منوّعات

الرسوم المتحركة.. غياب عربي

الرسوم المتحركة «الأنيميشن» أو «الرسوم المتتابعة» أو «رسوم الكارتون»؛ مصطلحات تشير إلى فن بصري متحرك، ينتمي لأسرة الفنون التشكيلية، وله علاقة وثيقة بالسينما والتلفاز والحاسوب. ولد هذا الفن في 30 أغسطس عام 1877، وهو اليوم الذي سجل فيه الفنان والمهندس الفرنسي إميل رينو، براءة اختراعه المسمى «براكسينوسكوب». وارتبط تطور هذا الفن بتطور السينما والتلفزيون، ولاحقاً الحاسوب. ورغم ثراء هذا الفن عالمياً، إلا أن الحضور العربي فيه ضعيف إلى حد الغياب.

أول فيلم للرسوم المتحركة ظهر في أوروبا كان في عام 1908، ثم قام دينسور مكاي بإنتاج ثلاثة أفلام متحركة هي: نيمو الصغير (1911) والديناصور جريتي (1914) وغرق ستيانا (1918). وبالتدريج تطورت الرسوم المتحركة لتصبح صناعة قائمة بذاتها، وكان أول من أدخل الصوت إليها هو والت ديزني عام 1923، وفي عام 1932 ظهر أول فيلم رسوم متحركة ملوّن، وهو «أزهار وأشجار». أما أول فيلم صُنع بوساطة الحاسوب فكان عام 1995 وهو «حكاية لعبة».

فن أهمله العرب

تقول المدونة والكاتبة المهتمة بالإنيمي رقية شتيوي: إن أولى محاولات إنجاز الرسوم المتحركة في العالم العربي كانت عام 1935 على يد أنطوان سليم الذي تأثر كثيراً بشخصيات ديزني. وفي عام 1961 قام الفنان علي مهيب بإنجاز مجموعة من الرسوم المتحركة أبرزها «السندباد البحري». أما في الخليج العربي فقد بدأت محاولات إنتاج هذا الفن في سبعينيات القرن الماضي من خلال مؤسسة الإنتاج البرامجي المشتركة. والحقيقة أن ما أنتجه العرب على هذا الصعيد، مقارنةً بالإنتاج العالمي، يُعتبر قليلاً وضعيفاً لأسباب عدة أبرزها: ارتفاع تكاليفه، وضعف الإمكانات التي وضعت في تصرفه وبالتالي ضعف تسويقه.

سابق للسينما

سبق فن الرسوم المتحركة السينما، وكانت بدايته على يد بعض العلماء الذين كانوا يستخدمون لتحريك الصور على الشاشة أقراصاً دوّارة، وأشرطة تحمل رسوماً ومجموعة من المرايا والفوانيس السحريّة، أما تقاناته فيمكن حصرها بالرسم على شريط الفيلم، والتحريك باستخدام الشاشة الدبوسيّة، وتحريك الصور الساكنة، والتحريك بطريقة «البكسليشين»، والتحريك على السلوليد، والتحريك بالرسم على الورق والأشكال الملونة المقصوصة، وتحريك الدمية كما في مسلسل «افتح يا سمسم» وتحريك الصلصال والأشياء، وأخيراً التحريك بوساطة الحاسوب.

اهتمام وانتشار

يقول الدكتور عز الدين شموط، الأستاذ السابق في قسم الغرافيك بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، إن الرسوم المتحركة لم تجد رواجاً لها فقط عند الأطفال، بل أصبحت أيضاً، ظاهرة اجتماعيّة أثارت اهتمام علماء التربية والاقتصاد ورجال الأعمال، وأصبحت تضاهي شعبية كبار السياسيين كالزعيم الفرنسي ديغول الذي كان يردد بأن منافسه الوحيد على المستوى العالمي هو الشخصية الكرتونية «تانتان».

والحقيقة، أن الرسوم المتحركة لاقت خلال القرن الماضي، سرعة انتشار واسعة لمقدرتها على مخاطبة الصغير والكبير، ونقل الأفكار وتعميمها بأبسط الأشكال وأوضحها، وتعدد المهام التي تؤديها ومنها التربويّة، والاقتصاديّة، والتوجيهيّة، والروائيّة، والإعلامية، والترويجيّة، وحتى العسكريّة.

رؤية تخيلية

الدكتور أحمد يازجي رئيس قسم الاتصالات البصريّة في كلية الفنون الجميلة بدمشق أكد لـ«البيان» أن نجاح عملية بناء الرسوم المتحركة، يتطلب تعدد التقانات والأساليب الفنيّة والجماليّة المدعومة بمعرفة بصريّة وتقنيّة لدى المشتغلين عليها، لاسيّما ببرامج الملتيميديا المقرونة بثقافة وغنى الأفكار المبتكرة، وامتلاك قدرة تصويريّة ذهنيّة للمواضيع المعاصرة، لإعادة بناء فكرة الفيلم برؤية تخيليّة.

نزعة إنسانية

وقال الدكتور محمد برو رئيس قسم الاتصالات البصريّة في كلية الفنون الجميلة والتطبيقيّة بجامعة حلب لـ«البيان»: مثلت التقنية موقفاً ومنطقاً وظيفيّاً وبصريّاً جماليّاً فلسفيّاً، لأنها أدوات ووسائل ترسخ منطق السيطرة وتكشف الارتقاء التكنولوجي والتقني في عصر العولمة البصريّة، ما أدى إلى تحولات في بنية الرسوم المتحركة من خلال وسائل العرض غير التقليديّة أسهمت في زحزحة النزعة الإنسانيّة فيها، وصعود النزعة التكنولوجيّة، وذلك لتحقيق أكبر قدر ممكن من المعاصرة، لمواكبة واقع الثقافة الجماهيريّة ومجتمع الاستهلاك، حيث يُعد الحاسوب من أهم الأدوات التقنية المعاصرة التي أحدثت نقلة نوعيّة في الرسوم المتحركة، ومنح هذا الفن صفة رقميّة لتشكيل أسس جديدة في الإبداع الفني، عن طريق الفن الرقمي في إيجاد معايير جماليّة ووظيفيّة جديدة، أفضت إلى تحول في العملية الفنيّة، وظهور علاقة ماديّة وافتراضيّة في المحتوى البصري للرسوم المتحركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى