قصّة التلفون واللبناني “اللي مصدّق حالو” في كندا

جاكلين جابر أبو عقل
سأخبركم اليوم قصة جميلة من الواقع الكندي –اللبناني العجيب،لا من باب الاستهزاء والسخرية، لا سمح الله، إنما من باب الفضول وحق المعرفة، وإذا جاز التعبير، احترام ذكائنا الرافض لفرضية “التهرّب والهروب” من مخابرة لطيفة لا ناقة فيها “للنق” ولا جمل.
والقصة الطريفة تبدأ عندما تتصل بأحدهم “المصدّق حالو” ويردّ عليك بداية، كنوع من أنواع الحشرية فقط، ومن ثم، وبعد إلقاء التحية والسلام وعرض الموضوع المطروح، يجيبك صاحبنا العتيد بكل لطف العالم ورقته، “غدًا موعدنا المؤكّد”، والخامسة بعد الظهر هي أفضل الأوقات، لتبدأ بعدها رحلة المناورات والاستنتاجات.
اتصال فلا جواب آخر، مع ترك رسالة، وأيضًا لا جواب، وآخر وآخر والمحصلة “بلوك من تحت الدست”. فتحتار وتتساءل عن أي ذنب اقترفته لأعاقب بما يشبه الإهانة وقلّة الذوق اللا مقبول، مع رشّة قليلة من بهارات “شوفة الحال”.
وتتساءل وتعيد النظر في حساباتك، أهي الثقافة؟ بالطبع لا، فمخزون الثقافة متوارث في العائلة ولا غبار عليه. الحنكة في التعاطي؟ أيضًا وأيضًا لا، فأسلوب الرقيّ ميزة نحسد عليها. أهو المستوى العلمي؟ أيضًا وأيضًا لا، فلدينا من الشهادات والدراسات ما نعتزّ به ونفتخر. إذن إنه هو، المال!…لم لا؟ وكثيرون يعتقدون أنه بالمال وحده يحيا الإنسان. لكن أهو من يجعل من مالكه الآدمي “المحترم”؟ وأي انسان هو ذاك الذي يعيش في صومعته وبقناعة تامة أنه “انا أو لا أحد”؟
أيها الشهم في بلاد الله الواسعة، كثيرون هم أبناء أرضي الخيّرة، المنتشرون في بلاد الاسفندان، ولمّا زالوا متمسكين بذاك المسمّى الحنين. اتصالاتنا تسودها المحبة والطيبة ورفع الكلفة أيضًا. نتهاتف والسلام في ما بيننا عنوان. لهم هؤلاء النخبة ترفع القبعات، لن أسميهم فتطول التسميات، أسماءهم في قلبي، في مجالسي وفي كل الكتابات. أما أنت ومن مثلك، وما أكثرهم، فلن ترتقوا إلى مصاف الإنسانية البيضاء، لأنكم بجهلكم الفقير اخترتم التعالي الذي – والله- نحن منه براء.
لا، لن ينتقص من كرامتي قيد انملة إن أنت تذاكيت واخترت الهروب تارة بالاستعاضة بالمجيب الصوتي وأخرى بالتجاهل المقصود، لكن من المؤكد أن عذرك بـ”المشغول” و”ما قدرت رد أبدًا” لن يجعلك في مصاف محترمي الكلمة والمواقف المشهود لديمومتها إطلاقًا.
في لبناننا، ورغم كل مآسينا، ورغم اشتداد العواصف السوداء التي تهدّد نهاراتنا كما ليالينا، ورغم غلاء الاتصالات والخدمة التي تكاد أن تكون معدومة، تبقى المحبة والمودة الصلة التي تجمعنا وتقوينا، والتي نحملها معنا لنوزعها أينما كنا. فيكفي إن حصل واتصل أحدهم بآخرولم يستطع الإجابة الفورية، يتبعه بآخر للاطمئنان وراحة البال، فالهاتف وسيلة جميلة لتقريب المسافات وإنهاء الأعمال، لا للاستنساب والاستطلاعات، فهذا، يا جماعة، ما لا قدرة لنا على فهمه. فاعذروا قدراتنا لو سمحتم.
أما أنتم يا من تحملون الودّ والرقيّ في التعاطي، فلكم نقول: الحياة لا تليق إلا لكم وبكم ولأمثالكم.
وفي الختام، نصيحة وليست بأخوية، من فضلك، تنازل عن عرشك كبريائك ولو قليلَا، فصحيح أننا بحاجة لأن نضحك، لكن ليس إلى درجة القهقهة. وتأكد عزيزي “ما حدا بدو منك شي، ولا حدا حتى قاريك” .
وإلى أن تنضمّ إلى قافلة المحبين الودودين، ألف تحية لمن تجمعني بهم إلفة ومحبة وصداقة في بلادي وفي بلاد الانتشار.
مع محبتي.