أخبار لبنان

هيومن رايتس ووتش: مسؤولون سياسيون وأمنيون علموا بوجود النيترات ولم يتصرفوا.

خلص تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء إلى وجود أدلة قوية تشير إلى أن بعض المسؤولين اللبنانيين علموا وقبلوا ضمنيا بالمخاطر التي تشكلها مادة نترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت قبل الانفجار المروع الذي دمره في الرابع من آب من العام الماضي.

ويعرض التقرير الذي أصدرته المنظمة في 127 صفحة، تحت عنوان “دبحونا من جوّا، تحقيق في انفجار 4 آب في بيروت”، أدلة على السلوك الرسمي، في سياق الفساد وسوء الإدارة منذ زمن طويل في المرفأ، الذي سمح بتخزين أطنان من نيترات الأمونيوم المركّب الكيميائي القابل للانفجار، عشوائيا وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريبا. وقد تسبَّب انفجار المادة الكيميائية بأحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، ودمّر المرفأ، وألحق أضرارا بأكثر من نصف المدينة.
وتظهر الأدلة وفق التقرير بشكل كاسح أن انفجار 4 آب 2020 في مرفأ بيروت نتج عن أفعال كبار المسؤولين اللبنانيين وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم، وخزّنوا المواد عن سابق علم في ظروف غير آمنة، وتقاعسوا عن حماية الناس.

واستندت هيومن رايتس ووتش الى مراسلات رسمية، بعضها يُنشر للمرة الأولى وهي تتعلق بالسفينة “روسوس”، التي أدخلت نيترات الأمونيوم إلى المرفأ، وحمولتها، إضافة إلى مقابلات مع مسؤولين حكوميين وأمنيين وقضائيين، لتوضيح كيف وصلت المواد الخطرة وخُزّنت في المرفأ. كما فصّلت ما كان يعرفه المسؤولون الحكوميون عن نيترات الأمونيوم والإجراءات التي اتخذوها أو تقاعسوا عن اتخاذها لحماية السكان.

وتثير هذه الأدلة حتى الآن تساؤلات حول ما إذا كانت نيترات الأمونيوم متوجهة إلى موزامبيق، كما ذكرت وثائق شحن السفينة روسوس، أو إذا كانت بيروت هي الوجهة المقصودة. وتشير الأدلة في التقرير أيضا إلى أن العديد من السلطات اللبنانية كانت، بأقل تقدير، مهملة جنائيا بموجب القانون اللبناني في تعاملها مع الشحنة، ما خلق خطرا غير معقول على الحياة.

علاوة على ذلك، تُظهر الوثائق الرسمية أن بعض المسؤولين الحكوميين توقعوا وقبلوا ضمنيا مخاطر الموت التي يشكلها وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ. بموجب القانون المحلي، يمكن أن يرقى هذا الفعل إلى جريمة القتل قصدا أو القتل عن غير قصد. ويشكل  تقاعس الدولة عن التحرك لمنع المخاطر المتوقعة على الحياة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، انتهاكاً فاضحاً لحق الحياة.

ولفت التقرير إلى أنه تم تحذير المسؤولين في “وزارة الأشغال العامة والنقل”، التي تشرف على المرفأ، من الخطر، لكنهم لم يبلغوا القضاء كما يجب، ولم يحققوا بشكل كافٍ في طبيعة شحنة السفينة القابلة للانفجار والاحتراق، والخطر الذي تشكله. ثم خزّنوا نيترات الأمونيوم عن سابق علم إلى جانب مواد أخرى قابلة للاشتعال أو متفجرة لستّ سنوات تقريبا في عنبر غير مؤمّن كما يجب وسيئ التهوية في وسط منطقة تجارية وسكنية مكتظة، ما يخالف الإرشادات الدولية للتخزين والتعامل الآمنَيْن مع نيترات الأمونيوم. وبحسب تقارير، لم يشرفوا بشكل كافٍ على أعمال الإصلاح التي أجريت في العنبر 12، والتي يمكن أن تكون تسببت في الانفجار في 4 آب 2020.

وتبين المراسلات الرسمية مع مسؤولي الجمارك، التابعين لوزارة المالية، أن عددا من مسؤولي الوزارة كانوا على دراية بالمخاطر. وأفاد مسؤولو الجمارك أنهم أرسلوا ما لا يقل عن ست رسائل إلى القضاء يطلبون فيها بيع أو إعادة تصدير المواد. لكن سجلات المحكمة تظهر أن مسؤولي الجمارك أُبلغوا مرارا وتكرارا بأن طلباتهم غير صحيحة من الناحية الإجرائية. وتضمن التقرير إفادات تعود لقضاة التقتهم منظمة هيومن رايتس ووتش ومنها أن مديرية الجمارك لا تحتاج إلى إذن قضائي لبيع، أو إعادة تصدير، أو إتلاف المواد.

بالنسبة  إلى قيادة الجيش اللبناني، أفاد التقرير أنها لم  تولِ أهمية تذكر لدى معرفتها بشأن حمولة نيترات الأمونيوم، على اعتبار إنها ليست بحاجة إليها، حتى بعد أن علمت أن نسبة النيتروجين فيها تجعلها بموجب القانون اللبناني من المواد المستخدمة لتصنيع المتفجرات وتحتاج إلى موافقة من الجيش وتفتيش لكي يتم استيرادها. كما لم تتخذ مخابرات الجيش، المسؤولة عن جميع المسائل الأمنية المتعلقة بالذخيرة، والمخدرات، والعنف في المرفأ، أية خطوات على ما يبدو لتأمين المواد أو وضع خطة استجابة طارئة أو إجراءات احترازية.

الأجهزة الأمنية

وورد في التقرير أن وزير الداخلية آنذاك والمدير العام لـ “الأمن العام” أقرّا بمعرفتهما بشأن نيترات الأمونيوم على متن روسوس، لكنهما قالا إنهما لم يتخذا إجراءات بعد علمهما لأن ذلك لم يكن من ضمن صلاحياتهما.

وأشارت المصادر إلى أن “المديرية العامة لأمن الدولة”، وهي ذراع “المجلس الأعلى للدفاع”، الذي ينفذ السياسة الدفاعية للبلاد، كانت على علم بوجود نيترات الأمونيوم ومخاطرها منذ أيلول 2019 على الأقل. لكن كان هناك تأخير منافٍ للضمير في إبلاغ التهديد إلى كبار المسؤولين، وكانت المعلومات المقدمة غير كاملة. وسجلت أولى المراسلات التي أرسلتها أمن الدولة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في 20 تموز 2020، أي قبل أسبوعين من الانفجار.

اعترف رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس المجلس الأعلى للدفاع، بأنه كان على علم بوجود نيترات الأمونيوم منذ 21 تموز 2020 على الأقل، وطلب من أحد المستشارين متابعة الموضوع، لكنه زعم أنه غير مسؤول. كما كان رئيس الوزراء حسان دياب، نائب رئيس المجلس، على علم بوجود نيترات الأمونيوم منذ 3 حزيران 2020، لكنه لم يتخذ أي إجراء على ما يبدو غير إحالة تقرير أمن الدولة المرفوع في 20 يوليو/تموز 2020 إلى وزارتَي العدل والأشغال العامة.

وأدى انفجار مرفأ بيروت إلى سقوط 218 ضحية  وجرح 7 آلاف، مسببا إعاقة جسدية لما لا يقل عن 150 شخصا. كما تسبب بأضرار نفسية لا توصف، وألحق أضرارا بـ 77 ألف شقة، وهجّر أكثر من 300 ألف شخص. وقدرت قيمة الخسائر بحسب “البنك الدولي”، بحوالى 3.8-4.6 مليار دولار.

في التحقيقات

على رغم تعهد مسؤولين لبنانيين بإجراء تحقيق محلي جاد وسريع، إلا أن مسار التحقيقات على مدى العام أظهر أن العيوب الإجرائية والمنهجية جعلته غير قادر على تحقيق العدالة بشكل موثوق. وتشمل هذه العيوب عدم استقلال القضاء، وحصانة كبار المسؤولين السياسيين، وعدم احترام معايير المحاكمات العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
وبناء عليه تعالت أصوات الناجين من الانفجار وأهالي الضحايا في الدعوة إلى تحقيق دولي، معربين عن عدم إيمانهم بالإجراءات المحلية.

ولفتت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى ضرورة تفويض مجلس حقوق الإنسان الأممي بإجراء تحقيق لتحديد أسباب انفجار 4 آب والمسؤولين عنه، والخطوات اللازمة لضمان إنصاف حقيقي للضحايا ومنع المزيد من انتهاكات الحقوق.

أضاف التقرير أنه على الدول التي تطبق قوانين ماغنيتسكي العالمية، وغيرها من أنظمة عقوبات حقوق الإنسان والفساد، معاقبة الرسميين اللبنانيين المتورطين في الانتهاكات الحقوقية المستمرة المتعلقة بالانفجار والسعي إلى تقويض المساءلة. ومن شأن هذه العقوبات أن تؤكد من جديد التزامات تلك البلدان بتعزيز المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتوفر قوة إضافية لأولئك الذين يضغطون من أجل المساءلة من خلال الإجراءات القضائية المحلية.

وختم التقريربالقول: “على رغم الدمار الذي أحدثه الانفجار، يواصل المسؤولون اللبنانيون التملص والإفلات من العقاب بدل السعي وراء الحقيقة والعدالة. على مجلس حقوق الإنسان الأممي أن يأذن بإجراء تحقيق فورا، وعلى الدول الأخرى فرض عقوبات تستهدف المتورطين في الانتهاكات المستمرة والسعي إلى عرقلة العدالة“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى