انجو ريحان صوت المسرح اللبناني يضيء سماء مونتريال بعرضٍ نابض بالشغف والإبداع
خاص جاكلين جابر
أبدعت ريحانة المسرح انجو في عرضيها المميزين الذين قدمتهما على مسرح “أندريه ماثيو” في لافال ،فعلى اهمية المواضيع وحساسيتها عرفت كيف تتنقل على مسرحها كنحلة تشتم عبق الازهار مع كل ابتسامة او تصفيق او تفاعل من جمهور لطالما انتظرها بحشرية وشغف ليتعرف اكثر على ما سيحمله مسرحها من قضايا جديدة تمس وجدانه، وتجسد واقعه، وتفتح أمامه نافذة نحو تأمل عميق لقضايا المرأة والمجتمع، بأسلوبها الذي يمزج بين الكوميديا والدراما، والذي ترك في كل عرض بصمة لا تُنسى في قلوب كل من حضرها.
وتدور احداث مسرحية”مجدرة حمرا ” التي تحمل اسم أكلة جنوبية،حول ٣ نساء يجتمعن في منزل “مريم” بجنوب لبنان، وكل واحدة لها قصة مختلفة عن الاخرى ولكن تجمعهن مشاكل المجتمع والحياة ، “مريم” المقيمة في فرنسا والتي تعيش صراع الانتماء “أي أرض تشبهها”، الحب “تحب رجلاً في فرنسا وآخر هو حبيب طفولتها في الجنوب”، والأمومة “هل ستنجب؟ وهي أصلاً ضائعة إلى أي بلد تنتمي”.”فطم” أرملة لديها ٣ أولاد، وهي في رحلة بحث عن حقوقها. هذا بالإضافة إلى أنها تريد الزواج وترفض ابنتها الفكرة، لتظهر أنانية الأولاد أحياناً.أما “سعاد” فهي متزوجة وتتعرّض للعنف من زوجها، ودائماً ما تجد له مبررات.
اما مسرحية “شو منلبس” فتدور حول موضوعات سياسية منها اسر الاب ومحاولة اغتياله بعد تحريره من المعتقل ،تهجير العائلة بسبب انتمائها السياسي ومحاولة قتله من جديد لتنتهي القصة بوفاة الوالدة بالمرض الخبيث دون ان يتوقف شعور الذنب عند الفتاة الصغيرة التي باتت شابة وفي رأسها ان تعرّض والدها للاسر بسبب حديثها معه بصوت عال.
المسرحيتان تدوران في فلك انجو وحدها،هي الام والاب والنسوة والعسكر المحتل وهي الجنوبية بلكنتها وحبها لعائلتها ولصراعها مع الامور الدنيوية التي بدأت برغبتها باعتناق المسيحية ومن ثم تحجبها وغيرها الكثير من المواضيع اليومية التي تعيشها كل فتاة في مناطقنا الجنوبية ،قدمتها باسلوب كوميدي فيه الكثير من الذكاء حيث استطاعت أن تجمع بين الفكاهة والعمق، مما جعلها تنقل رسائل قوية عن الهوية، والتضحية، والواقع الاجتماعي بشكل مؤثر.
وعن تجربتها بعيدًا عن لبنان، قالت ريحان: “بعد مغادرتي البلاد لتقديم المسرحيتين ووسط ظروف صعبة، تم وقف إطلاق النار، مما أتاح لنا أن نبكي أخيرًا. فخلال الشهرين الماضيين، كنت على الأرض، أعايش الناس وأتفاعل مع أهلي مباشرة. نحن من الجنوب اللبناني، وكلنا كلبنانيين تأثرنا بالدمار وفقدان الأرواح والتهجير. اليوم، يمكننا أن ننهار ونعبّر عن ألمنا، على أمل أن يعود لبنان أجمل مما كان.”
وحول الرسائل التي تحملها مسرحيتيها، أكدت ريحان أن المسرح هو المرآة التي تعكس قضايا الشعب وهمومه “فالمسرح يملك تأثيرًا كبيرًا على الجمهور،لانه يعرض الواقع كما هو، بدون فواصل زمنية أو تزييف. بعكس المسلسلات والأفلام التي يمكن أن تخلق مسافة بين الماضي والحاضر، المسرح يجلب اللحظة مباشرة إلى المتلقي. من خلال المسرح، نتعرف على ثقافة الشعوب وقضاياها. وهنا لا بد من لفت الانتباه الى عناية الكاتب يحيى جابر بموضوع المراة بكل حالاتها ،فهو دائمًا ما يساندها ويؤمن بنظرية “المرأة نصف المجتمع”. فيمسرحياتنا، نسلط الضوء على قضايا المرأة، لنقول انها عندما تكون مضطهدة وغير متطورة، ينعكس ذلك على تخلف المجتمع بأسره. أما إذا كانت مثقفة وقادرة على رفع صوتها، فإنها تسهم في خلق مجتمع متطور ومزدهر.”
ووصفت انجو مسرحية “مجدرة حمرا” بالعمل الفريد الذي يعكس قصص ثلاث نساء جنوبيات لكل منهن قضية خاصة تروي من خلالها وجعها والتي يتماهى الجمهور مع شخصياتها، فيجد فيها أمه أو أخته أو حتى نفسه.” أما عن مسرحية “شو منلبس “, فقالت إنها مسرحية سياسية تحاكي معاناة عائلة جنوبية تبحث عن هويتها. مشيرة إلى أن المسرحية التي كُتبت ما قبل الحرب، لكنها تبدو وكأنها كُتبت اليوم، لأن التاريخ يعيد نفسه ،مشيدة بالقالب الكوميدي للمسرحيتين،لانهما تحملان مزيجًا من الضحك والبكاء. الجمهور يبكي من الضحك ويضحك من البكاء، وهو ما يجعل هذه الأعمال قريبة جدًا من القلوب.”
وعن تأثير عروضها على الجمهور، قالت ريحان: “لم يمرّ عرض دون أن يترك أثرًا في قلوب الناس وعقولهم. كل عرض أشعر وكأنه الأول،وعلى الرغم من أن مسرحية ‘مجدرة حمرا’ تُعرض منذ خمس سنوات فالجمهور دائمًا كريم معي، وهذا يحملني مسؤولية أكبر. المسرحية صُنعت بكل حب وغضب، والكل أشاد باحترامها لعقل المتلقي. نحن لم نأتِ لنُضحك فقط، بل لنقدم رسائل عميقة.”
وعما يعني لها حصولها على أفضل جائزة عن دورها في مسرحية مجدرة حمرا قالت انجو “أنا كل يوم أحصد جائزة، بمجرّد أن أقدّم العمل وأسمع التصفيق بلحظتها. ولكن بالتأكيد الجائزة جعلتني أشعر بالفرح، خاصة أنها من لبنان وأساتذتي كانوا هم أعضاء لجنة التحكيم”.
واختتمت ريحان حديثها بالقول: “اليوم، أعيش تجربة جديدة مع لبنانيين تركوا بلدهم واستقروا في كندا. أتمنى أن أكون قادرة على إيصال صوت لبنان ونبضه إليهم، وأن أترك بصمة من خلال هذه العروض.”