أخبار لبنان

المجلس الدستوري… ضحية جديدة لإنهيار “الدولة”

كتب د.مازن مجوز

لا يحتاج المتمحص في دهاليز المنظومة السياسية وكواليسها الضيقة الى كثير من الوقت، ليكتشف أسباباً إضافية، للتشكيك في صدقية إحترام مكوناتها لأحكام الدستور، والأهم اليوم أنه لا يمكن التغاضي عن الهواجس التي بدأ يثيرها سلوك هذه المكونات، وآخرها تسببها بسقوطٍ إضافي لمبدأ دولة القانون والمؤسسات وتهديداً مباشراً لهذا الطموح اللبناني، والمتمثل بتجاهلها لواجباتها تجاه فقدان المجلس الدستوري نصابه، ما يمنعه من مراجعة الطعون المقدمة إليه.

إذ ان وفاة القاضي أنطوان بريدي في 8 أيار الفائت، أفقدت المجلس النصاب القانوني الذي يشترط إجتماع 8 أعضاء على الأقل من أصل 10 لعقد أي جلسة أو إجتماع، خصوصا بعد وفاة عضوين في وقت سابق، هما القاضيان إلياس بو عيد وعبدالله شامي.

أولويات

ربما لدى السلطة السياسية أولويات أكثر أهمية، وهي إرتكاب مزيد من الخروقات في جسد الدستور المنهك من تصرفاتها، إذ انها، على ما يبدو، تسعى أو يروق لها إبقاء الفراغ في المجلس الدستوري قائماً،  وليس غريباً – بفعل ذلك – إحجام شركات الإستثمار العربية والغربية عن الإستثمار عندنا اليوم ومستقبلاً، طالما أنها تشعر أن مفهوم الدولة والمصلحة العامة مفقودان. ليبرز السؤال: “كيف لدولة لا يهمها صون “مفهوم الدولة” ولا المصلحة العامة، ولا كيان “المجلس الدستوري”، أن تحمي حقوق تلك الشركات على أراضيها؟ وبالطبع الأخيرة محقة في موقفها ومخاوفها.

أمام هذا النصاب المفقود والمُعطل، نجد أنه وفق المادة 2 من قانون إنشاء المجلس الدستوري يعين مجلس النواب نصف عدد الأعضاء، أي 5، بالغالبية المطلقة، والنصف الآخر يعينه مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة. لكن لا المجلس عمل على إنتخاب البديل ولا الحكومة عينت بديلاً عن الشغور الثاني والثالث، كون هذا الأمر يخرج عن سياق تصريف الاعمال.

المهم اليوم، برأي البعض، لمن ستؤول وزارتا الداخلية والعدل؟ وهل بالصدفة التمسك بالمطالبة بهما

هذا التلكؤ السياسي ليس بجديد، وبمعنى أوضح الصراع المغلف بالتلكؤ، إذ سبق أن شكل الصراع السياسي على أعضاء المجلس الدستوري علامة فارقة، خصوصا الصراع الذي شهدناه بشكل واضح في 26 حزيران/يونيو 2019. آنذاك لفت أكثر من متابع إلى رغبة رئيس التيار الوطني الحر بالإستئثار بكامل الحصة المسيحية داخل المجلس (5 أعضاء)، وكون إختيار الأعضاء أو تعيينهم يخضع للمحاصصة فليس غريبا حيال النصاب المفقود والمعطل، الحديث عن دور وتأثير القوى السياسية، وإنعكاسات عدم تأليف الحكومة في تشكل مخاطر كبيرة جداً ناتجة عن تعطيل هذا المجلس، وفق عضو المجلس الدستوري السابق الدكتور أنطوان مسرة.

تدني المستوى

أما بالنسبة للطعون المقدمة الى المجلس الدستوري، فإن المادتين 36 و37 من القانون الداخلي للمجلس توضحان كيفية التعامل معها، حيث يلتئم المجلس بعد 5 أيام من إستلامه القانون المطعون به  لدراسته، وإذا لم يبت به في مهلة أقصاها 15 يوما يعتبر القانون المطعون به صادرا وساري المفعول.

كل هذا سينعكس تدنياً إضافياَ لا مثيل له في الحياة الدستورية والمؤسساتية في لبنان… “فالمجلس الدستوري حالياً لا يستطيع الإجتماع ومتابعة مهامه الدورية، وليس بمقدوره النظر في الطعون المقدمة اليه، وأبرزها الطعن الذي قدمه تكتل الجمورية القوية في 26 من نيسان الفائت في قانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 200 مليون دولار” ، يشرح الدكتور المتخصص في القانون محي الدين الشحيمي.

المهم اليوم، برأي البعض، لمن ستؤول وزارتا الداخلية والعدل؟ وهل بالصدفة التمسك بالمطالبة بهما وهما أبرز وزارتين معنيتين بالإنتخابات النيابية؟ ليبقى التدمير الممنهج لكل مقومات الدولة هو السائد حالياً، مع ما يعكسه من قصور موصوف من الطبقة الحاكمة في كيفية فهمها للشغور وتداول المراكز الرسمية الحساسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى