنا بدأت لنا حكاية جديدة كللت بعلم جديد، “علم لبنان الحرّ المستقل”.

ففي 11 تشرين الثاني من ذاك العام، تفجّرت ثورة اللبنانيين ضد الانتداب الفرنسي، إثر اعتقال قادة البلاد وزجّهم في سجن راشيا، فقام وزير الدفاع الوطني آنذاك الأمير مجيد أرسلان ورئيس مجلس النواب صبري حمادة والوزير حبيب أبو شهلا باجتماع مصغّر في قرية في جبل لبنان هي بشامون وألفوا حكومة مؤقتة عرفت بـ”حكومة لبنان الحر” ترأسها أبو شهلا.

في ذاك اليوم تداعى النواب لعقد جلسة سرية ورسموا العلم اللبناني الجديد الذي نعرفه بحيث تم تحريره من الألوان الفرنسية، باستخدام قلم رصاص، وقلم أحمر، وأخذ النائب سعدى المنلا مهمة رسم العلم الجديد، ولما لم يجد النواب قلمًا أخضر، رسم المنلا الأرزة التي تتوسط العلم بقلم رصاص ثم وقّع ستة نواب تمكنوا من حضور الجلسة ورئيس المجلس على رسم سعدى المنلا، وعلى اقتراح القانون، ووقف النواب الستة وأقسموا على أن تكون هذه الألوان، الأبيض والأحمر والأخضر، علم لبنان المستقل.

العلم يركّع “المير”

وعلى الفور، بدأ العمل لتصميم هذا العلم على قماشة من ستارة منزلية، لتتولى المهمة الشيخة جنفياف الجميّل زوجة الشيخ بيار الجميل والسيدة تميمي مردم بك، وتوجّهتا به إلى دير مار منصور اللعازرية في عجلتون، ومن هناك إلى بيت حبيب باخوس المدوّر والد جورجيت ومارغو المدوّر، حيث قمن جميعا بحياكة وتطريز العلم اللبناني الأول، ليحمله أربعة شبّان ويتوجهون به صباح الأحد 19 تشرين الثاني إلى بشامون، ودخلوا ذاك المنزل الذي تحوّل إلى سراي الحكومة في بشامون، ومدّدوه على الأرض أمام أنظار الجميع الشاخصة إليه، ليمسك به حبيب أبو شهلا ويقدّمه إلى الأمير مجيد إرسلان بصفته وزير الدفاع الوطني، قائلًا له: “إني بالنيابة عن فخامة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وجميع المعتقلين في راشيا والسجون، أضع في عهدتك علم لبنان الجديد الخفّاق، وأطلب منك الدفاع عنه وحمايته”. فركع “المير” إرسلان وقبّل العلم، وقال: “أقسم بأن أذود عنه بدمي وأبذل في سبيله حياتي”. بعدها رفعوا العلم فوق سرايا بشامون، وكان ذلك قبل إعلان الاستقلال رسميًا بثلاثة أيام.

 تقاليد الاحتفال: عروض عسكرية و”عنزة” وطوابع تذكارية

وكان الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1943، وتسلم الجيش اللبناني الأفواج من الوحدات الفرنسية، ومنذ ذاك، دأبت الدولة اللبنانية على تخليد ذكرى الاستقلال عبر عرض عسكري رسمي ترفقه بإصدارات تذكارية متنوعة من الطوابع والعملات والميداليات تخليدًا لهذا الحدث.

وأول تخليد للاستقلال كان في العام 1944، عبر إصدار طوابع اعتبرت أول مجموعة رسمية تذكارية للمناسبة، وقد تم توشيحها عبر طباعة تاريخ “22 تشرين الثاني 1943″، خطّها الرئيس بشارة الخوري بيده، وبعدها لم يصدر أي طابع تذكاري خاص بهذه المناسبة حتى العام 1959، لتتوالى الإصدارات لاحقًا في عهد الرئيس فؤاد شهاب، ثم غابت كليًا منذ العام 1969 حتى 1993، حيث تم إصدار مجموعة تخلّد مرور خمسين سنة على الاستقلال.

وفي المقابل، استلزم لبنان ثلاثة أعوام للقيام بأول عرض عسكري احتفالي رسمي بمناسبة الاستقلال، وكان ذلك في أول آب 1946 أمام المتحف الوطني، وكرّت السبحة، عامًا بعد عام، عبر عروض عسكرية تتمثل فيها كل الوحدات من دون استثناء، في تخليد لمعركة الاستقلال، تستعرض فيها دولتنا العلية قوتها في عرض في بعض شوارع بيروت، مظهرة أحدث قدراتها العسكرية في مواجهة الأعداء، ليصبح ذلك عرفًا عند كل احتفال بالعيد.

مع الإشارة إلى أن هذا العرف تعود أصوله إلى أيام الانتداب الفرنسي، إذ إن الاحتفال كان يتم في الأول من أيلول من كل سنة في ذكرى إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920 في قصر الصنوبر. وقد أصدرت الدولة الفرنسية ميدالية برونزية نادرة جدًا، في العام 1923، تخليدًا لـ”استقلال لبنان الكبير”. لكن بعد هزيمة القوات الموالية لحكومة فيشي في فرنسا، تغيّر هذا التاريخ ليصبح في 26 تشرين الثاني، عندما أعلن الجنرال كاترو لبنان دولة مستقلة ذات سيادة في العام 1941. وفي الذكرى الأولى لهذه المناسبة، أقيم عرض عسكري في ساحة الشهداء حضره رئيس الجمهورية ألفرد نقاش، وأصدر البريد اللبناني أول مجموعة طوابع تخلد الاستقلال كانت تحمل صورة الأمير بشير الثاني.

العنزة تتصدر العرض العسكري

على عهد الاستقلال، ومنذ العام 1946، اتخذت العروض العسكرية للجيش اللبناني لمناسبة الاستقلال طابعًا جديدًا، وكان لبنان، كل لبنان، ينتظرها متلهفًا.

ويروى أن الناس كانوا يصطفون في الساحات لمشاهدة هذه العروض، وكان أبرز ما يميّزها تلك “العنزة” التي كانت تتصدّر العرض العسكري وتتقدّم فوج القنّاصة.

لماذا العنزة؟

يروى أن أحد ضباط الجيش اللبناني حينها، جوزف حرب، كان يتفقّد إحدى الوحدات العسكرية في مرجعيون والتي أهداها الأهالي عنزة، فطلب تدريبها على السير على وقع الموسيقى أمام وحدات الجيش، وكان له ذلك. وفي عام 1947 تحدّى الفوج الثاني الفوج الأول بإحضار خروف للغاية نفسها، ولكنه لم يلتزم التعليمات. ويقال إن الجيش اتخذ العنزة مقدّمة لاستعراضاته العسكرية يومذاك رمزًا لما تمثّله من عناد وقوة في السير في البراري والأودية وتسلّق الجبال، وأيضًا إلى الحقول والزرع وخيرات التربة، لكن مع إلغاء فوج القنّاصة غيّبت العنزة من العرض.

ومن تقاليد الاحتفال العسكري الذي لم يتغيب عنه الرؤساء الثلاثة إلا نادرًا ولظروف قسرية، يصل عند الثامنة علم الجيش وتجرى مراسم تكريمه، ثم يصل تباعًا رئيس الأركان، قائد الجيش، فوزير الدفاع الذي يستقبل رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. وعند التاسعة يصل رئيس الجمهورية إيذانا ببدء مراسم الإحتفال، بحيث يكون الفارق الزمني بين وصول الرؤساء الثلاثة نحو 5 دقائق، ويضع رئيس الجمهورية لدى وصوله إكليلًا عند نصب للشهداء، ويستعرض بعد ذلك على متن “جيب” عسكري مكشوف إلى جانب وزير الدفاع الوحدات المشاركة في العرض، فيما يتبعه “جيب” آخر على متنه قائد الجيش ورئيس الأركان. ويعود بعدها إلى المنصة الرسمية ليبدأ الاستعراض العسكري بموسيقى قوى الأمن الداخلي، ويتقدّم علم لبنان ثم على التوالي أعلام كل من قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة وعلم الجمارك، وتبدأ العروض العسكرية التي تنظمها قيادة الجيش، والتي تشارك فيها الألوية العسكرية كافة والقوات الجوية والبحرية، والوحدات المؤللة، بالإضافة إلى الدفاع المدني والصليب الأحمر وغيرها من الحركات الكشفية، فيما تحلق أسراب من سلاح الجو لتغطي سماء الاحتفال البالونات الملونة بألوان العلم اللبناني وعلم الجيش وأسراب الحمام.

وقبالة ساحة العرض تمرّ مراكب إنزال للجيش وخافرات سواحل، لينتهي بعدها وينتقل الرؤساء إلى القصر لتقبّل التهاني الرسمية.

حكاية النشيد الوطني

أما نشيدنا الوطني فله قصة أخرى، هي الأقدم، عمرها 90 عامًا، قبلها ما كان للبنان نشيد رسمي، بل أغنيات شعبية وحداء وتراويد يُنشدها اللبنانيون عندما يحيّون أمراءهم، أو عندما يذهبون إلى القتال ويعودون منه ظافرين.

هي حكاية حلوة استعرضها المؤرخ اللبناني الراحل جوزف نعمة في كتابه “صفحات من لبنان” روت “كيف وُلد النشيد الوطني اللبناني”.

ومما قالته إن نشيدنا ولد بعد إلحاح لبناني على المندوب السامي الفرنسي “مسيو كايلا” الذي وافق بشرط أن يكون النشيد وصفيًا لا ثوريًا، وكان ذلك في العام 1926، تاريخ إعلان الجمهورية اللبنانية وانتخاب شارل دبّاس رئيسًا لها، حيث أرادت الحكومة الأولى في عهده وضع نشيد وطني لبناني، وعلى هذا صدر في 19 تموز1926 مرسوم جمهوري عنوانه “مسابقة لاختيار النشيد الوطني اللبناني” ينصّ في مادته الأولى على أن المسابقة قسمان: مسابقة لاختيار قصيدة عربية تصلح كلماتها للنشيد اللبناني، ومسابقة بين مؤلفي الألحان لانتقاء اللحن الذي يوضع للقصيدة المختارة.

وشكلت لهذه الغاية لجنة تحكيمية للنظر في الأناشيد المقدّمة، فتفحّصت اللجنة القصائد التي تلقّتها، ومعظمها لمشاهير شعراء لبنان، فكان النشيد الفائز نشيد الشاعر رشيد نخلة الذي وقّع قصيدته باسم “معبد” ، مطلعها: “كلّنا للوطن، للعلى للعلَم”، ولما سئل الشيخ إبراهيم المنذر الذي قدّمها للجنة عن اسم صاحبها الحقيقي، قال: “هو رشيد نخلة، الأديب والسياسي المعروف”. فاعتمدت الحكومة هذه القصيدة نشيدًا وطنيًا بموجب مرسوم جمهوري، وفي أواخر تشرين الأول 1926 نشرت النتيجة في صحف تلك الأيام التي قدّمت رشيد بك نخله مؤلف النشيد الوطني، على أنه “خطيب مفوّه وأديب أصيل وشاعر بالسليقة”.

وكتب جوزف نعمة أن اللجنة أعجبها أيضًا  “قصيدة لا تقلّ حماسة وعذوبة عن الأولى من حيث معانيها ومبانيها، نظمها الشاعر الرقيق والإداري الحازم عبد الحليم الحجّار، ووضع الأخَوان فليفل لحنًا خماسيًا شجيًا لها يطرب اللبنانيون لسماعه”.. وكان مطلعها:

الفخرُ في بلادنا    والعزُّ باتّحادنا

وعن ذُرى أطوادِنا   والأرزِ لا تَسَلْ

ولكن لأسباب فنية ووطنية اختارت اللجنة نشيد رشيد نخلة.

فوز وديع صبرا وصدمة الأخوين فليفل

وبعد الشعر، جاء دور اللحن، ليقع اختيار اللجنة بعد الاستماع إلى أكثر من ثلاثين لحنًا على أربعة منها هي: الرقم ستة للأخوين فليفل، والرقم ثمانية لوديع صبرا، والرقم تسعة لمتري المر، ورقم ستة وعشرين للمسيو كوكيل، وكان عليها اختيار واحد منها، وكان الاعتقاد السائد أن الفوز بالمرتبة الأولى سيكون للأخوين فليفل، فهما كانا المختصين الوحيدين بتلحين الأناشيد الوطنية بين المتبارين، وأناشيدهما كانت على كل شفة ولسان في لبنان وكل العالم العربي، لكن توقعات الأخوين فليفل والجميع خابت، وكانت المفاجأة بفوز لحن وديع صبرا بأكثرية 11 صوتًا مقابل 9.. ووسط دهشة وصدمة الأخوين فليفل، خرج الشيخ بشارة الخوري وربّت على كتفيهما قائلا: “أعجبت كثيرًا بلحنكما، لكن الظروف حتمت علينا وعلى اللجنة اختيار لحن وديع صبرا لثقافته وكبر سنّه وشهرته في البلدان الأوروبية، أنتما ما زلتما شابين المستقبل أمامكما”.

وهكذا، فاز بتلحين هذا النشيد وديع صبرا ومعاونه الفنان الكبير نقولا دال.
ووفق المؤرّخ نعمة أنه في بداية عهد الاستقلال أرادت الدولة ان تعيد النظر في هذا النشيد لترى إذا كان يتوافق ووضع لبنان الجديد، فوجدت أنه مكتمل من الناحية الوطنية ولا حاجة لتغييره أو لإضافة شيء عليه.

قلعة راشيا

لعل قلعة راشيا قرب بلدة راشيا الوادي في البقاع الغربي اللبناني، الأكثر شهرة في تاريخ البلاد، وتعد واحدة من أكثر المعالم الأثرية جمالًا وعراقة في لبنان، وتتمتع بأهمية رمزية كبيرة، وتعتبر من أيقوناته البارزة. تمتد القلعة على مساحة 8 آلاف متر مربع، وتعتبر معلمًا أثريًا يشهد على حقب تاريخية مضيئة من تاريخ لبنان القديم والحديث ومن أجمل الأماكن السياحية في محافظة البقاع شرق لبنان.

راشيّا الوادي بلدة تراثية قديمة على سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية وشكّلت منذ القدم موقعًا استقطب القوافل التجارية والغزاة. وتتميز البلدة التي تبعد عن بيروت نحو 100 كيلو متر بقلعتها التاريخية التي عرفت باسم “قلعة الاستقلال” أو “حصن 22 تشرين الثاني” وهو اليوم الذي نال فيه لبنان استقلاله، وشاء التاريخ أن تكون مسرحًا للأحداث الكبيرة، وللنضال من أجل الحريّة، لذلك ارتبط تاريخ قلعة راشيا الواقعة على إحدى تلال بلدة راشيا الوادي المطلة على سهل البقاع الفسيح وعلى قمم جبل الشيخ المجيد، بفجر استقلال لبنان الذي انبثق من أقبيتها ودهاليزها.

أحداث تاريخية

كثيرة هي الأحداث التي شهدتها قلعة راشيا، فدرج يتوسطها يقود إلى جزء من حكاية استقلال لبنان، وفي قسم من القلعة، احتجز الاستعمار الفرنسي عام 1943 شخصيات لبنانية لمطالبتها بالاستقلال، ودام الاحتجاز أحد عشر يومًا قبل أن يطلق سراحهم في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1943 فكان استقلال لبنان.

وفي غرفة داخل القلعة اعتقل عام 1943 الرئيس اللبناني الشيخ بشارة الخوري، وفي غرفة أخرى سجن رئيس مجلس الوزراء رياض الصلح.

ورغم تلك الأحداث التاريخية، فقد اكتسبت القلعة أهميتها قبل استقلال لبنان بمئات السنين. وتقول وفاء زاكي المشرفة على القلعة “إن جميع الحضارات بنت معلما في القلعة”.

كما تؤكد وثائق وزارة السياحة اللبنانية على أن تاريخ بناء قلعة راشيا الأثرية يعود إلى العهد الروماني، حيث بنى الرومان حصنًا لمراقبة القوافل التجارية، وفي العام 1099 غزا الصليبيون المنطقة واختاروا القلعة حصنًا لهم نظرًا لموقعها الاستراتيجي. ويواجه القلعة من الجهة الرابعة قمة حرمون المطلة على الأراضي السورية والفلسطينية واللبنانية. وقد سكنها الصليبيون وأضافوا إليها أبراجًا استعملت كمراكز لمراقبة قوافل التجار الآتين من فلسطين نحو بلاد الشام ونقطة مراقبة وحماية لمواكب الحجاج والمسافرين عبر وادي التيم من دمشق إلى القدس في فلسطين.

وتنتصب قلعة راشيا في موقع استراتيجي تحيط به المنحدرات من ثلاث جهات، وتواجه الجهة الرابعة قمة حرمون في جبل الشيخ. أما مدخل القلعة فهو من جهة الجنوب ويتميز بجدرانه السميكة وبأقبية العقد التي إن دخلها الزائر في فصل الصيف الحار شعر بالبرودة لأن أشعة الشمس لا يمكن أن تخترقها. وبعد جلاء القوات الفرنسية عام 1946 تمركزت في القلعة قوات من الدرك اللبناني وبعض الإدارات الرسمية ثم تسلمها الجيش اللبناني في الأول من آب/أغسطس عام 1964 ولا تزال في عهدته.

آثار شهابية

ويشير المؤرخون على أن بناء قلعة راشيا، جاء على ثلاث مراحل، حيث توجد فيها آثار رومانية (دهليز وأبنية) وآثار صليبية (الآبار المنحوتة في الصخر والأقبية وبرج هو أعلى نقطة في القلعة) وهناك أبنية وآثار شهابية. أما السور الشرقي للقلعة، فقد بناه الفرنسيّون عندما دخلوها في العام 1920 واستخدموا في بنائه حجارة المنازل المحيطة بها بعد تهديمها، وهي تشبه بجدرانها السميكة وأقبيتها ودهاليزها المتعددة قلعة الشقيف الصليبية قرب مدينة النبطية جنوب لبنان، وبقناطرها تتماثل مع قناطر قصر بيت الدين جنوب بيروت.

وداخل حرم القلعة، أبنية وآثار شهابية تعود إلى عام 1370 حين تولى الأمير أبو بكر شهاب ولاية حاصبيا وكان يأتي برفقة زوجته وابنته إلى راشيا للصيد والقنص، فبنى له منزلًا داخل القلعة، كما بنى الشهابيون مدخل القلعة والسور والقناطر من الجهة الجنوبية الغربية.

أما السور الشرقي فقد بناه الفرنسيون بعد دخولهم إلى القلعة مستخدمين حجارة المنازل المحيطة بها بعد تهديمها، وما تزال أسماء أصحاب المنازل موجودة على مدخل القسم الشمالي من القلعة وهناك معالم لكنيسة ضمن حرم القلعة.

ومن معالم قلعة راشيا النادرة أيضًا، إيوان القناطر في الجهة الجنوبية الشبيه بقناطر قصر بيت الدين، إضافة إلى السراديب التي يبلغ طولها نحو 1500 متر وتقود إلى نقاط بعيدة من الأسوار كان يستخدمها الصليبيون لجلب المؤن والمياه في حال إطالة الحصار على الحصن الذي يزيد ارتفاعه على 1400 متر. وقد حوّل الجيش اللبناني بعض الأقبية والسراديب إلى معارض وقاعات استقبال.

أعلى قمة

وتتصدّر قلعة راشيا الأثرية، لوحتان رخاميتان، الأولى تحمل أسماء مئة وتسعة وخمسين فرنسيًا قتلوا خلال معركة 22 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1925. والثانية تحمل أسماء مئة شهيد من راشيا وجوارها سقطوا خلال تلك المعركة في مواجهة الغزاة الفرنسيين.

 بشامون بيت الاستقلال

حكاية هذا البيت هي حكاية البيت الذي احتضن “حكومة لبنان الحرّ” آنذاك، عانى طويلاً من الإهمال، إلى أن تمّ ترميمه، فعسى أن يكون في ترميم الحجر ترميم وعبرة لذاكرة البشر.
ذكرت مجلة “الجيش” أنها قصدت المكان والتقت السيد جهاد الحلبي حفيد المرحوم الشيخ حسين الحلبي (صاحب البيت)، ووالدته السيدة أم سمير التي حافظت على البيت واستقبلت زواره لأكثر من نصف قرن. كما قابلت أبناء المرحوم محمد حسان (حسان، جهاد، مهاب وعصمة)، وهم من عائلة عريقة في المنطقة دفعها شعورها الوطني إلى ترميم “بيت الاستقلال” وتجديده.

“المهمّ يبقى لبنان”
على أثر اعتقال سلطات الانتداب الفرنسي رئيس الجمهورية اللبنانية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، مع عدد من الوزراء وأحد النواب، واحتجازهم في قلعة راشيا، تشكّلت “حكومة لبنان الحرّ” التي ضمّت، الأمير مجيد أرسلان، رئيس المجلس النيابي صبري حمادة والوزير حبيب أبو شهلا، واتخذت من بلدة بشامون مقرًّا لها.

وصل رجال الاستقلال إلى البلدة حيث استقبلهم الأهالي في منزل المختار الشيخ ضاهر عيد، وهناك جرى البحث عن مقرّ للحكومة لا يستطيع الفرنسيون الوصول إليه. وقف الشيخ حسين الحلبي ودعاهم إلى المكوث في بيته. وعندما نبّهه الرجال إلى مدى خطورة الأمر أجابهم: “اللّي عمّرو بيعمّر غيرو… المهمّ يبقى لبنان”.
انتقلت الحكومة إلى بيت الحلبي، وقد عرف بــ”بيت الاستقلال” الذي احتمى الرجال تحت سقفه، وما زالت صورهم محفورة في كلّ حناياه.

منزلٌ جبلي قديم يقع على تلّة من تلال بلدة بشامون المشرفة على بيروت، كان يتألّف من جناحين: أحدهما للنوم، والآخر للاجتماعات والعمل وقد عُرِف بـالسراي”. شُيّد هذا البيت التاريخي في العام 1890، واجهته مفتوحة على “سطيحة” واسعة تظللها سنديانة كبيرة، كان يتفيّأ تحتها القادمون لمناصرة رجالات الحكم الوطني.
احتضن بيت الشيخ حسين الحلبي الآمال، وتقاطر المواطنون إليه بغية تأمين الحماية للحكومة، وأيضًا لتأمين الحاجات اللوجستية لمن أمنوا الحماية.

هنا رفع العلم اللبناني لأوّل مرّة
“هذا البيت يعني لنا الكثير”، كما قال السيد حسّان حسّان، “فمنه صدرت القرارات الحرّة التي جسّدت وحدة الشعب وآماله في السيادة والاستقلال. وفي هذا البيت رُفع العلم اللبناني لأوّل مرّة في التاسع عشر من تشرين الثاني 1943، وهو ما زال مرفوعًا في صدر البيت، محفوظًا في لوحة… كان لا بدّ لنا أن نعيد الاعتبار لهذا البيت الغالي ونرفع عنه حيف الإهمال والنسيان، وقد اعتبرنا ذلك واجبًا وطنيًا فهو بيتنا جميعًا… ومنذ الصغر، كان والدانا كما جميع عائلات بشامون رجالًا ونساءً، في خدمة ثورة الاستقلال ورجاله، وقد نشأنا وتربّينا على هذه المبادئ الوطنية، لذلك بادرنا إلى ترميمه”.

الترميم
“العمل الهندسي قدّمه المهندس المعماري رمزي أبو طرية وزوجته المهندسة منى التي أشرفت على التنفيذ”، يضيف السيد جهاد حسّان، “وقد تضمّنت أعمال الترميم فتح الغرف الثلاث على بعضها البعض لتصبح صالة كبيرة تمّ تجديد جدرانها وأسقفها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تنجيد الأثاث وصيانة الموجودات بما فيها الأسلحة المعلقة على الجدران والتي استعملت في معركة الاستقلال. أمّا الطريق وساحة البيت الخارجيّة، فقد أنجزتهما بلديّة بشامون. وقد استمرت الأعمال حوالى الخمسة أشهر وبلغت كلفتها نحو 400 ألف دولار…”.
السيد جهاد الحلبي حفيد مالك البيت قال من جهته، “إنّ ما أنجزه أبناء آل حسان مشكورين، لم تقم به الدولة”، ويشير إلى أنه جرى الاحتفال بتجديد “بيت الاستقلال” في بشامون في الذكرى الـ71 لاستقلال لبنان.

السنديانة والذكريات
وتتايع مجلة “الجيش”: قبل مغادرة بشامون، قصدنا والسيّدان حسّان والحلبي السنديانة الكبيرة عند مدخل البلدة حيث دارت عدّة معارك بين الجنود الفرنسيين ورجالات الاستقلال. فالجميع ما زالوا يتذكرون: هنا استشهد الشاب سعيد فخر الدين، ابن بلدة عين عنوب، في أثناء تصدّيه للقوات الفرنسية. وقد نعاه في حينها الوزير إرسلان في البلاغ الرقم واحد، بتاريخ 17 تشرين الثاني 1943. سعيد فخر الدين يحرس ذكريات غالية، وكذلك ذاكرة أهل البلدة والجوار ولبنان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى