“الإيجابيات” الحكومية في بداياتها وتواجه الأفخاخ!
لم تكن حفلة التسريبات التي استبقت زيارة التشاور الفعلية والعملية الأولى التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري لقصر بعبدا، عصر أمس، عاملاً معزّزاً للأجواء والمناخات الإيجابية الجاري تعميمها منذ يومين، بل ربما شكلت عامل “نقزة” وتشكيك أكثر منها عامل دفع للإيجابيات الناشئة، على أمل توظيفها في أسرع وقت. ذلك أنّ هذه التسريبات وإن لم تعلّق عليها أوساط بيت الوسط، بدت قبيل وصول الحريري إلى بعبدا بمثابة دفتر شروط استباقي أريد له أن يظلّل المقاربة الفعلية الأولى بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، علماً أنّ الحريري ترجم بزيارته القصر بعد 24 ساعة فقط على انتهاء مشاوراته مع الكتل النيابية والنواب، الجمعة، في مجلس النواب، الدينامية السريعة التي يتبعها في خطواته لإنجاز استيلاد الحكومة الجديدة في أسرع وقت، والتي يتمسّك بأن تكون حكومة اختصاصيين خلافاً لكل مزاعم أخرى.
ولذا، بقي مناخ الإيجابيات راجحاً في ظل الاجتماع الذي دام ساعة كاملة بين الرئيسين عون والحريري، والذي خرج منه الرئيس المكلف ليكتفي بالقول باقتضاب: “جلسة طويلة مع فخامة الرئيس والأجواء إيجابية، ولن أجيب عن أي سؤال “. كما أنّ مصادر بعبدا المعنية تكتمت بدورها على تفاصيل اللقاء مكتفية بالقول إنّ الجو كان إيجابياً ولم تكشف عما دار حول شكل الحكومة أو عدد أعضائها وتوزيع الحقائب فيها ومسألة مداورة الحقائب.
ووفق معلومات “النهار”، فإنّ اللقاء شهد نوعاً من التفاهم بين الرئيسين على الأطر العريضة للحكومة وطبيعة مهمتها لجهة عدد من العناوين لجهة ما ينتظرها من مهمات والملامح الأساسية لعملية توزيع الحقائب والاختصاصات المتصلة بها ومسالة المداورة كما موضوع حجمها ما بين 14 و20 وزيراً. ويبدو أنّ ملامح التبدل في مناخ التأليف ما بين تجربة السفير مصطفى أديب وتجربة الرئيس الحريري وطريقة الأخير في التواصل المباشر تركت اثراً إيجابياً لدى رئيس الجمهورية والقوى السياسية من شأنه المساعدة في تذليل التعقيدات المنتظرة على طريق التأليف.
وكان لافتاً أنّ التسريبات الإعلامية التي سبقت اللقاء نسبت في معظمها إلى الأوساط أو الدوائر القريبة من بعبدا وتحدّثت عن أنّ الحريري خرج عن محظورات رؤساء الحكومات السابقين التي كانت وضعت للسفير مصطفى أديب بعد تكليفه. كما نسبت إلى الرئيس الحريري أنّه تحدث عن تفاهم بين الأفرقاء السياسيين وعن التفاعل مع طلباتهم. وأشارت إلى أنّ بعبدا تنظر بإيجابية الى مقاربة الحريري، إلّا أنّ هذه الإيجابية تبقى حذرة لأنّ الشيطان يكمن في التفاصيل. وذهبت التسريبات نفسها إلى القول إنّ الحريري لم يرفض مثلاً وجود خمسة أو ستة أسماء تكنوسياسية في الحكومة. وجزمت على لسان الأوساط نفسها أنّه بات محسوماً أنّ القوى السياسية ستسمي وزراءها وأنّ مبدأ المداورة قد سقط، وتحدثت عن أنّ الحصة الشيعية متفق عليها بحيث ستكون حقيبة المال من حصة حركة “أمل”” وحقيبة الصحة ستبقى لـ”حزب الله” وأنّ حقيبة الطاقة تاليا ستبقى لـ”لتيار الوطني الحر”، ولكن لن يكون الوزراء حزبيين، ويبقى التفاهم بين الرئيسين عون والحريري على حصة المسيحيين.
ومع أنّه لا يفترض الاعتداد بهذه التسريبات الإعلامية غير المثبتة كمؤشر جدي حاسم للاستدلال على موقف العهد أو القريبين منه، فإنّها شكلت عامل تشويش وشكوك لتوقيت ادإطلاقها قبيل اللقاء الثنائي في بعبدا من جهة ولجهة مضمونها الذي من شأنه أن يرسم علامات مخيبة للغاية في حال ثبت أنّ ثمة جهات نافذة كالعهد أو تياره أو بعض حلفائه سيدفعون نحو تبني هذه الشروط والمطالب التي صيغت بأسلوب التسريبات والرسائل المشفرة للرئيس المكلف لكي يقال له أين يمكن التسهيل وأين يمكن التعقيد. وبإزاء الأصداء السلبية التي أشاعتها حملة التسريبات، أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، في وقت لاحق، مساء أمس، بياناً أفاد بأنّ “وسائل إعلامية بثت معلومات حول الاجتماع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي انعقد اليوم. يهم مكتب الإعلام أن يؤكد أنّ الاجتماع كان مغلقاً بين الرئيسين ولم يصدر عن قصر بعبدا أي معلومات عنه وبالتالي لا أساس من الصحة لما وزّع من معلومات”.
جريدة النهار