أخبار دولية
الصين.. ماذا تعني زيادة الإنفاق الدفاعي بالنسبة للاقتصاد؟
يعكس النمو المتتالي بميزانية الدفاع في الصين اتساع الفجوة بين التنمية العسكرية والاقتصادية بالبلاد، وذلك في ضوء تنامي التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها بكين، لا سيما في ضوء التوتر المتزايد في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.
تكشف مسودة الميزانية المركزية والميزانيات المحلية المقدمة إلى الدورة الجارية للهيئة التشريعية الوطنية الصينية، الأحد، عن نمو الإنفاق العسكري لبكين في عام 2023 بأسرع وتيرة في أربع سنوات، وبما يتجاوز فئات الإنفاق الأخرى، مثل التعليم والضمان الاجتماعي والبحث العلمي.
2 بالمئة نسبة الزيادة بنفقات الدفاع خلال العام الجاري
تمثل نفقات الدفاع المدرجة في الميزانية للعام الجاري 5.7 بالمئة من إجمالي الإنفاق الحكومي (وهي الزيادة السنوية الثالثة في تلك الحصة بعد أكثر من 20 عاماً من الخفض المستمر)
تخطط بكين لإيصال الإنفاق الدفاعي إلى نحو 224.79 مليار دولار أميركي خلال العام الجاري.
وطبقاً لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإن “ميزانية الدفاع الصينية الجديدة تشير إلى اتساع الفجوة بين التنمية العسكرية والاقتصادية”، وذكر التقرير أيضاً أن:
زيادة الإنفاق الدفاعي تعكس اتجاهاً استمر لأكثر من عقدين من الزمن، حيث تراجعت زيادة القدرات الدفاعية عن النمو الاقتصادي.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشعر فيه قيادة الحزب الشيوعي بالقلق من العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، وعدم إحراز تقدم في وضع تايوان تحت سيطرتها سلمياً، ومجموعة من الصراعات الدولية التي تعتبرها بكين تهديداً لمصالحها.
من جانبه، يشير الصحفي المتخصص في شؤون دول شرق آسيا، براتيك جاكهار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن الميزانية التي تكشف عن زيادة في نمو الإنفاق الدفاعي للصين بأسرع وتيرة منذ أربع سنوات خلال العام الجاري، إنما تعكس تركيز الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على الارتقاء بالقوات العسكرية الصينية على حساب النمو الاقتصادي.
ويتابع: “تحت قيادة الزعيم الحالي، قامت الصين بتحديث جيشها وإصلاحه بشكل كبير، وهو اتجاه سيستمر في المستقبل، في وقت يعد فيه التحول من سياسة النمو المرتفع بأي ثمن كسياسة متبعة منذ سنوات عدة، ازدادت حدتها في عهد الرئيس الصيني، والذي يتعامل مع توترات متزايدة مع الولايات المتحدة”.
ويلفت إلى أنه “في ظل القادة السابقين، تراجع الإنفاق الدفاعي خلفاً للنمو الاقتصادي، بينما يشير الارتفاع في ميزانية الدفاع وبمخصصات أكثر من ميزانية التعليم والضمان الاجتماعي، إلى مزيد من فك الارتباط بين التنمية العسكرية والاقتصادية للصين، فمن وجهة نظر بكين، هناك حاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وسط بيئة خارجية صعبة، وفي ضوء إدراك حجم التهديد الحالي”.
الزيادة المقترحة في الإنفاق الدفاعي للصين في عام 2023 تزيد بمقدار 2.2 نقطة عن هدف النمو الاقتصادي للحكومة بنسبة 5 بالمئة
وعلى الرغم من أن الإنفاق العسكري للصين لا يمثل سوى ثلث مستوى الولايات المتحدة، فقد نما خمسة أضعاف على مدى العقدين الماضيين، وفقاً لمركز الأبحاث الأميركي CSIS.
المتحدث باسم الدورة الأولى للمجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني، وانغ تشاو، برر في تصريحات صحفية، هذا النمو في الإنفاق الدفاعي، بـ “مواجهة التحديات الأمنية المعقدة، ولكي تفي الصين بمسؤولياتها كدولة كبرى”.
الاستجابة للتغيرات الجيوسياسية في العالم
وبعد عقود من إعطاء الأولوية للاقتصاد، “تعطي بكين الآن ببطء ولكن بثبات أولوية أكبر للأمن”، طبقاً لتحليل المحرر الفرنسي في مشروع China Global South Project، كريستيان جيرود بيامونغو، والذي يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ذلك التحوّل النسبي “لا يمكن وصفه بأنه يشكل تغييراً في النموذج الصيني في حد ذاته”.
ويشرح ذلك بقوله: “ستبقى التنمية أولوية، فهي ركيزة شرعية الحزب الشيوعي الصيني في البلاد.. بينما الأولوية المتزايدة المعطاة للأمن إنما تمثل استجابة للتغيرات الجيوسياسية في العالم، وذلك في ضوء التوتر القائم مع الولايات المتحدة، وكذلك الحرب في أوكرانيا، وقضية تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وتوسيع القواعد العسكرية في جنوب شرق آسيا، وجميعها عوامل دفعت إلى هذا التحول”.
وتدرك الصين أنها بحاجة إلى رفع مستوى استعدادها العسكري لمواجهة هذه التغييرات والتحديات السريعة، وبالتالي يتنامى الإنفاق على الدفاع على النحو الحالي.
وبموازاة ذلك، يلفت الخبير في الشؤون الصينية إلى أنه “كلما ارتفعت وتيرة المتغيرات الجيوسياسية، زاد التغيير الذي يجب أن يستمر (لجهة زيادة الإنفاق على الدفاع)، خاصة في اللحظة التي يركز فيها الرئيس الصيني على قوته الشخصية”.
لكن بيامونغو يوضح، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا لا تزال حقيقية وماثلة بالبلاد، والحكومة الصينية تدرك جيداً ضرورة معالجتها، مشدداً على أن “التنمية والأمن سوف يسيران جنباً إلى جنب.. كما أنه يُنظر إلى التهديد الجيوسياسي على أنه تهديد لتنمية الصين وسلامة أراضيها”.
لكن الخبير في شؤون الجيش الصيني في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، ميا نوينز، يقول في تصريحات نقلتها عنه صحيفة فايننشال تايمز البريطانية: “إذا زادت بيئة التهديد من منظور بكين أو بقيت كما هي، فسنرى ميزانية الدفاع والنمو ينفصلان إلى الأبد”.
لا يمكن الفصل بين الاقتصاد والدفاع
وإلى ذلك، يرى خبير الشؤون الآسيوية، الدكتور جلال رحيم، أنه “لا يمكن الفصل بين الاقتصاد والدفاع”، موضحاً في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن زيادة الإنفاق الدفاعي لن تكون على حساب النمو الاقتصادي في بكين؛ على أساس أن “قوة الجيش هي من قوة الاقتصاد وتنوعه”. ويستدل على ذلك بالوضع بالنسبة لروسيا التي “لولا اعتبارها من كبرى الدول المصدرة للطاقة لما كانت قادرة على الصمود بالحرب في أوكرانيا”.
ويضيف: “النمو الاقتصادي والعسكري يخدم كلاهما الآخر، فهما مترابطان بشدة بالنظر إلى النموذج الاقتصادي الصيني الذي يسميه الحزب الشيوعي (الاشتراكية بخصائص صينية)”، مشيراً إلى أن تلك الزيادة المستمرة بميزانية الدفاع في الصين (والتي لا تمثل سوى ثلث الميزانية الأميركية المخصصة للدفاع) يُبررها الصينيون رسمياً بالتحديات الأمنية التي تواجه بكين، وهو ما أكده رئيس الوزراء المنتهية ولايته في خطابه الأخير، والذي دعا إلى تكثيف تدريب الجيش لمواجهة ما وصفه بالتهديد الأميركي في تايوان.
ويتابع رحيم قائلاً: “هذه الزيادة بميزانية الدفاع وبالنظر كذلك إلى اختيار رئيس وزراء جديد مقرب جداً من الرئيس الصيني تعكس التركيز على السياسات الداخلية، ومنها بالتأكيد كأولوية للسياسات والبرامج الاقتصادية التي ينوي الرئيس الصيني تنفيذها في عهدته الثالثة بعد ما فعلته جائحة كورونا في الاقتصاد الصيني”.
وفي السياق، يعتقد خبير الشؤون الآسيوية في الوقت نفسه بأن الإنفاق الدفاعي وزيادته على ذلك النحو يدل كذلك على أن ثمة تقديرات لدى الجانب الصيني وحسابات استراتيجية تتعلق بتاريخ المواجهة العسكرية مع تايوان، مردفاً: “التقديرات كانت تشير لاحتمالية نشوب تلك المواجهة بعد انتهاء برنامج تطوير الجيش الصيني في 2027، لكن ربما تكون المواجهة في وقت أقرب من ذلك بنهاية العام المقبل أو بداية 2025 ويرتبط ذلك بنتائج الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة العام القادم، والانتخابات في تايوان في العام الذي يليه”.