أخبار لبنان

إنذار الدورة: احتقان أزمة النازحين ينفجر صداماً بين لبنانيين وسوريين

تطور التوتر المتزايد على خلفية أزمة النزوح السوري في لبنان، إلى صدام بين اللبنانيين والسوريين في جبل لبنان وشمال البلاد مساء الخميس، وسط إجراءات رسمية للحد من الأزمة وتداعياتها، وتدابير أمنية وتدخلات سريعة منعاً لأن تتحول النقمة الناتجة عن أزمة النزوح أخيراً، إلى جولات عنف متفرقة. وتصاعدت الحملات على السوريين في الفترة الأخيرة، على خلفية تدفق موجات جديدة من النازحين السوريين القادمين إلى لبنان هرباً من الأزمة الاقتصادية في بلادهم، ما رفع المخاوف اللبنانية التي دفعت شخصيات سياسية للتحذير من «خطر وجودي»، ودفع الحكومة لاتخاذ إجراءات إدارية وأمنية، وصلت ذروتها يوم الخميس إلى البقاع في شرق لبنان، حيث أقفلت السلطات أكثر من مائة مؤسسة يديرها سوريون بطريقة غير قانونية.

ويرى لبنانيون أن السوريين يزاحمونهم على سوق العمل وعلى الخدمات الأساسية التي باتت غير متوفرة بالكامل بعد الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت لبنان، وذلك في ظل وجود أكثر من مليوني سوري في لبنان، حسب ما تقول السلطات، بينهم 1.5 مليون نازح.

وانفجر الاحتقان مساء الخميس في اشتباكين وقعا بين الطرفين. ففي منطقة الدورة في جبل لبنان، التي تستضيف آلاف النازحين والعمال السوريين، وقع خلاف بالقرب من كنيسة مار مارون (شمال بيروت)، سرعان ما تطور إلى إطلاق الدعوات عبر مكبرات الصوت لأبناء المنطقة للتجمع، وللمطالبة بإخراج النازحين والعمال القاطنين في مبنى، من المنطقة.

وقالت مصادر من المنطقة لـ«الشرق الأوسط» إن المشكلة وقعت على مراحل، وبدأت يوم الأربعاء بين شاب سوري وفتاة لبنانية إثر حادث سير، قبل أن يتهجم السوري على لبناني تدخل في الخلاف، ويستدعي زملاءه من عمال سوريين موجودين في المنطقة، ما دفع اللبنانيين للتجمهر أمام معمل الخياطة الذي يعمل فيه السوريون، وفرضوا عليهم البقاء في منازلهم، قبل وصول دورية من الجيش اللبناني أخرجتهم من المكان وأخلت السكن من السوريين.

وقالت المصادر إن التوتر «لا يزال قائماً في المنطقة»، مشيرة إلى «احتقان ورفض في صفوف اللبنانيين، لوجود السوريين في المنطقة». وقالت إنه لا ضمانات بعدم تكرار المواجهات عند أي حادثة، رغم أن الجيش اللبناني أجرى تدخلاً سريعاً لإنهاء التوتر وسحب مسبباته.

وفي الشمال، تحدثت معلومات صحافية عن خلاف وقع مساء الخميس في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين، بين مجموعة من الشبان السوريين ومجموعة أخرى مؤلفة من لبنانيين وفلسطينيين، على خلفية شتائم بين الطرفين، تطورت إلى اشتباك أسفر عن وقوع جريحين.

مخاوف أمنية

ولا يبدو أن تدخل الجيش والقوى الأمنية بشكل سريع للحد من الخلافات وتطويقها ومنعها من التفاقم، يبدد المخاوف من تكرارها. وتقول مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن المخاوف «لا تزال قائمة، كون بذور المشكلة موجودة»، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أن العدد الكبير للسوريين «ينتج عنه اختلاط واسع مع اللبنانيين، وذلك يضاعف مسببات المشكلات، فضلاً عن أن بعضهم عنده خلفيات وسوابق، وهو ما يزيد التشنج».

أما على الضفة اللبنانية، فإن «شعور اللبنانيين بأن السوريين يزاحمونهم على فرص العمل والخدمات، ويأخذون من دربهم في بعض القطاعات، ويرون أن السوريين لا يدفعون الضرائب، فذلك سبب إضافي للاحتقان والتوتر، وتنتج عنه حوادث من هذا النوع». وقالت المصادر إن المخاوف من تجدد المواجهات «قابلة للازدياد»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الجيش اللبناني «يتدخل بشكل سريع لمعالجة المشكلات والتوترات والحد منها».

تحريض

وينظر «الحزب التقدمي الاشتراكي» إلى المشكلة من منظار آخر، وقالت كتلة «اللقاء الديمقراطي» في بيان إن «أزمة النزوح السوري في لبنان تحوّلت بفعل الإهمال الرسمي، والشعبوية السياسية، والتحريض العنصري، إلى واقع خطير»، داعية إلى «وقف كل موجات التحريض، لدرء مخاطرها على الأمن الداخلي، ووقف كل نظريات الاستغلال السياسي الغريبة التي طرحها البعض تحت مسمى تصدير النازحين».

وقالت في بيان: «على الحكومة الاجتماع فوراً واعتماد سياسة رسمية واضحة وتنفيذها، عبر إجراء مسح كامل للمواطنين السوريين والتمييز بين العمال واللاجئين، وتحديد سبل التعاون مع المؤسسات الدولية ذات الصلة، ومنح الجيش والقوى الأمنية الدعم اللازم في سياق مهماتهم في هذا المجال».

وأضاف البيان أن «اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي كانا أول من طالب منذ أواخر 2011 بضرورة تعامل الدولة بشكل منظم مع النزوح السوري، وإقامة مخيمات محددة، وضبط آليات تعامل المؤسسات الدولية مع هذه المخيمات، وحصر التداعيات في نطاق المخيمات وحدها. لكن الشعبويين أنفسهم رفضوا آنذاك تحت ذريعة أن إقامة المخيمات تمهيد للتوطين، وها هم اليوم يستخدمون الذريعة نفسها».

ولفتت إلى أن «على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين القيام بدورها كاملاً في ملف التعامل مع النازحين السوريين دون أي تقصير، وتأمين التمويل اللازم بكل السبل المتاحة لدعم هؤلاء بالتوازي مع دعم المجتمع اللبناني المضيف».

وغداة هذا الصدام الذي بالكاد تمكن الجيش من احتوائه قبل ان يتمدد الى مناطق متنية أخرى، ويتفجر امس ايضا بمواجهة ليلية مع سوريين في منطقة السبتية، بدا المشهد الداخلي برمته على قدر كبير من الاضطراب الأمني والسياسي والإعلامي الذي اثاره ملف النزوح السوري وسط تراجع كل الأولويات الأخرى امام تقدم القلق من اضطرابات مماثلة لحادث الدورة خصوصا بعدما أفادت المعلومات ان الجيش أوقف امس الجمعة ٢٧ سورياً في الدورة إثر الاشكال. كما ان الوجه الاخر المثير للاضطراب تمثل في تجدد عمليات الهجرة غير الشرعية من خلال احباط الجيش عملية تهريب مركب هجرة غير شرعي على متنه 124 سوريا، مقابل جزيرة الرامكين، وهي ثالث محمية تابعة للجزر المعروفة بجزيرة الأرانب. وقد استغاث الركاب بالجيش اللبناني بعدما كاد المركب يغرق وعملت فرق الصليب الاحمر اللبناني على انقاذ واسعاف الركاب مع العلم أن ليس هناك أي إصابة.

ووسط الاحتدام الداخلي نقلت “النهار” عن مسوؤل رفيع في الرئاسة الفرنسية ردا على سؤال “النهار” حول اتهام القيادات اللبنانية للغرب انه يريد بقاء اللاجئين في لبنان وانه ايضا عبء تكلم عنه العاهل الاردني “ان هذا الموضوع بالغ الاهمية ونحن لا نتجاهله. والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيشارك في ترؤس منتدى عالمي حول اللاجئين في جنيف في ١٣ كانون الاول وسيعطي انتباها خاصا لمشكلة اللاجئين السوريين. ونعتبر انه ينبغي ايجاد وسائل براغماتية للتمكن من تنظيم عودة اللاجئين السوريين بشروط امنية يجب ضمانها. نعمل لهذا الهدف مع المفوضية العليا للاجئين. فمثلا يجب ان نعمل لعودة اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان الى منطقة حمص التي تقع على بعد ٥٠ كيلومترا من المكان الموجودين فيه منذ عشر سنوات وذلك يتطلب اعطاء النظام السوري ضمانات للامم المتحدة لاعادة اعمار منازل هؤلاء اللاجئين. حتى الآن ليس هناك جواب حول الموضوع من النظام السوري ونعتقد ان الاخير لا يرى مصلحة في اعادتهم. لكن رغم ذلك ونظرا للعبء لهذه المشكلة على لبنان والاردن يجب دفع حركة العودة عبر توفير كل الشروط الضرورية لعودتهم. فليس هناك حل مفصل لهذه المشكلة” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى