علوم وتكنولوجيا

هذا هو المريخ… فهل حان دور البشر للسفر إليه؟

نشرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، الجمعة، صوراً جديدة لوصول مركبتها “برسفيرنس” في اليوم السابق إلى المريخ، ظهر فيها الروبوت الجوال معلقاً على ارتفاع مترين عن سطح الكوكب الأحمر مباشرة قبل هبوطه عليه.

ووُضِع الروبوت ببطء على سطح المريخ خلال المرحلة النهائية من العملية، أي في الأمتار العشرين الأخيرة، إذ كان معلقاً بثلاثة أسلاك متدلية من مركبة الإنزال المجهزة بثمانية صواريخ رجعية كابحة تولت إبطاء الهبوط.

والتُقِطَت الصورة من أسفل مركبة الإنزال، ويبدو فيها الجزء العلوي من الروبوت الجوال، وعجلاته الست وتحتها سطح المريخ.

وقال كبير مهندسي “بيرسفيرنس” آدم ستلتزنر شارحاً اللقطة خلال مؤتمر صحافي إنها تُظهِر “الغبار الذي تثيره المحركات”.

وعُرِضَت صورة أخرى لعملية الهبوط مباشرة قبل هذه المرحلة التقطها مسبار “إم آر أو” الموجود في مدار المريخ، ويمكن عند تكبيرها رؤية الروبوت الجوال محمياً بكبسولة دخوله الغلاف الجوي، وقد تباطأت سرعته بفعل انتفاخ مظلة ضخمة تفوق سرعة الصوت.

وفي صورة ثالثة، هي الأولى بالألوان أرسلها “بيرسفيرنس” من الكوكب الأحمر، يبدو ظل العربة على سطح المريخ، حيث تنتشر بعض الصخور، وفي أفق الصورة البعيد تضاريس هي أشبه بظل جرف.

أما الصورة الرابعة، وهي بالألوان أيضاً، فيظهر طرف إحدى عجلات المركبة الست، وسطح الكوكب الأحمر، وبدا أقرب إلى الأصفر، مع العلم أن اللون لا يزال بحاجة إلى تصحيح طفيف.

ولوحظت على السطح صخور يتراوح عمرها بين 3.8 و3.7 مليار سنة، تبدي ناسا اهتماماً كبيراً بها.

وقالت العالمة المشاركة في المشروع كاتي ستاك مورغان “أحد الأسئلة التي سنطرحها على أنفسنا أولاً هو ما إذا كانت هذه الصخور من أصل بركاني أو رسوبي”. وأضافت “قد تكون العربة هبطت على تدفق حمم بركانية!”

وكانت نُشرَت الخميس صورتان التُقِطتا من الجزء الأمامي والخلفي للروبوت، ولكن بجودة منخفضة وباللونين الأسود والأبيض.

ولم تتمكن ناسا بعد من تأكيد ما إذا كان أمكن تسجيل صوت المريخ للمرة الأولى بواسطة الميكروفونات. وأوضح آدم ستلتزنر أن التأكيد سيأتي “في نهاية هذا الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل”.

المركبة الخامسة

وبات الروبوت الجوال “برسفيرنس” خامس مركبة من هذا النوع تحقق إنجاز الرحلة إلى الكوكب الأحمر، لكن دور الإنسان لم يحِن بعد، ومن غير المتوقع أن يكون الموعد قريباً، مع أن الرحلات البشرية إلى هذه الوجهة الفضائية هدف قديم وُضِع منذ عقود.

وقال مدير ناسا بالإنابة ستيف جورشيك، الخميس، “بحلول منتصف العقد الثالث من القرن الحالي، قد نبدأ في استخدام الوسائل التي نستخدمها للوصول إلى القمر لإرسال رواد فضاء إلى المريخ”.

وإذا كانت الصعوبات التكنولوجية الكبيرة عولجت تقريباً، فإن عوامل كثيرة لا تزال غائبة من المعادلة.

فالرحلة إلى المريخ تستغرق نحو سبعة أشهر وعلى رواد الفضاء أن يمضوا هناك 30 يوماً في البداية، بحسب ناسا. ويبلغ متوسط درجة الحرارة 63 درجة مئوية تحت الصفر، فضلاً عن أن الإشعاعات كثيرة، والجو يحتوي على 95 في المئة من ثاني أكسيد الكربون.

أما الجاذبية فلا تتعدى 38 في المئة من جاذبية الأرض. لكن جي سكوت هابارد، الذي كان يعمل في ناسا وقاد أول برنامج يتعلق بالمريخ، قال، “تعلمنا كثيراً عن الجاذبية الصغرى بفضل محطة الفضاء الدولية”، إلا أن تقنيات ومعدات كثيرة لا تزال بحاجة إلى الاختبار.

رحلة استطلاعية

وحمل “برسفيرنس” إلى المريخ أدوات عدة بهدف التحضير للبعثات البشرية في المستقبل، من أبرزها جهاز بحجم بطارية سيارة سمّي “موكسي” سيحاول إنتاج الأوكسجين مباشرة في الموقع عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ، على غرار ما تفعل النباتات. وهذا الأوكسجين سيمكّن مستوطنين بشريين مستقبلاً من التنفس، وسيُستخدَم كذلك كوقود.

ويُعد برنامج أرتيميس، الذي تركز ناسا جهودها عليه اليوم بهدف إعادة إرسال رواد فضاء إلى القمر، حقل تجارب لإرسال بعثات بشرية إلى المريخ.

محطة نووية لإنتاج الكهرباء

وسيتم اختبار بزة فضائية جديدة على القمر تتيح قدرة حركية أفضل وتقي من درجات الحرارة المتدنية جداً. كذلك تشمل الاختبارات محطة طاقة نووية صغيرة لإنتاج الكهرباء، بما في ذلك خلال العواصف الترابية التي يمكن أن تحجب الشمس لأشهر على المريخ ما يدفع إلى صرف النظر عن استخدام الألواح الشمسية.

وتكمن الفائدة من اختبار كل شيء أولاً على سطح القمر في إمكان إرسال المساعدة إليه. وقال جوناثان ماكدويل من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية لوكالة الأنباء الفرنسية “إذا ساءت الأمور (على المريخ)، فهو بعيد مسافة سنوات” عن الأرض.

ورأت المحللة في قطاع الفضاء لورا فورشيك أن إرسال بشر إلى كوكب المريخ “قابل للتحقق”، لكنها شددت على أن “إرسال روبوتات في الوقت الراهن أكثر أماناً” إذ إن معايير السلامة المطلوبة تكون أقل.

استيطان المريخ وإدارة بايدن الجديدة

إلا أن العقبة الكبيرة تبقى في الإرادة السياسية والتمويل المصاحب لها. ففي عام 1990، أعلن الرئيس السابق جورج بوش عن هدف يتمثل في إرسال إنسان إلى المريخ قبل الذكرى الخمسين في يوليو (تموز) 2019 لأول خطوة على سطح القمر، ولم تثمر وعود مماثلة أطلقها ثلاثة رؤساء خلفوه (جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترمب) أي برنامج ملموس.

هل يتحقق الهدف في ثلاثينيات القرن الحالي؟ أجاب جي سكوت هابارد “هذا ممكن، ولكن من دون الإرادة السياسية للإدارة والكونغرس، لن يحدث ذلك”.

ولم يعين الرئيس جو بايدن بعد مديراً أصيلاً لناسا، ولم يعلن رؤيته الفضائية في الوقت الراهن. واكتفى الناطق باسمه بتأكيد “دعم” برنامج أرتميس.

وتوقعت لورا فورشيك “تأخيراً” عن الموعد المحدد في 2024 لتحقيق هدف عودة رواد الفضاء إلى القمر، ما سيؤدي بفعل “تأثير الدومينو” إلى تأخير مماثل لبرنامج المريخ، معتبرة أن ثمة صدقية أكبر في التطلع إلى تحقيق هدف إرسال بشر إلى الكوكب الأحمر خلال أربعينيات القرن الحالي.

في ضوء ذلك، هل يمكن أن تتمكن شركة “سبايس إكس” من أن تسبق وكالة ناسا، علماً بأن الهدف الصريح لتأسيس الشركة التي يملكها الملياردير إيلون ماسك هو إتاحة استيطان المريخ؟

وراهنت وكالة الفضاء الأميركية على صاروخها “إس إل إس” (نظام الإطلاق الفضائي) لتنفيذ الرحلة، وسيخضع للاختبار نهاية 2021 على أقرب تقدير، ولن يكون مأهولاً. وقد عانى المشروع ارتفاع كلفته وتأخيرات إضافية، بينها فشل اختبار المحركات في يناير (كانون الأول).

أما “سبايس إكس” فتسعى إلى تطوير الصاروخ “ستارشيب” الذي تحطم نموذجان منه أخيراً خلال اختبارهما، محدثَين كرتي لهب كبيرتين.

وعلى عكس الوكالات الممولة من دافعي الضرائب، يستثمر إيلون ماسك أمواله الخاصة، بالتالي يمكنه أن يجازف بقدر ما يشاء.

وقال جي سكوت هابارد، الذي يرأس لجنة خبراء في مجال الأمن في الشركة، إن “سبايس إكس” قد تتمكن بفضل “نهجها السريع”، من امتلاك “مركبة فضائية جاهزة قبل وكالة ناسا”، “لكنه أوضح أن جعل بشر يشاركون في الرحلة “يحتاج إلى معدات متطورة” تبقيهم على قيد الحياة، وهو ما استثمرت فيه ناسا لعقود.

من هنا، قد تنتقل ناسا و”سبايس إكس” من المنافسة إلى الشراكة لتحقيق هذا الإنجاز بعد طول انتظار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى