صحة

لماذا تكون المقاومة شائعة في المضادات الحيوية، ونادرة في اللقاحات؟

كتب سامي خليفة

أصبحت مقاومة المضادات الحيوية مشكلة عالمية حتّمت التحدث عن خطر جسيم يتمثل بأن تصبح العدوى الشائعة غير قابلة للعلاج قريبًا. وفي الوقت عينه، لا تزال اللقاحات التي تم تطويرها منذ ما يقرب من قرن من الزمن تحمينا من الأمراض الفتاكة. فما الذي يفسر هذا الاختلاف؟

مقاومة المضادات الحيوية

 لا بد لنا  من أن نشير أولاً أن مقاومة المضادات الحيوية آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم ولكنّها لا تُعتبر ظاهرة جديدة. إن ألقينا نظرةً على تاريخ اكتشاف المضادات الحيوية، نجد أن أول حالة مقاومة لمضاد حيوي حصلت منذ حوالي مئة عام. وقد استغرق الأمر ست سنوات فحسب حتى انتشرت مقاومة البنسلين، أول مضاد حيوي، في المستشفيات البريطانية.

من ناحيةٍ ثانية، لم تحدث المقاومة ضد اللقاحات إلاّ نادرًا. وقد ساعدتنا اللقاحات في القضاء على الجدري ونأمل في القريب العاجل أن تساعدنا في القضاء على شلل الأطفال. لذلك، من المهم القول أن المقاومة تحصل عندما تجد البكتيريا في أجسامنا طرقًا للبقاء على قيد الحياة ولمقاومة المضادات الحيوية الجديدة – وهي عملية طبيعية ولا يمكن تجنبها. ويتجسّد السبب الكامن خلف تنامي هذه المسألة في قيام هذه البكتيريا على مر الوقت بتطوير المقاومة وتشارك آليات المقاومة الخاصة بها مع بعضها البعض، ما يعزّز بالتالي هذه الظاهرة. وبشكل عمليّ، يعني ما سبق أنه يصبح أشد صعوبةً على الأطبّاء إيجاد خيارات علاجية فعّالة من المضادات الحيوية المتوفرة.

مقارنة بين عمل اللقاحات والمضادات الحيوية

 تعمل اللقاحات عن طريق تعريض الجهاز المناعي لأجزاء من الفيروس أو البكتيريا، حتى يتمكن من تعلم كيفية حماية الجسم من تلك الجراثيم. ثم يقع تصنيع هذه اللقاحات عن طريق زراعة أو توليد أجزاء من الجراثيم، والتي غالبًا ما يقع إضعافها أو جعلها غير نشطة لتعريض الجسم لهذا الفيروس أو البكتيريا بأمان وفعالية. كما أنها تحفز إنتاج خلايا دم بيضاء معينة تُسمى “الخلايا التائية”، والتي يمكنها تدمير الخلايا المصابة وتساعد في إنتاج الأجسام المضادة.

لجعل جهاز المناعة يتفاعل حتى يتمكن من تعلم كيفية حماية الجسم من فيروس، تستخدم اللقاحات فيروسات ضعيفة أو ميتة أو أجزاء منها. ولصنع هذه اللقاحات، يقع خلق نسخة ضعيفة أو غير نشطة من الفيروس غير قادرة على إصابة الإنسان بالمرض، ولكن قادرة على تحفيز الجسم لتنشيط رد فعل مناعي يخلق أجسامًا مضادة للفيروس.

وللمقارنة، فإن الأدوية، مثل المضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات، عادةً ما تكون جزيئات صغيرة تثبط إنزيمًا أو بروتينًا معينًا، والذي بدونه لا يستطيع العامل الممرض البقاء على قيد الحياة أو التكاثر. نتيجةً لذلك، تتطلب مقاومة الأدوية عادةً تحوير في موقع واحد فحسب.

تتسبّب عوامل عدّة بظهور مقاومة المضادات الحيوية. في حين يشكّل الاستخدام غير المنظّم للمضادات الحيوية بدون وصفة طبيّة أحد العوامل، تبرز عوامل متعدّدة أخرى منها على سبيل الذكر لا الحصر الممارسات غير السليمة لمكافحة العدوى، والوصف العشوائي للعقاقير، وإمدادات المضادات الحيوية ذات النوعية الرديئة، والافتقار إلى أدوات التشخيص والمراقبة المناسبة، والتوعية غير الكافية للمرضى من قبل الأطبّاء.

ونشير هنا أنه مع الأدوية، يمكن تقليل احتمالية المقاومة من خلال استخدام العديد منها في نفس الوقت، وهي استراتيجية تُسمى “العلاج المرّكب”، والتي تُستخدم لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية والسل. وهكذا يمكنك التفكير في أن الأجسام المضادة في جسمك تعمل كعلاج مركب معقد بشكل كبير، مع مئات الأدوية المختلفة قليلاً، ما يقلل من فرصة تطور المقاومة.

مسببات الأمراض

 الفرق الرئيس الآخر بين المضادات الحيوية واللقاحات هو توقيت استخدامها وعدد مسببات الأمراض الموجودة حولها. تُستخدم المضادات الحيوية لعلاج عدوى موجودة بالفعل عندما تكون الملايين من مسببات الأمراض موجودة في الجسم. بينما تُستخدم اللقاحات للوقاية. ويمكن للأجسام المضادة التي يصنعونها أن تعمل في بداية العدوى عندما تكون أعداد العوامل الممرضة منخفضة. هذا له عواقب مهمة، حيث أن المقاومة هي لعبة أرقام. إذ من غير المحتمل أن تحدث طفرة مقاومة أثناء تكاثر عدد قليل من مسببات الأمراض، ولكن تزداد فرص حدوثها مع وجود المزيد من مسببات الأمراض.

لكن، هذا لا يعني أن مقاومة اللقاحات لا تتطور أبدًا، وخير مثال على ذلك هو الإنفلونزا. فبفضل معدل الطفرات العالية، يمكن لفيروس الإنفلونزا أن يراكم بسرعة طفرات كافية بحيث لا تتعرف عليها الأجسام المضادة، وهي عملية تُسمى “الانجراف المستضدي”، وتفسر سبب وجوب تغيير لقاح الإنفلونزا كل عام.

الحذر واجب!

 إذاً، ماذا يخبرنا هذا عن لقاحات كوفيد-19؟ وهل يجب أن نقلق من أن تفقد اللقاحات الجديدة فعاليتها؟…. لحسن الحظ، فإن فيروس كورونا المستجد لديه آلية إثبات القراءة التي تقلل من الأخطاء التي يرتكبها عند تكرار جينومه، ويعني حدوث الطفرات بشكل أقل بكثير من فيروسات الإنفلونزا.

وسَبق أن أكد مصنعو اللقاحات بما فيهم “أسترازينيكا”و “فايزر”، بأن لقاحاتهم يمكن أن تحفز بفعالية الأجسام المضادة المرتبطة بحلقات متعددة، ما يؤدي إلى إبطاء تطور المقاومة.

رغم ذلك، لا يزال يتعين علينا توخي الحذر. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الأرقام مهمة عندما يتعلق الأمر بالمقاومة. وكلما زاد عدد الفيروسات الموجودة، كما هو الحال في الجائحة سريعة النمو، زادت احتمالية إصابة الشخص وتطور الطفرات التي تؤدي إلى تأثير كبير على فعالية اللقاح. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون من الضروري إصدار نسخة جديدة من اللقاح لإنشاء أجسام مضادة ضد هذه الفيروسات المتحولة. وهذا هو الدافع لمحاولة إبقاء أعداد العدوى منخفضة من خلال الوقاية وتتبع الاتصال للحفاظ على عمل اللقاحات لأطول فترة ممكنة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى