أخبار لبنان

المطران ابراهيم في رسالة الصوم: لننازل الأزمات والسياسة ونبني لبناننا القديم الأزلي

وجه رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابرهيم مخايل ابراهيم، رسالة الصوم لعام 2022 الى المؤمنين والمؤمنات جاء فيها: “الساكن في كنف العلي، في ظل القدير، يبيت لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوباء الخطر وتحت أجنحته تحتمي لا تخشى من خوف الليل، ولا من سهم يطير في النهار، ولا من وباء يسلك في الدجى، يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي”.(من المزمور 91)

أضاف: “يطل علينا زمن الصوم المقدس مجددا بينما نحن – كعادتنا – ملبكين بمشاغل العمر وهمومه شؤونا وشجونا. يطرق جهاد الصوم بابنا، ونحن في داخل أزماننا نعيش في غربة عن ذواتنا، وصوت ضميرنا يدعوننا للعودة إلى هياكل أنفسنا. الله يريدنا أن نسلك طريق الرجوع من سبينا، لكننا لا نرى للعودة سبيلا. ألسنا كرائد فضاء تتعثر خطواته بتراخي عضلاته عند عودته، فلا يعود إلى مسير سوي إلا بعد تدريب وتمرين، لا يذكرنا هذا بزمن صيام لنعود معه إلى رشاقة روحية ونفسية وجسدية، ربما قد أوهت الخطيئة قوانا فأضعفتنا، وعصبت أعيننا فاقتادتنا إلى أرض غربة، حيث أضعنا ما بنا من نضارة وطهارة، فها نحن بالصيام نشق عباب بحر فصلنا من أرض ميعادنا وموعد خلاصنا. في الصيام، ندرك أننا لا نملك شيئا، لكن به نتعلم أن لا شيء يجب أن يمتلكنا إلا الله وحده”.

وتابع: “إنه وقت تحرر يصرف النفس عن الشهوة، ويأصلها في الصبر كي لا يغلبها حرام. فالحرية النابتة من الأصوام تصوننا من كل يأس وحزن، فلا تقدر مصائب الدنيا تسرق منا فرحنا. الصوم هو زمن تناغم لا تناقض أعمال الصائم فيه صومه. فكيف يكون صائم لا رأفة فيه، وكيف يكون حر مستعبدة إرادته الآخرين، إذا تلاشى التناغم بطل الصوم كما يقول شاعر: كم أناس أظهروا الزهد لنا فتجافوا عن حلال وحرام، قللوا الأكل وأبدوا ورعا واجتهادا في صيام وقيام ثم لما أمكنتهم فرصة أكلوا أكل الحزانى في الظلام”،

وأردف: “التناغم بالصيام يطهرنا من انقساماتنا، ومن انفصام ذواتنا، عاهات تمعن في تفتيتنا فتحولنا إلى ما لسنا عليه لنصير أعداء لأنفسنا وحرابا في خاصرات أبرياء.
التناغم بالصيام ينتشلنا من صفحات ثقافة الموت والظلمة ليزرعنا في حقول من الرأفة وموائد الغفران. التناغم بالصيام يصير لنا صلاة بها نختتم المساء، وبها نفتتح الصباح، فنكون في حضرة الله على الدوام. ما أجمل الصوم والأيادي ترتفع تضرعا، وتمتد للاحسان عطاء، فيتغير وجه الأرض، فالذين يصلون، يقول الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية جيمي كارتر: يقدمون للعالم أكثر من الذين يقاتلون. وإذا كان العالم يتجه نحو الشر فلأن الذين يقاتلون أكثر من الذين يصلون”.

وقال: “أدعوكم أيها الأحبة أن تحققوا بصومكم ومصالحتكم مع ذواتكم والآخرين التناغم في حياتكم. فليس في عصرنا الحاضر من آفة أكثر ضررا من آفة الانقسام والانفصام عن الذات، وتباعا عن الآخرين وعن الله. صوم النفس عن الانقسامات هو خير صيام.
وإزاء تصاعد وتيرة الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتضامننا مع ذوي الضحايا والمتضررين، نهيب بالمؤمنين والجميع الصلاة من أجل استعادة وشيكة للسلام والحوار والأخوة البشرية، وندرك دروس العنف المؤسفة طوال التاريخ. لذا، نناشد أطراف الصراع لإيجاد حلول سلمية لفض الخلافات ووأد النزاعات. القوة المسلحة لا تعزز حوارا ولا سلاما. فعلى عكس ذلك، تعرض للخطر حياة أناس أبرياء وأمن المحاصرين في هذا الصراع خاصة، وتهدر كرامة الإنسان. لذا، جاء يسوع ليمنح عطية السلام، ومن خلاله، يسلك سبيل الحوار، حتى ولو تبدو جميع السبل مغلقة. ومع البابا فرنسيس الذي استودع هذا الوضع بين يدي مريم؛ والدة الإله، فنسأل سيدة النجاة وسيدة البقاع، بشفاعتها التي لا ترد، أن تفتح القلوب ليزول الغضب والعنف والانقسام. وندعوكم للصلاة من أجل لبنان، وطننا العابر في ظلمة وظلال موت، كي ينهض من سواده إلى ابيضاض أنوار الحياة التي تليق باللبنانيين كرمى لهم، وذخرا لقادم الأجيال وإرثا موثقا متتاليا”.

وشدد على ان “لبنان ليس حقل تجارب للقوى المتصارعة التي في نزواتها لا تتورع عن إعاقته. إنه وطن أهلنا الذين – على مر التاريخ – تحدوا المستحيل، وذللوا المحال.
ليس في لبنان مجال للقنوط، ولا حيز للاحباط. نحن أبناء الرجاء والقيامة، من أكثر الشعوب جلدا وقدرة على قلب ظهر المجن، واعتدال كفات الموازين. فرويدا وصبرا، سنعود عوضا عن استيراد الأزمات، مصدري الخير والازدهار. معا، يا من ما يزال في وفاضهم ما يبهر، وفي عزائمهم ما يقهر، تعالوا ننازل الأزمات والسياسة التي بها تتعثر الخطى لنبني لبناننا القديم الأزلي كعهده بنا، وصرحا لنا على قدر آمالنا وأحلام أبنائنا وأجيال ما تني تفاخر بتراث يعز أن يؤتى له بضريب”.

وختم ابراهيم: “إنه الصيام الأول لي بينكم في هذه الأبرشية العريقة، أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع المجبولة بالجمال والكرم والأصالة والإيمان. إني مفعم بالفرح كوني الآن واحدا منكم، وخادما لكم أسوة بمن سبقني من الأساقفة الكرام العظام. أنا بينكم وأحلم مثلكم ومعكم بغد مشرق. لا يريعنا خوف من حاضر، ولا ارتياب من آت، نخوض الغمار معا في سبيل حياة كريمة متجلية بإيمان نتشارك فيه لقراع اليأس، ومسح الدموع بقلوب ملؤها التفاؤل، وعيون ترنو إلى القمم الشاهقة.ليبارككم الله، ويعد علينا هذا الزمن المقدس، وجميعنا في اتحاد وتناغم ونجاح وصحة وأمان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى