منوّعات

“33 استراتيجية للحرب”: منهج متكامل للمخططين العسكريين

عليك أن تخلق سلسلة قيادة لا يشعر الناس فيها أنّهم مقيدون بسلطتك لكنّهم يتبعون قيادتك لهم.

كتب كمال مساعد

كتاب “33 استراتيجية للحرب”، هو محاولة لبناء قاعدة انطلاق ومنهج متكامل للمخططين العسكريين والقادة الإستراتيجيين منذ الحروب البدائية حتى عصرنا الحالي.

كلمة «استراتيجية» مشتقة من الكلمة الإغريقية «ستراتيجوس» التي تعني حرفياً «قائد الجيش». الاستراتيجية بهذا المعنى كانت فن قيادة المجهود الحربي برمته، من التشكيلات العسكرية والفرق والتنظيم الى الجهوزية التى ينبغي تعبئتها للحرب، وأي أرض يقاتل عليها، وأي مناورات يمكن استعمالها لكسب التقدم على العدو. ومع تطور هذه المعرفة، اكتشف القادة العسكريون أنهم كلما كانت خططهم دقيقة، كلما تعاظمت فرص نجاحهم. ووجود استراتيجيات جديدة أتاح لهم هزم جيوش أكبر بكثير من جيوشهم.

كتاب “33 إستراتيجية للحرب”، للباحث الاميركي روبرت غرين، هو رؤية، يعالج فيها المؤلف استراتيجية الحروب في العصور القديمة، وما يجري من حروب والإستراتيجيات المتبعة في العصر الحالي ، والمقارنة  بين الاستراتيجيات التي اعتمدت منذ آلاف السنين والتي ما زالت تعتمد حتى اليوم مع فارق تطور التكنولوجيا والإمكانيات.

الکتاب هو ملخّص لحروب ومواقف عبر الأزمان، من تجارب الشعوب التي تتضمنها دروس الحرب ومبادئها. وقد صمم الكتاب لكي يقدم آلية معرفية عملية ستمنحك خيارات وميزات لا تحصى في التعامل مع المحاربين الخفيين الذين يهاجمونك في الميدان كما في معركة الحياة اليومية.

كل فصل هو كناية عن استراتيجية تهدف إلى حل مشكلة محددة ستواجهك غالباً. مشکلات كهذه تتضمن القتال مع جيش يقف وراءك من دون أن يملك الحافز. هدر الطاقة في القتال على جبهات كثيرة في وقت واحد… الإحساس برهبة الاحتكاك. التناقض بين الخطط والواقع… الدخول في مواقف لا يمكنك الخروج منها.

الاستراتيجيات نفسها مختارة من كتابات وممارسات الجنرالات العظماء في التاريخ (الكسندر الأعظم، هنيبعل، جنكيز خان، نابليون بونابرت، شاکا زولو، ولیم تکومیش شيرمان، إروين رومل، فو نغوين غياب)، كما من أعظم الاستراتيجيين (صان تسو، میاموتو موساشي، کارل فون کلوسفيتز، أردانت دو بیك، ت. إ. لورنس، الكولونيل جون بيرد). وهي تمتد من الاستراتيجيات الأساسية في الحرب الكلاسيكية إلى الاستراتيجيات غير التقليدية والقذرة في الأزمنة الحديثة.

الكتاب يقع في 765 صفحة من القياس الكبير ترجمه الى العربية الكاتب الفلسطيني سامر أبو هواش، عام 2009، وصدرت الطبعة العربية في السعودية. ينقسم الكتاب إلى خمسة أجزاء: الحرب المدارة ذاتياً (كيف تحضر نفسك عقلياً وروحياً للمعركة)؛ الحرب التنظيمية ( كيف تبني وتحفز جيشك)؛ الحرب الدفاعية؛ الحرب الهجومية؛ والحرب غير التقليدية (القذرة). كل فصل ترافقه أمثلة تاريخية، ليس من الحرب فقط بل من الممارسات السياسية (مارغريت تاتشر)، ومن الثقافة (ألفرد هتشكوك)، والرياضة (محمد علي كلاي)، والأعمال (جود دي . روكفلر)، وهي أمثلة تظهر العلاقة الوثيقة بين العسكري والاجتماعي. هذه الاستراتيجيات يمكن تطبيقها في نضالات على أي نطاق: الحرب المنظمة، معارك الأعمال، سياسات مجموعة معينة، وحتى العلاقات الشخصية.

يعدد المؤلف الاستراتيجيات الـ33، بشكل منهجي كما خاضتها الشعوب ومن تجارب عبر التاريخ القديم والحديث.

أعلن الحرب على أعدائك.. استراتيجية التضاد

الحياة معركة وصراع أبديان، ولا يمكنك القتال بفعالية ما لم تحدد أعداءك. يميل البشر إلى المراوغة والتملص، فيضمرون نواياهم الحقيقية، ويزعمون أنهم يقفون في صفك. تحتاج إلى الوضوح. تعلم كيف تخرج أعداءك من مخابئهم، كيف تكشفهم عبر العلامات والإشارات التي تكشف عدوانيتهم. ثم، ما أن يصبحوا تحت ناظريك، أعلن الحرب عليهم سراً. كما يقوم القطبان المتضادان في المغناطيس بخلق الحركة، فإن أعداءك، المضادّین لك، يمكن أن يشحنوك بالهدف والاتجاه. بوصفهم أشخاصاً يعترضون طريقك، وينبغي التحرك ضدهم، فإنهم مصدر طاقة بالنسبة إليك: فمع بعض الأعداء (التسوية مستحيلة)، ولا حلول وسطى ودائماً حسب سن تسو مؤلّف كتاب “فن الحرب”، لا تعتمد على عدم مجيء العدو، بل اعتمد على أن تكون مستعداً دائماً له.

ما تريده في الحرب هو مساحة للمناورة. الزوايا الضيقة تجلب الموت. يمنحك وجود الأعداء خيارات عدة، إن ما يثبط عزيمتك غالباً ويسبب لك التعاسة هو الماضي، على هيئة ارتباطات غير ضرورية، وذكريات الانتصارات والهزائم القديمة. عليك من وقت إلى آخر أن تشن حرباً على الماضي وأن تجبر نفسك على التفاعل مع اللحظة الراهنة. كن قاسياً على نفسك؛ لا تكرّر المناهج المستنفدة نفسها. أحياناً عليك أن تجبر نفسك على الضرب في اتجاهات مختلفة، حتى وان كانت مجازفة. ما يمكن أن تخسره في الراحة والأمان، ستكسبه بالمفاجأة، فتصعّب على أعدائك معرفة ما الذي ستفعله. شنّ حرباً على عقلك، من دون أن تسمح بخطوط دفاع ثابتة، أو قلاع مکشوفة – إجعل كل شيء متحركاً.

خلال استعدادك للحرب عليك أن تخلّص نفسك من الخرافات والأفكار الخاطئة. الاستراتيجية ليست مسألة تعلّم سلسلة من الحركات أو الأفكار التي يمكن اتباعها كوصفة جاهزة، سحرية لتحقيق النصر.

حين سُئل نابليون: ما هي مبادئ الحرب التي اتبعها، أجاب أنه لم يتّبع أية مبادئ. كانت عبقريته تكمن في قدرته على التجاوب مع الظروف، والاستفادة إلى الحدّ الأقصى مما لديه – كان الانتهازي الأقصى.

في عز الاضطراب لا تفقد حضورك الذهني.. استراتيجية الموازنة

يشير المؤلف الى أنه في حمى المعركة يميل العقل إلى فقدان اتزانه. تواجه الكثير من الأمور في وقت واحد- نكسات غير متوقعة، شكوك حلفائك وانتقادهم لك. ثمة خطر في الرد بشکل عاطفي، بخوف، بإحباط، أو بيأس. من الضروري أن تبقى حاضر الذهن، ومحافظاً على قواك العقلية أيّاً كانت الظروف. عليك أن تقاوم بفعالية الثقل العاطفي للحظة، وأن تبقى واثقاً من نفسك، حاسماً، وهجومياً، أيّا كان عدوك. زد من صلابة عقلك عبر تعريضه للمحن. تعلّم أن تفصل نفسك عن فوضى ساحة المعركة.

أعظم ضعف قد يواجهنا هو أن نفقد جرأتنا ونشكّك بأنفسنا، ونصبح حذرين. ما نحتاج إليه هو خوفنا من الصراع ومن  ارتكاب خطأ ومضاعفة العزم، وتكثيف الثقة بالنفس. هذا سيؤدي دور الموازنة. في لحظات الاضطراب والقلق عليك أن تجبر نفسك على أن تكون أشد عزماً. استولد في ذاتك الطاقة العدوانية التي تحتاج إليها لكي تتجاوز الحذر والجمود.

اخلق الإحساس بالإلحاح واليأس.. استراتيجية أرض الموت

أنت أسوأ عدو لنفسك، ينبّه المؤلف: أن تهدر وقتا ًثميناً حالماً بالمستقبل بدلاً من أن تنخرط في الحاضر. بما أنه لا شيء يبدو طارئاً وملّحاً بالنسبة إليك، فأنت فقط نصف معنيّ بما تفعله. الطريقة الوحيدة لتغيير ذلك هي عبر الحركة والضغط الخارجي. ضع نفسك في أوضاع بحيث يكون أمامك الكثير لتجازف بخسارته إذا ما أضعت الوقت أو الموارد- إذا لم تكن تتحمل الخسارة فلن تخسر. إقطع صلاتك بالماضي، وادخل إلى منطقة مجهولة حيث عليك الاعتماد على ذكائك وطاقتك لكي تجد مخرجاً. ضع نفسك في «أرض الموت»، حيث ظهرك إلى الجدار وعليك أن تقاتل بكل شراسة لكي تخرج من هناك واقفاً منتصراً ..

الحرب المنظمة (مع فريق عمل)

قد تمتلك أفكاراً ممتازة، قد تكون قادراً على اختراع استراتيجيات لا تهزم، لكن إذا كانت المجموعة التي تقودها، والتي تعتمد عليها لتنفيذ خططك، غير متجاوبة معك وغیر خلاقة، وإذا كان أعضاؤها يضعون مصالحهم أولاً، فلن تعني أفكارك شيئاً. يجب أن تتعلم درس الحرب: إنها بنية الجيش – سلسلة القيادة والعلاقات بين الأجزاء والكل، ما يمنح استراتيجيتك القوة. وهي تكمن في الحرب هو بناء السرعة والحركة داخل بنية جيشك. هذا يعني أن تملك السلطة العليا، وأن تتجنّب التردّد والارتباك الذي يسبّبه توزیع القيادة.

ومن ثم تحفيز الجنود، وخلق روح الجماعة التي تمنحهم قوّة دفع لا تقاوم. حين تكون لديه قوى منظمة بهذه الطريقة، يستطيع الجنرال أن يتكيّف مع الظروف بصورة أسرع من العدو، مما يكسبه امتیازاً واضحاً.

تفادي فخاخ التفكير الجماعي.. استراتيجية القيادة والسيطرة

إن مشكلة قيادة أي مجموعة هي أن الناس يملكون أجنداتهم الخاصة بصورة لا يمكن تفاديها. إذا كنت سلطوياً جداً، فسوف يثورون عليك بطرق صامتة. وإذا ما كنت مرناً جداً سيعودون إلى أنانيتهم الغريزية وستفقد السيطرة. عليك أن تخلق سلسلة قيادة لا يشعر الناس فيها أنّهم مقيدون بسلطتك لكنّهم يتبعون قيادتك لهم. ضع الناس المناسبين في المكان المناسب، أناساً ينفّذون روح أفكارك من دون أن يكونوا آلات. فلتكن أوامرك واضحة وملهمة، مركزاً الاهتمام على الفريق، لا على القائد. إخلق إحساساً بالمشاركة، لكن لا تقع في فخ التفكير الجماعي- اللاعقلانية التي تنتج عن اتخاذ القرار بصورة جماعية. إجعل نفسك تبدو مثال الإنصاف، لكن لا تتخلَ أبداً عن وحدة القيادة. إحدى الوظائف الأساسية في سلسلة القيادة هي تأمين المعلومات بسرعة كلما كانت سلسلة القيادة أقصر وأبسط، كان ذلك أفضل لتدفق المعلومات.

وزع قواك.. استراتيجية الفوضى المسيطر عليها

يشير المؤلف الى العنصرين الجوهريين في الحرب وهما السرعة والتكيّف: القدرة على التحرك بسرعة واتخاذ القرارات بسرعة أكبر من العدو. لكن بات من الصعب تحقيق هذين العنصرين في عصرنا: فسرعة تدفق المعلومات المتوافرة لنا بكبسة زر، مما زاد من صعوبة التفسير واتخاذ القرارات. أصبح هناك المزيد من الناس لكي نتعامل معهم، وهم منتشرون على نطاق واسع، مما يجعلنا نواجه انعدام اليقين. تعلّم من أعظم معلّمي الحرب، نابليون بونابرت: إن القدرة على السرعة والتكيّف تأتي من التنظيم المرن. جزّئ قواك إلى مجموعات مستقلة يمكنها العمل واتخاذ القرارات من دون الرجوع إليك. إجعل قواك مراوغة ولا يمكن وقفها عبر مدّها بروح الجماعة، كلّفهم بالمهمة، ثم دعهم ينطلقون. «انتشروا لتعيشوا، اتحدوا لتقاتلوا» نابليون بونابرت (1769-1821).

العالم مليء بالناس الذين يبحثون عن المعادلة السرية للنجاح والحصول على القوة. لا يريدون أن يفكّروا بشكل مستقل، يريدون وصفة يتبعونها. تجذبهم فكرة الاستراتيجية لهذا السبب بالتحديد. جوهر الاستراتيجية ليس تنفيذ خطة لامعة عبر خطوات معيّنة؛ بل أن تضع نفسك في أوضاع تمتلك فيها خيارات تفوق خيارات العدو.

حوّل حربك إلى حملة مقدّسة .. استراتيجيات الروح المعنوية

يعتقد المؤلف أن سرّ تحفيز الأشخاص والحفاظ على روحهم المعنوية هو دفعهم إلى التفكير أقلّ بذواتهم، والتفكير أكثر بالمجموعة. أشركهم في قضية، في حملة مقدسة ضد جيش يكرهونه. إجعلهم يرون أن نجاتهم مرتبطة بنجاح الجيش برمّته. في مجموعة يكون بين أفرادها روابط حقيقية، فإن الأمزجة والعواطف تصبح معدية، بحيث يسهل أن تعدي جنودك بالحماسة. كن في المقدمة، دعهم يرونك في الميدان، تقدّم التضحيات من أجل القضية. هذا سيشحنهم بالرغبة بالتشبّه بك وإرضائك. إجعل المكافأة والعقاب نادرين لكن مؤثرين. تذکر أن جيشاً يملك الدافع يستطيع فعل العجائب، ويعوّض عن أي نواقص مادية.

المصدر الميادين نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى