ثقافة وفنون

من امرأة تعيش على الهامش إلى إمبراطورة الكوكايين.. صوفيا فيرغارا تتألق في “غريزيلدا”

“الرجل الوحيد الذي خشيته، كان امرأة تُدعى غريزيلدا بلانكو”، بابلو اسكوبار. هكذا يبدأ مسلسل “غريزلدا” (Griselda) الذي أخرجه أندريس بايز وشارك بكتابته فريق عمل مسلسل “ناركوس” (Narcos)، مما منح غريزلدا شعبية كبيرة قبل طرحه آخر يناير/كانون الثاني الماضي عبر منصة “نتفليكس” وضمن له التربّع على عرش الدراما الأكثر مشاهدة حتى الآن.

يبدأ مسلسل “غريزلدا” في لحظة فوضى عارمة من حياة بطلته، المرأة التي عملت بالجريمة لسنوات وشاركت زوجها حياة المخدرات والعصابات قبل أن تُقرر قتله والهروب مع أولادها الثلاثة من كولومبيا إلى ميامي الأميركية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

 

وفي ميامي، تلجأ إلى صديقة قديمة تركت حياتها التعيسة خلفها، وتحاول غريزلدا أن تبدأ حياة جديدة بعيدة عن ماضيها الإجرامي، فتعمل موظفة استقبال، لكنها تقرر في الوقت ذاته بيع كيلوغرام من الكوكايين نجحت بتهريبه لتأمين حياة أفضل لأولادها، لكن الأمور لا تسير وفقا لمخططاتها، وإنما تتعرقل وتتأزم، ومن سقطة للطمة لإهانة، تعود غريزلدا للحياة التي تعرفها، حيث الجريمة والمخدرات.

النسوية لتبرير العنف

رغم أن العمل بالأساس عن مافيا المخدرات وغريزلدا التي حملت لقب “الأرملة السوداء” لأنها قتلت أزواجها الثلاثة، وكانت مسؤولة -وفقا لتقارير الشرطة- عن ما يقارب 200 جريمة قتل، فإن هذا كله ربما لم يكن يبدأ لولا ما عانته من تحقير وتهميش، بحسب رواية صانعي المسلسل.

“في كل غرفة أدخلها أنا مجرد امرأة” هكذا تقول غريزلدا خلال الحلقات، فهي طالما لاقت معاملة سيئة كونها امرأة، لم يأخذها أحد بجدية، أو يقبلها داخل عالم الجريمة، مما استفزها ودفعها للانتقام وإثبات نفسها والأهم جعل كل من استهان بها يدفع الثمن.

ومن جريمة لأخرى، تحولت غريزلدا إلى وحش لا يعرف الرحمة إلا مع أطفالها أو حين تتعامل كأم مع الآخرين، وهو ما أبرز جانبا إنسانيا هشا لديها، وحدهن الأمهات ذوات القلوب الضعيفة تجاه صغارهن يعرفنه.

تأكيدا على أن ما جرى مع غريزلدا كان اتجاها عاما نحو المرأة، تكرر الأمر مع المحققة جون التي تعمل لصالح شرطة ميامي، إذ اعتاد زملاؤها السخرية منها وتقليص دورها لإشباع غرورهم أو مداراة نقص لديهم أو كنوع من الفكاهة.

وتماما مثل غريزلدا، حاربت جون الصورة النمطية عنها، وجاهدت واجتهدت وكان لها الفضل في الإيقاع بالمجرمة الكولومبية صاحبة الإمبراطورية العملاقة. ومع أن الاثنين حققا ما كانتا تسعيان إليه، فإنها لم تجد السعادة مع أي منهما في طريقها.

فكلتا السيدتين تحطمتا تماما بسبب المنظومة المحيطة بهما، وإن كان غرور غريزلدا ونفوذها زادا من دمارها وخسارتها كل شيء، ليس فقط أموالها وتجارتها، بل أولادها.

 

قد يبدو المسلسل نسويا -وهو ما تعمده صانعو المسلسل بقدر- ليس فقط لأنه التيار الرائج حاليا، بل لأنه يجسد حال كثير من النساء في المجتمعات الغربية بالسبعينيات عموما، وفي عالم المخدرات خصوصا، حيث هيمنت السيطرة الذكورية على المشهد.

وبحسب تصريحات صانعي مسلسل “غريزلدا”، فإنهم حرصوا أيضا على تقديم رسالتهم الكلاسيكية حول دراما المخدرات التي تتضمن الصعود التدريجي ثم النجاح الأعظم يليهم انهيار كارثي مدوّي.

“لست مجرد امرأة جميلة”

عرف الجمهور الممثلة الكولومبية صوفيا فيرغارا طوال 11 عاما ممثلة كوميدية عبر مشاركتها ببطولة مسلسل “مودرن فاميلي” (Modern Family) الذي أظهرها كامرأة جميلة سطحية. وبالنظر للمسألة عن كثب، ندرك أن هوليود هي الأخرى تعاملت بسطحية وذكورية مع فيرغارا طوال مسيرتها، وحصرتها عمدا بدور المثيرة الخرقاء، ومثل غريزلدا تمردت على الصورة النمطية، وقررت تقديم أفضل أدوارها الفنية، والذي سترشح عنه قطعا لأهم الجوائز إن لم تكن ستفوز بها.

بذلت فيرغارا قصارى جهدها لتقمص الشخصية، بدّلت صوتها وطريقة مشيتها، ركّبت أنفا اصطناعيا وأسنانا صفراء مع كثير من المكياج الذي غيّر ملامحها. ومع أنها بدت بعيدة تماما عن الملامح الشكلية لغريزلدا التي لم تكن بذاك القبح، لكن يبدو أنها أرادت للجمهور نسيان أنهم أمام امرأة جذابة، ولا يرون منها سوى زعيمة مافيا الكوكايين.

برعت فيرغارا بالأداء التمثيلي، وأمسكت تلابيب الشخصية بمختلف حالاتها ومراحلها العمرية، ومع ذلك حين سئلت عن السر وراء اختيار صانعي العمل لها للدور، أرجعت ذلك لكونها كولومبية. أما إجادتها للدور، فعزته لكونها عاشت تلك الأجواء من قبل، بسبب شقيقها الذي عمل بتجارة المخدرات وعايش تجربة الشقاء والفقد واللوعة، والأهم تعرف كيف يمكن للكولومبيات أن يصبحوا أقوياء، ويُعيدوا خلق أنفسهم من الرماد.

بالإضافة لفيرغارا، أجاد الجميع أدوارهم وإن كان صاحب الحضور الطاغي دائما هو مارتن رودريغيز الذي أدى دور “ريفي” ذي الشخصية الجامحة والفوضوية.

ولم يتميز العمل بجودة التمثيل فقط، وإنما الأزياء والديكورات والموسيقى التصويرية والتفاصيل التي أبرزت معالم السبعينيات في أميركا، لكنه بالوقت نفسه جاء متخما بالجثث والدماء والقتل الوحشي.

كل هذا جعلنا أمام عمل درامي شائق ذي رتم تصاعدي سريع غير مناسب لأصحاب القلوب الضعيفة، ولكنه مثالي لعشاق الأعمال القصيرة وكارهي الملل، الذين لن يلبثوا أن يستمتعوا بالمشاهدة، لكنه لن يبقى بذاكرتهم الدائمة، أو يرغبون بإعادة مشاهدته بعد فترة.

بين الواقع والخيال

على النقيض من مسلسل “ناركوس” الذي غلب عليه الطابع الوثائقي، ورغم انتماء “غريزلدا” لدراما السير الذاتية، فإنه جاء أقرب إلى دراما خيالية مقتبسة عن قصة حقيقية حيث يتماس الخيال مع الواقع بين حين وآخر. وبتتبع القصة الحقيقية لعرّابة كولومبيا، نجد أحداثا لا تتطابق مع ما جرى بالفعل أبسطها السبب وراء هروب غريزلدا إلى ميامي مع أطفالها.

وهو ما دفع ابنها مايكل لرفع دعوى قضائية ضد “نتفليكس” مطالبا بمنع عرض المسلسل، من جهة لأن الأحداث لم تسرد الحقيقة، أو توضح الجانب الإنساني لوالدته مما يُسيء للعائلة، ومن جهة أخرى لاستخدام معلومات قدمها خلال مقابلات دون إذنه، أو منحه مقابلا ماديا عنها.

“غريزلدا” دراما أميركية قصيرة من 6 حلقات تنتمي لعالم الجريمة والمخدرات بطولة صوفيا فيرغارا، ومارتن رودريغز، وفانيسا فرليتو، وألبيرتو غيرا، وخوسيه زونيغا. تدور الأحداث حول امرأة سيطرت على سوق تجارة الكوكايين بأواخر السبعينيات بين كولومبيا وميامي ونيويورك وكاليفورنيا، مما سمح لها بجني 80 مليون دولار شهريا، قبل أن تقع بقبضة الشرطة بمنتصف الثمانينات.

الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى