القوانين العالمية الصادرة عن المؤسسات المختصة التي تعنى بالطفل حذرت من ضرب الاطفال. الا ان الواقع الملموس يؤكد على عدم تقيد الفرد البالغ بها. من يضرب الطفل؟ الوالدان؟ المعلم او المعلمة في المدرسة، الاخوة الاكبر او الاولاد الاشقياء في الشارع؟ وما الآثار النفسية التي يتركها هذا التجني على جسد الطفل وعلى حريته وعزة نفسه؟
نورا 6 سنوات: حين اشاغب في البيت يضربني البابا او يحرمني من اشياء احبها، واذا اردت الهرب من عقابه، اختبئ في سريري ليعتقد انني نائمة.
سارة 8 سنوات: عمتي تضربني لانها تعيش معنا في البيت وتكون مسؤولة عني. هي تحبني لكنها تكون متعبة لا تتحمل شقاوتي فتضربني لأهدأ.
جمانة 7 سنوات: اخي الكبير يضربني، وهو يقول انه يريدني ان اكون “شاطرة”، واكثر ما يضربني حين يساعدني في دروسي. من براءة كلام الاطفال، ندرك ان للضرب واقعا كبيرا علهيم.
التربية الصحيحة تقوم على ثلاث ركائز اولها الطفل، ثانيها الاهل، وثالثها المدرسة. واذا تم التنسيق بين هذه العناصر كان نجاح الغاية في الوصول الى تربية سليمة وانسان سوي كيلا يضيع الطفل ويفقد شخصيته.
من هذا المنطلق قال الدكتور انطوان بطرس قمير اختصاصي في الصحة النفسية والعصبية.
* ممّ يخاف الطفل اكثر، من عقاب المدرسة ام عقاب الاهل؟
الطفل لا يخاف العقاب بحد ذاته انما صاحب العقاب الذي غالبا ما تكون له اهمية كبرى في نظر الطفل. واذا كانت العلاقة جيدة واساسها المحبة بين التلميذ وذويه او بينه وبين المعلم كان للعقاب وقعه الشديد حتى ولو كان مجرد نظرة عتاب.
برأيك ما هو مستقبل الطفل الذي يتعرض للضرب؟
العنف يخلق مبدأ لا يسير الا بالعنف، ونحن نُدخل الاولاد في هذه الدائرة ونجعلهم ضحايا لنا. ونرى ان العقاب النفسي يكون احيانا اشد من العقاب الجسدي، ولكن دون ان نتنكر لمحبتنا للطفل كأن نقول له لم اعد احبكّ! وخاصة في السنوات الاولى من تحصيله المدرسي اذا تعرض لعقاب جسدي قد يولد الامر في نفسه شعورا بالغبن يؤدي به الى كره المدرسة او الى الانغلاق والعدوانية وعقد نفسية اخرى تؤثر في مستقبله العلمي. وبالرغم من التزام المدارس بعدم ضرب الاطفال، انما للاسف، هناك عائلات كثيرة تؤذي اطفالها بالضرب في المنازل كما تعلمهم الكذب من خلال عدم المصارحة بانهم يتعرضون للضرب في البيت. هناك نماذج اطفال في المدرسة مدموغين بآثار الضرب، وعندما يُسألون، يدّعون انهم وقعوا على الارض او تعرضوا لخربشة شقيق فنلجأ الى حوار دائم معهم حتى نصل الى الحقيقة. من هذه العينات نكتشف ان الاهل يقمعون الطفل بضربه اولا وبتعليمه الكذب ثانية، مع العلم انهم يضربونه اذا كذب عليهم. انني في هذا الاطار اسأل الاهل، لماذا يسمحون للطفل وهو صغير بفعل كل شيء، ثم يبدأون ضربه عندما ينضج؟ يجب ان نتعلم كيف نربي الاطفال من خلال فهم نفسيتهم واستنتاج حالات المعاناة لديهم. نحن نحاور الاهل في لقاءات اسبوعية ونحاول اقناعهم بالاقلاع عن ضرب اطفالهم اذ غالبا ما يكون الطفل كبش محرقة لمشاكل عائلية او نفسية.
رأي علم النفس: تحدث الدكتور انطوان قمير اختصاصي في الصحة النفسية والعصبية.
كيف يحدد علم النفس سلبيات ضرب الاطفال وتأثيره النفسي فيهم؟
وبالتالي كيف يحدد العقاب الافضل ان في البيت او المدرسة؟
ان الضرب ممنوع في تربية الطفل ان في البيت او المدرسة، الا في حالات نادرة جدا بحيث لا يتعدى العقاب الضربة الخفيفة على يده لتعلمه الصح من الخطأ. الاطفال لا بد وان يقعوا في الخطأ، واذا عودناهم الضرب، سهل الامر لديهم واصبحوا يفعلون كل ما يريدون لانهم يعرفون العقاب مسبقا. وعندما يكبرون يعمدون الى تنفيذ ما تعودوه مع اولادهم. من هنا نرى القمع متوارثا من جيل الى جيل في عائلة تعتمد الضرب اساسا للتربية، والضرب يفقد الطفل ثقته بنفسه ويضعف شخصيته فيعمل للدفاع عن نفسه على ضرب الاخرين ولو كانوا اقرباء له. نحن لا نقول انه يجب عدم معاقبة الطفل ولكن يجب الامتناع عن ضربه واعتماد سبل مختلفة في الحوار والتفاهم بعيدا عن القمع او حتى القمع المؤجل، كأن تهدد الام وتتوعد وتنتظر مجيء الاب لتنفيذ العقاب. وفي احيان كثيرة قد يؤجل العقاب من الصباح حتى المساء ويكون الطفل قد نسي ما فعل ولم يعد يعرف لماذا يعاقب. وايضا قد يتمادى في اخطائه لانه يعرف سلفا ان عقابا ينتظره. من هنا كان وجوب العقاب الفوري بالحوار.
فالطفل يفهم ويستوعب، ومهما اختلفت قدرات الاستيعاب بين طفل وآخر الا انه لا بد من طول البال معهم ومعرفة افضل عقاب قد يؤثر بهم كحرمانهم من الاشياء الاحب الى قلوبهم، مع الاحتفاظ بسر المحبة معهم، فلا تقول الام لابنها مثلا: “لم اعد احبك” فهذا خطأ تربوي كبير، ويمكنها القول: “انا احبك ولكنك فعلت ما يغضبني ولا اريد التكلم معك”. هذا عقاب فعّال للطفل اذ لا شيء يؤثر في نفسه اكثر من قطيعة كلام امه معه. ولتنقطع عن الكلام معه مدة نصف ساعة او اكثر ليشعر بذنبه.
* هل يختلف التأثير النفسي للضرب من مرحلة الطفولة الى مرحلة البلوغ؟
– لا بد وان يتأثر الطفل بالضرب في مختلف المراحل، وربما يترك الامر في نفسه حقدا دفينا قد يفجره متى استطاع، او قد يبقى الضرب نقطة سوداء في حياته نكتشف بصماتها مستقبليا.
* اخيراً، بعض الامهات يعتقدن ان اطفالهن لا يتجاوبن معهن الا بعد ضربهم ، ما رأيك؟
– لانهن اعتمدن هذا الاسلوب مع اطفالهن، وهذا لا يعني ان الطفل يتجاوب عن قناعة، بل بشكل آلي. علينا تمرين الطفل على الحوار وتشجيعه نحو الافضل حتى ولو كانت درجة تقدمه بطيئة، الا انه مع الوقت والتحاور سيصل الى الامام في حين ان الضرب يجعل الطفل يائسا يردد مقولة “هذا انا ولن استطيع الوصول الى الافضل”.
كلمات مفتاحية