أكدت بيانات جديدة مستقاة من دراسة جينية واسعة النطاق قادها قسم نافيلد لصحة السكان التابع لجامعة أكسفورد في بريطانيا، بأن الكحول من الأسباب المباشرة للإصابة بالسرطان، إذ إن الأدلة النابعة من الدول الغربية تشير فعلياً وبقوةٍ إلى أن الكحول يمثل سبباً مباشراً للإصابة بأمراض السرطان في الرأس والعنق والكبد والقولون والثدي والمريء.
حسب تقرير لموقع Oxford Population Health البريطاني، الأربعاء 26 يناير/كانون الثاني 2022، يتسبب استهلاك الكحول في وفيات تقدر بثلاثة ملايين وفاة سنوياً حول العالم، بما في ذلك 400 ألف حالة وفاة بسبب الإصابة بأمراض السرطان. ومع تزايد استهلاك الكحول، ولا سيما في الدول متسارعة النمو مثل الصين، ثمة حاجة ملحة إلى فهم طريقة تأثير الكحول على عوامل الإصابة بالأمراض والمخاطر التي يحملها ذلك على سكان البلاد المختلفة.
تأثير على الجينات
كانت هناك صعوبة للتأسيس لعلاقةٍ مباشرة بين الكحول وأسباب الإصابة بالسرطان، أو ما إذا كان الكحول من الممكن ارتباطه بالعوامل المحيرة الأخرى (مثل التدخين والحمية الغذائية) التي يمكن أن تولّد نتائج متحيزة، ولم يكن واضحاً كذلك ما إذا كان الكحول مرتبطاً بالأنواع الأخرى من أمراض السرطان، بما فيها سرطانات الرئة والمعدة.
من أجل معالجة هذه المعلومات والحقائق المجهولة، استخدم قسم نافيلد لصحة السكان التابع لجامعة أكسفورد، وجامعة بكين، والأكاديمية الصينية للعلوم الطبية في بكين، نهجاً جينياً عن طريق فحص المتغيرات الجينية المرتبطة بالاستهلاك المنخفض للكحول بين الشعوب الآسيوية.
نُشرت النتائج في 20 يناير/كانون الثاني في المجلة العلمية International Journal of Cancer.
بالنسبة للشعب الصيني وشعوب شرق آسيا، كان هناك متغيران جينيان شائعان يقللان القدرة على تحمل الكحول ويرتبطان ارتباطاً قوياً بالجرعات الأقل من استهلاك الكحول، لأنهما يتسببان في تأثير “تطهيري” مزعج، إذ تعطل كلتا الطفرتين الجينيتين وظائف الإنزيمات التي تشترك في عملية إزالة السمية من الكحول، ما يؤدي إلى تراكم مركب الأسيتالدهيد السام، الذي ينتمي إلى مسرطنات المجموعة الأولى، في الدم.
كيف يحدث ذلك؟
استخدم فريق الدراسة عينات الحمض النووي لحوالي 150 ألف مشارك (موزعين تقريباً بين 60 ألف رجل و90 ألف امرأة) في الدراسة التي أجراها بنك كادوري الحيوي الصيني، وقدّروا تكرار المتغيرين الجينيين (الأليلين) ALDH2 و ADH1B المرتبطان بانخفاض القدرة على تحمل الكحول.
كذلك، اقترنت البيانات مع استبيانات استكملها المشاركون حول عادات احتساء الكحول، إضافة إلى زيارات متابعة لاحقة، وجرى تعقب المشاركين على مدى 11 عاماً في المتوسط، من خلال الربط مع سجلات التأمين الصحي وسجلات الوفاة.
أفادت النتائج بأنه بالنسبة للسكان الصينيين الخاضعين للدراسة، كان تكرار الأليل ALDH2 نسبته 21% أما معدل تكرار الأليل ADH1B فقد كانت 69% مقارنة بنسبة تراوحت بين 0.1% و4% بالنسبة للسكان ذوي الأصول الأوروبية. وخلال مرحلة تعقب المشاركين، أُصيب حوالي 4500 رجل (7.4%) بالسرطان.
أما الرجال الذين حملوا أليلاً أو أليلين من ADH1B فقد انخفض لديهم خطر الإصابة بالسرطان في العموم وكذلك أمراض السرطان المرتبطة بالكحول بحوالي 13-25%، ولا سيما أمراض سرطان الرأس والعنق والمريء.
في المجمل، كان الرجال الذين يحملون نسختين من الأليل ALDH2 يحتسون القليل جداً من الكحوليات، وانخفضت كذلك مخاطر إصابتهم بالسرطان بنسبة 14%، فيما انخفضت نسبة الإصابة بأمراض السرطان التي كانت مرتبطة بالكحول بنسبة 31%.
أما الرجال الذين يحتسون الكحوليات بانتظام برغم أنهم يحملون نسخة واحدة من الأليل ALDH2، فقد ارتفعت لديهم مخاطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق والمريء. ولم تكن هناك أي علاقة بين حمل نسخة من الأليل ALDH2 وبين زيادة خطر الإصابة بالسرطان بالنسبة للأشخاص الذين لا يحتسون الخمر على الإطلاق، أو الذين يحتسونه بصورة نادرة.
لم تتغير هذه النتائج عند تعديل البيانات تماشياً مع عوامل الخطر الأخرى، مثل التدخين والنشاط البدني وكتلة الجسم والتاريخ العائلي على صعيد الإصابة بالسرطان.
بالنسبة للنساء (كان 2% منهن فقط يحتسون الخمر بانتظام) لم يرتبط هذان الأليلان مع أي زيادة في مخاطر الإصابة بالسرطان، ما يشير إلى أن انخفاض مخاطر الإصابة لدى حامل المتحورين الجينيين من الرجال ينتج مباشرة عن قلة استهلاك الكحوليات.
في هذا السياق، قالت بيكي إم، الباحثة الرئيسية في هذه الدراسة وهي زميلة باحثة في قسم نافيلد لصحة السكان التابع لجامعة أكسفورد: “تشير هذه النتائج إلى أن الكحول يتسبب بصورة مباشرة في أنواع عديدة من أمراض السرطان، وأن هذه المخاطر قد تزيد أكثر بالنسبة للأشخاص الذين ورثوا قدرة أقل على تحمل الكحول، أي الذين لا يستطيعون استقلاب الكحول بصورة جيدة”.