إقتصاد

معجزة إقتصادية… تايوان الدولة الوحيدة التي قّهرت الجائحة

كتب سامي خليفة

وجَّهت جائحة كورونا ضربة موجعة إلى اقتصاد عالمي يعاني بالفعل من الهشاشة. ومع أن النطاق الكامل للآثار البشرية والاقتصادية للجائحة لن يتضح قبل مرور بعض الوقت، فإن الخسائر في هذين المجالين ستكون كبيرة. وتجعل مواطن الضعف القائمة بالفعل على صعيد الاقتصاد الكلي بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية عرضةً لاضطرابات اقتصادية ومالية. ورغم ذلك هناك استثناءً وحيدًا خرق هذا المشهد الكئيب، وموقعه في تايوان التي كان اقتصادها مثيرًا للإعجاب عام 2020.

معجزة إقتصادية

 وفقًا لأحدث البيانات من قسم الإحصاء التايواني، استمر معدل النمو الاقتصادي في الارتفاع على أساس سنوي في الربع الثالث من هذا العام، حيث وصل إلى 3.33 في المئة، وهو تحسن مطرد مقارنة بالربعين السابقين. وفي مقارنة بمعدلات النمو السالبة في كوريا الجنوبية 1.3- في المئة، وسنغافورة 7- في المئة، وهونغ كونغ 3.4- في المئة خلال نفس الفترة، فإن معدل النمو في تايوان ليس الأعلى فحسب بين المناطق المذكورة، ولكنه أيضًا المنطقة الوحيدة ذات النمو الإيجابي، حيث احتلت المرتبة الأولى بين النمور الآسيوية الأربعة.

تُقدر أحدث التوقعات الاقتصادية الصادرة عن المديرية العامة للميزانية العامة لتايوان معدل النمو الاقتصادي في عام 2020 بنحو 1.56 في المئة، وهو أحد الاقتصادات القليلة التي تتمتع بنمو إيجابي في العالم. ويؤكد المحللون الاقتصاديون أن تايوان لديها اقتصاد يعتمد بشكل كبير على العوامل الخارجية، بينما يتأثر أيضًا بشكل كبير بالاحتكاكات الجيوسياسية في الوقت عينه. وفي ظل هذه الظروف، لا تقل التنمية الاقتصادية في تايوان عن كونها معجزة.

الوقاية من الجائحة

 أما السبب الذي يجعل الاقتصاد التايواني فريدًا من نوعه بينما يعاني بقية العالم من الانهيار وظروف معاكسة متعددة، فيعود إلى تحقيق تايوان أداءً جيدًا في العديد من الجوانب، بما في ذلك الوقاية من كوفيد-19، والسيطرة عليه، والريادة في الصناعات والاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية.

وفيما يتعلق بالوقاية من كوفيد-19 والسيطرة عليه، جنّبت سلطات تايوان الوباء من التدخل في الأنشطة الاقتصادية إلى أقصى حد. واعتبارًا من شهر مارس/ أذار من عام 2020، فرضت تايوان حجرًا صحيًا صارمًا لمدة أسبوعين على السكان العائدين إلى الجزيرة. ما مكّنها من تجنب الدخول في حالة حظر. ونظرًا لإجراءاتها الوقائية والمراقبة الفعالة في الوقت المناسب، إلى جانب الحجم الصغير للجزيرة الذي يجعل من السهل عزلها عن الخارج، لم تبلغ تايوان إلا عن 563 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس و 7 وفيات فحسب. وبذلك تُعد فعالية الوقاية من الوباء ومكافحته في تايوان أمرًا فريدًا في العالم، وهو يضمن أن النظام الاجتماعي والاقتصادي المحلي يمكن أن يحتفظ بشعور من الحياة الطبيعية، مع عدم تأثر الإنتاج والحياة بشكل أساسي.

من حيث مساهمة الطلبات الرئيسية الثلاثة في النمو الاقتصادي لتايوان، فإن الصادرات هي العامل الدافع الرئيس. وبحسب الإحصاءات، بلغت قيمة الصادرات التراكمية لتايوان في الأشهر الثمانية الأولى 217.38 مليار دولار أميركي، بزيادة قدرها 1.5 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي. ووصلت صادرات تايوان في سبتمبر/ أيلول المنصرم إلى 50.03 مليار دولار أميركي، وهو رقم قياسي في شهر واحد، بزيادة قدرها 9.9 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي.

دور الصادرات

 فوق هذا وذاك، تمتلك صناعة أشباه الموصلات ( صناعة الإلكترونيات الدقيقة ) في تايوان أكبر المساهمات في الإقتصاد. ويقول المحللون إنه بسبب المهنيين الذين يعملون من المنزل في ظل الوباء، هناك المزيد من الطلبات على أجهزة الكمبيوتر والشاشات والهواتف الذكية، ما وضع تايوان في وضع متميز بشكل خاص في التجارة الخارجية لعام 2020. ولقد أفاد الطلب الخارجي المذكور أعلاه الشركات ذات الصلة كثيرًا. من بينها، زاد الدخل التشغيلي لشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية الرائدة في الصناعة (TSMC) في الربع الثالث بنسبة 22 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي إلى 356.4 مليار دولار تايواني (حوالي 12.14 مليار دولار أميركي)، بينما ارتفع صافي الربح بنسبة 36 في المئة إلى 137.3 مليار دولار تايواني (4.78 مليار دولار أميركي)، وسجل كل منها أعلى مستوى قياسي على أساس ربع سنوي. كما بلغ هامش الربح الصافي لشركة TSMC في الربع الثالث 38.5 في المئة، وبلغ هامش الربح الإجمالي 53.9 في المئة، وهامش الربح التشغيلي 42.1 في المئة، وهي أرقام مدهشة إذا ما قارناها بباقي شركات العالم.

إلى جانب ذلك، دعمت العلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين تايوان والبر الرئيسي بشكل ثابت التطور المطرد للاقتصاد التايواني. ومع نجاح البر الرئيسي في منع تفشي الجائحة والسيطرة عليها، شكّل الاستقرار العام للاقتصاد والتجارة الخارجية ضمانة فعالة للنمو الاقتصادي في تايوان. ووفقًا لإحصاءات الإدارة العامة للجمارك في البر الرئيس للصين، فإنه على الرغم من تأثير الوباء، ارتفع حجم التجارة عبر المضيق في الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام بنسبة 12.4 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل إلى 185.4 مليار دولار أميركي. وترجع هذه الزيادة بشكل أساسي إلى زيادة صادرات تايوان إلى البر الرئيسي، والتي تمثل ما يقرب من 80 في المئة من حجم التجارة عبر المضيق، ما يسمح لتايوان بالاستمتاع بفائض تجاري يقارب 100 مليار دولار أميركي. ونذكر في السياق، أن الشركات الممولة من تايوان حققت أرباحًا طائلة من الاستثمار في البر الرئيسي، ولعب الارتباط بين السلاسل الصناعية في المنبع والمصب دورًا قويًا في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين جانبي المضيق.

جهود استثنائية

تتمتع منطقة جنوب شرق آسيا وهي محور سياسة تايوان الجديدة تجاه الجنوب، بأداء جيد نسبيًا من حيث الوقاية من فيروس كورونا ومكافحته، فضلاً عن الإنجازات الاقتصادية، كما تُعد أيضًا عاملاً مهمًا للاستقرار والنمو الاقتصادي في تايوان. بدورها، تُعد “الآسيان” ( رابطة دول جنوب شرق آسيا ) حاليًا، ثاني أكبر شريك تجاري لتايوان وثاني أكبر وجهة استثمارية. في السنوات الأخيرة، أصبحت دول جنوب شرق آسيا مثل فيتنام جذابة بشكل متزايد للاستثمار الأجنبي في تايوان. وفي عام 2018، استحوذت على 6.3 في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي في تايوان.

وبشكلٍ عام، يمكن القول أنه على الرغم من البيئة السيئة العامة للاقتصاد العالمي تحت تأثير الجائحة، لا تزال تايوان تتمتع بمساحة تنموية فريدة في بيئة غير مواتية من خلال جهودها الخاصة، وهيكلها الصناعي الخاص، وقدراتها التقنية، والدعم من بيئتها الخارجية. كل هذا جعلها تتجنب تأثير الجائحة، بينما أعطت دورًا كاملاً لمزايا الصناعة وتحقيق أداء اقتصادي أفضل. وجدير الذكر أن الأداء الجيد للاقتصاد التايواني والصناعات الرائدة في ظل كوفيد-19 قد وفر للسلطات التايوانية الثقة الاقتصادية، إضافةً إلى دعم اقتصادي قوي نسبيًا لعملية صنع القرار السياسي والاقتصادي لقادتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى