علوم وتكنولوجيا

تمتد لما بعد 2040.. ما هي خفايا صفقة ARM مع صانعة الآيفون؟

تعتبر شركة آبل واحدة من أكثر الشركات تأثيراً في السوق في العصر الحالي، فأي خطوة جريئة تقوم الشركة بها في العالم التقني، يمكن أن تصل انعكاساتها إلى حد إحداث تغيير كامل في السوق.
ومؤخراً قامت الشركة بخطوة جريئة جديدة، من شأنها أن تحدث فارقاً في عالم تصميم المعالجات، لصالح شركة ARM البريطانية الأصل، والتي انتقلت ملكيتها لمجموعة سوفت بنك اليابانية.
ففي خطوة نادرة من حيث مدة الصفقة، كشفت شركة تصميم الرقائق الإلكترونية ARM، أن آبل أبرمت معها صفقة تمتد لما بعد عام 2040، ما يتيح لصانعة الأيفون الوصول لأحدث التقنيات والتصاميم، في عالم الرقائق واستخدامها في مختلف منتجاتها.
وتكمن المفارقة في أن الإفصاح عن هذه الصفقة، أتى من خلال الملف الذي قدمته شركة ARM للجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية، وذلك في ظل التحضيرات التي تقوم بها الشركة، للظهور ولأول مرة في بورصة ناسداك خلال الأسابيع المقبلة، بتقييم إجمالي قد يصل إلى 52 مليار دولار، وهو ما سيكون أكبر طرح عام أولي للتكنولوجيا في عام 2023.
ولم تكشف الشركتان أي تفاصيل إضافية أخرى حول قيمة الصفقة، التي أعطت دفعة من الثقة لصالح شركة ARM، إذ أظهرت أن واحداً من أهم شركائها، سيستمر في استخدام التكنولوجيا التي تنتجها الشركة لسنوات طويلة، ما يبدد بعض المخاوف من أن التغيير في الهيكل الإداري لـ ARM بعد طرحها في بورصة ناسداك، قد يدفع بعض عملائها إلى البحث عن بدائل لها.
من هي ARM؟
تأسست ARM البريطانية في عام 1990، وهي شركة تقوم بتصميم وهندسة الرقائق والمعالجات وليس تصنيعها، حيث تقوم ببيع تراخيص استخدام تصاميمها، لعدد ضخم من الشركات أبرزهم كوالكوم، سامسونغ، أبل، ميدياتك، غوغل، والمئات من الشركات الأخرى.
ونجحت ARM من خلال تصاميمها المتطورة، في تقديم وحدات معالجة، تتيح للأجهزة التي تستخدمها تقديم أداء أكثر من رائع، مع إمكانية الحفاظ على الطاقة بصورة ممتازة، وهذا ما ساهم في جعل تصاميم ARM الخيار الأول لمصنعي الهواتف الذكية، والأجهزة المحمولة وأجهزة الكومبيوتر المكتبي والمحمول.
وفي عام 2016 تم بيع شركة ARM البريطانية، إلى مجموعة سوفت بنك اليابانية، في صفقة وصلت قيمتها إلى 33.3 مليار دولار، ما أحدث غضباً في صفوف بعض المراقبين البريطانيين، الذين اعتبروا أن لندن، ومن خلال هذه الصفقة سلّمت جواهر التاج البريطاني إلى مستثمر خارجي.
وتمتلك ARM حقوق الملكية الفكرية، لتصماميم الرقائق الإلكترونية المستخدمة في معظم الهواتف الذكية في العالم، كما أن تقنيات الشركة، تُستخدم في أكثر من 90 بالمئة من الأجهزة المحمولة في العالم.
ARM تحكم العالم التقني
وقالت ARM في في تصريحها للجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية، إن 250 مليار شريحة موجودة في العالم، تستخدم تصاميم الشركة حتى الوقت الراهن، وهذا يعني أن الشركة، ومن خلال تصاميمها وهندساتها الموجودة داخل معالجات الأجهزة الإلكترونية، تحكم العالم التقني بشكل خفي، ودون أن يدرك الكثيرون أنها السبب الرئيسي، في الأداء المتقدم الذي توفره الأجهزة الموجودة بين أيديهم.
وما الدليل على القوة التي تتمتع بها ARM في عالم تصميم وهندسة المعالجات، إلا ما حدث عندما حاولت إنفيديا الإستحواذ على الشركة، ففي سبتمبر من عام 2020 أعلنت إنفيديا عن عرض قيمته 40 مليار دولار للاستحواذ على ARM، الأمر الذي استدعى تدخل 3 دول عظمى هي بريطانيا، الولايات المتحدة والصين لعرقلة هذه الصفقة بحجة أن إنفيديا ستحصل على قدر كبير من السيطرة على تصميمات الرقائق، التي تستخدمها أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، ما سيقضي على المنافسة تماماً في هذا المجال.
وبالفعل ومع بداية عام 2022 وبعد محاولات إستمرت لأكثر من عامين، أعلنت إنفيديا تخليها عن خطتها لشراء ARM، لتقوم الأخيرة بالتحول ومنذ ذلك الحين، إلى فكرة طرح أسهمها للإكتتاب العام في بورصة ناسداك.
وكانت ARM قد أعلنت أنها حققت دخلاً صافياً، بقيمة 524 مليون دولار، مقابل إيرادات بحجم 2.68 مليار دولار في عامها المالي المنصرم المنتهي في مارس 2023، مقارنة بإيرادات حجمها 2.7 مليار دولار في العالم المالي المنتهي في مارس 2022.
وعادة ما تتقاضى ARM التي يعمل بها نحو 6000 موظف، رسوماً عن كل شريحة يتم شحنها وتستخدم تقنيتها، إذ كشفت الشركة أن تقنياتها تم تضمينها في أكثر من 30 مليار شريحة، تم شحنها في السنة المالية المنتهية في مارس 2023.
دور تفضيلي لآبل
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “تكنولوجيا” مازن الدكاش، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هذه الصفقة الضخمة، تكتنز العديد من الأسرار، فرغم أن أي من الطرفين لم يكشف عن قيمتها، إلا أنها بالتأكيد تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، وذلك كونها تمتد لفترة زمنية طويلة، تتجاوز الـ 15 عاماً، معتبراً أن آبل لا تدخل في شراكة مع أي جهة، إلا بعد تأكدها من أن الأمور ستكون لمصلحتها، في حين ستعزز هذه الإتفاقية الثقة بالدور المستقبلي الذي ينتظر ARM في صناعة الرقائق الإلكترونية.
ويضيف الدكاش إن مكاسب آبل من هذه الإتفاقية، قد تتمثل بالدور التفضيلي الذي ستتمتع به، لناحية الحصول على أحدث تقنيات وتصاميم ARM قبل حصول المنافسين عليها، ما يمنح منتجات الشركة الأميركية، تقدماً مقارنة بغيرها من الأجهزة، مشدداً على أن آبل تُصر ومنذ عام 2020، على التعامل بشكل كبير مع ARM على اعتبار أن تصاميمها للمعالجات، تمنح الأجهزة أداء ممتازاً وموفراً للطاقة، وهذا ما دفع بصانعة الأيفون إلى التخلي عن تعاملها مع شركة إنتل، ووضع ثقتها كاملة بـ ARM.
ويرى الدكاش أن هذه الصفقة الضخمة، ستزيد من أهمية الشركة، التي تطمع العديد من الأطراف في العالم للسيطرة عليها، فما لا يدركه البعض، أن منع أي طرف أو شركة في العالم من استخدام تقنيات ARM، سيؤدي إلى فشل هذه الشركات، خاصة إذا كنا نتكلم عن صناعة الهواتف، إذ لا يوجد أي طرف قادر على تقديم تقنيات، توازي ما تقدمه الشركة في هذا المجال، معتبراً أن الشركة تقود العالم التقني، خاصة في مجال تصاميم معالجات الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية وأجهزة الكومبيوتر والساعات الذكية، حيث أنه من هنا يمكن فهم سبب إصرار الجهات الرقابية في أوروبا وأميركا والصين، على منع إنفيديا من الاستحواذ على ARM ومنع ولادة تكتل لا يمكن لأحد منافسته.
وكشف الدكاش أن آبل ومن خلال الصفقة الجديدة، يمكن أن تكون قد ضمنت الوصول إلى جزء أساسي من الملكية الفكرية لتصاميم ARM، في وقت تحاول فيه الشركة الأميركية حصر جميع التقنيات المستخدمة في منتجاتها تحت سلطتها، مع ضمان عدم تسريبها أو صولها إلى أيدي الأطراف المنافسة لها، لافتاً إلى أن التعاون الطويل الأمد بين ARM وأبل، لن ينحصر فقط بالهواتف والحواسيب والساعات، بل قد يمتد ليشمل أيضاً تكنولوجيات تتعلق بالسيارات الذكية.
من جهته يقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الكشف عن صفقة آبل وARM بهذا التوقيت، هدفه بالتأكيد تعزيز إقبال المستثمرين على أسهم ARM عند طرحها في بورصة ناسداك، فمجموعة سوفت بنك اليابانية، تهدف إلى جمع ما يصل حتى 10 مليارات دولار عبر إدراج ARM في سوق الأسهم، ما من شأنه أن يعطي دفعاً كبيراً للشركة، في وقت يتدفق فيه المستثمرون على الجيل التالي من أشباه الموصلات، بسبب الطلب الذي يحفزه الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وكشف سعد الدين أن اهتمام شركات التقنية بالاستثمار والتعاون مع إيه آر إم، لا يقتصر على آبل التي يبدو أنها استبقت الجميع بخطوة التعاون طويل الأمد، حيث تبدي شركات مثل غوغل وإنفيديا وسامسونغ وAMD وTSMC، اهتمامها بشراء بعض أسهم ARM كجزء من الطرح العام الأولي للشركة، وبما يمنح تلك الشركات حصة في ملكية ARM ويجعلهم من المستثمرين الأساسيين في الشركة، لافتاً إلى وجود معلومات تتحدث عن نية شركتي سامسونغ و TSMC، شراء أسهم بـ ARM بقيمة يصل إلى 735 مليون دولار ً.
التحول إلى مستثمر ملك
وبحسب سعد الدين فإن العلاقة التي تجمع آبل و ARM، هي علاقة عمرها سنوات طويلة، ولكن لم تكن بالقوة التي باتت عليها اليوم، مشيراً إلى أن الخلطة السرية للصفقة التي جمعت الطرفان قد لا تنحصر بوصول وانتفاع آبل من قدرات وإمكانيات ARM الهندسية المتطورة، بل باحتمال تحول صانعة الأيفون في وقت لاحق إلى “مستثمر ملك” في صناعة الرقائق الالكترونية المتطورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى