المطران عودة: نحن في حاجة إلى رجال دولة
أكد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده أن لا نستغربن ما يحدث في بلادنا من استقرار للشر بدل الخير، ومن حال عدم تغير نحو الأفضل، لأن ذلك يعود إلى عدم الإعتراف بالخطأ لدى المسؤولين والحكام، وعدم التوبة، الأمر الذي يولد عدم الرحمة وانعدام المحبة وفقدان العدل.
وقال في عظة الأحد: “لقد غرق بلدنا في مستنقع فساد، ولو كان مسؤولونا يحملون قلوبا يسكنها الروح القدس الذي يدربهم على سلوك طريق التواضع والمحبة والرحمة والعدل عوض إحاطة أنفسهم بمستشارين قد يدلونهم على ما ينفع مصلحتهم، إنما على حساب مصلحة البلد وناسه، وهذا يؤذيهم ويؤذي البلد، لو كانوا يفعلون ذلك بصدق لكان بلدنا بحال أفضل. لكنهم لا يعترفون بأخطائهم ولا يعتذرون إذا أساءوا إلى أحد، ويتهربون من المسؤولية، ويبررون أنفسهم عبر الأضاليل التي لا تمت إلى الحق والعدل بصلة، فيغرقون، ويغرقون البلاد والعباد في مستنقع يصعب الخروج منه”.
وتابع: “الشر والفساد متى أصابا نفسا يجعلان كل شيء سلعة تشرى وتباع، حتى الإنسان. وعدوى الشر والفساد تنتقل بسرعة أكبر من عدوى الخير والمحبة والتسامح، مما أوصل مجتمعنا إلى هذا الدرك. لذلك نناشد المسؤولين مجددا رفض البقاء في المستنقع الآسن الذي أصبح خطرا على الجميع، والقيام بالإصلاحات اللازمة، وسلوك الطريق الذي يؤدي إلى بداية الإنقاذ. إنه واجب أخلاقي ووطني، وإلا سوف نبكي جميعا على لبنان الذي لم نحسن الحفاظ عليه وطنا لجميع أبنائه، حرا، سيدا، مستقلا عن كل ارتباط خارجي أو تدخل أو وصاية، وطنا يحتضن أبناءه، ويحفظ كرامتهم، ويؤمن لهم سبل العيش الكريم، فيخلص أبناؤه له، ويحترمون قادته الذين يحكمون بالعدل والحق، ويحافظون على دستور البلاد ويطبقونه بحذافيره دون انتقائية أو تأويل. فما يصح على الواحد يصح على الجميع، وما يتوجب على فريق يتوجب على الجميع، وما يمنع عن جهة يمنع عن كل الجهات”.
وقال: “الخلافات المستشرية بين أركان السلطة سببها أن ما يصح على البعض يمنع عن الآخرين. إن تبادل الإتهامات وإلقاء البعض تبعات التعطيل على الآخرين لا ينفي مسؤولية الجميع عما وصلنا إليه بسبب سلوكهم غير المسؤول، والحسابات الشخصية والمصالح. إن الفساد، والتغاضي عن الفساد، والتخلف عن القيام بالواجب، والتقاعس في ابتداع الحلول، وتعطيل المؤسسات، وعدم احترام الدستور، كلها أدت إلى انهيار الدولة. انعكست الخلافات العميقة بين المسؤولين سلبا على حياة اللبنانيين، ودمرت مقومات البلد. إن شبق السلطة يدمر صاحبه ويدمر البلد. إرأفوا بأنفسكم وبلبنان. عوض الصراعات المدمرة نحن في حاجة إلى التضحية من أجل لبنان لكي يبقى أولا، ثم يستعيد أنفاسه. كل ما يطلبه العالم من أجل مساعدتنا هو تشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات الضرورية التي تستجلب المساعدات من أجل إنقاذ لبنان من انهياره. ألن تبصر الحكومة النور إلا على أشلاء المواطنين في الحوادث المتكررة هنا وهناك؟ وإذا كان تفجير المرفأ لم يهز الضمائر، هل من أمل بعد؟”
أضاف: “نحن في حاجة إلى رجال دولة يحسنون القيادة واتخاذ القرارات الجريئة بعيدا من التسلط والأنانية والمصلحة وتصفية الحسابات. هنا أسأل مع الكثيرين: كيف ينام مسؤول وشعبه يستعطي رغيف الخبز وحبة الدواء وقطرة المحروقات؟ كيف يرتاح وشعبه يعاني الحر والظلمة واليأس، ولا يطمح إلا إلى هجرة الجحيم الذي يعيش فيه؟ كيف يهنأ له عيش وأبناء العاصمة المنكوبين ما زالوا يبحثون عن حقيقة ضائعة بين قضاء يحاول الوصول إلى الحقيقة وسلطات تعيق عمله لإخفائها؟ هل بلغ الاستهتار بأرواح الناس حد عدم الاكتراث بمصيرهم، وعدم التنازل عن المصالح والحصص من أجل تأليف حكومة قادرة على البدء بعملية الإنقاذ؟ المطلوب تغيير صورة لبنان في نظر المجتمع الدولي. إذا لم نساعد أنفسنا كيف نطلب مساعدة الآخرين؟ الاعتراف بالخطأ والندم والتوبة تستتبع رحمة الله كما سمعنا في الإنجيل. الاعتراف بالخطأ ضروري في كل حين، وإصلاح الخطأ أمر بديهي عند من يسمع صوت الضمير، وعند من يحمل ضميرا حيا يعكس صوت الله”.
وتابع: “تحنن الملك على العبد المدين وأعطاه أكثر مما طلب، أو مما تجرأ أن يأمل. فعوض أن يمهله زمنا لإيفاء دينه عفا عنه، وأطلقه حرا مع عائلته، بالنعمة المجانية التي يمنحها الله. فما كان موقفه مع زميله؟ بعدما أعتقه الله مما كان غير قادر على إيفائه، نراه يمسك على أخيه الإنسان بقسوة، وبلا رحمة، دينا بشريا تافها. يستجدي الرحمة في الكثير ولا يرحم في القليل. أليست هذه حال البشر عامة وحالنا في لبنان؟”.