جاليات

“الحكواتي” احمد كبارة يعيد “المطبخ الطرابلسي” الى الحياة في المغتربات

حمل أحلامه وسافر بعيدًا، تنقّل في ثنايا الغربة باحثًا عن “الأنا” المكلّلة بالطموح وتحقيق الذات، ومن الدول التي قاده شغفه للنجاح فيها تعلّم حب المغامرة هو الذي أرست قواعد لعبة الاستقرار ظلالها معه في بلاد القيقب حيث البرد وبياض الثلج نسجا في ذاكرته خيوطًا جديدة بما يعرف بالحنين، وها هنا بات للحكواتي الف حكاية وحكاية بدأت من دراسته في ادارة الاعمال ولن تنتهي لا مع المطبخ الطرابلسي ولا مع حكايات العز والديمومة والاستقرار، هو أحمد كبارة الشمالي الهوى والهوية الكندي المنتشر في اوتاوا منذ ما يقارب العشر سنوات الذي التقيناه للتعرف على مسيرته وعلى الماضي الحاضر في ذهنه وفي المجتمع الذي يرنو اليه.

“لماذا الحكواتي” في بلاد فيها الفرنجي فرجة “سؤال بادرنا الى طرحه فور سماع اللهجة الطرابلسية حاضرة وبقوة فيما بيننا، ولانه عميق التفكير ويعرف حشرية الصحافي أجاب وعلى الفور “في الحقيقة، لم نستطع في  بلادنا الأم ان نحافظ على موروثاتنا وتقاليدنا وعاداتنا بشكل كبير، وكلما تغرّبنا كلما زاد تعلقنا بماضينا وحضارتنا وتاريخ اهلنا واجدادنا أكثر، صحيح ان بعضًا منها اندثر مع التطور والتقنيات الا ان ما تبقّى منها يعلّم فينا ويعلّمنا، وهذا ما حصل ويحصل مع الحكواتي الذي يخبر القصص بقالب تربوي ترفيهي جذاب واضعًا عصارة جهد وخبرة حياة متناقلة من جيل لجيل، واليوم ومع الحكواتي وتحديدًا الطرابلسي الذي لم اربطه اطلاقًا بشهر رمضان المبارك عاد للعروض ذاك العزّ الذي اعتاده ماضينا وباتت الناس تنتظر حكاياه بكل شوق وفرح”.

وعن انطلاقة صفحته المتخصصة بالموائد الطرابلسية تحديدًا الى اخرى متنوعة ترضي الكثير من الاذواق وتضفي نوعًا جديدًا من التحدّي والحداثة اجاب كبارة “في الحقيقة انا اعيش لأتمتّع بالاكل، لا اتناول الطعام لأعيش، لذا خطرت في بالي فكرة من خلال ترحالي وما بعدها استقراري في كندا، لا سيما وانني من محبذي الاكل البيتي، إعداد اطباق سهلة وبسيطة اتشارك من خلالها مع المغتربين لا سيما المبتدئين في الطبخ منهم، عبر صفحة الكترونية أنشأتها لهذه الغاية والتي سرعان ما ضاهت نظيراتها بفرض نفسها على محبي الطبخ والمطبخ هي المتميزة بنشر الثقافة والتراث الطرابلسي ليس في كندا قط انما في كلّ العالم، خصوصًا واننا نتميز بالتنظيم الدقيق في عرض الاطعمة ومكوناتها وذلك من خلال الصور المعروضة وطريقة عرض محتوى الطهي التي تكون اما من ادارة الصفحة واما بمشاركة المجموعة المنضوية في الواتس اب وفي غالبيتهم من المغتربين”.

جَمَعَ عاشق التراث بين متضادين متحابين متنافسين احدهما يتعلق بالبطن “المليان” مع الطبخ التراثي وثانيهما بالفكر “المتيقن” مع الحكايا المسلية وما بينهما عاد للطربوش الاحمر والزي الفولكلوري القديم الرونق الذي ومهما طغت عليهما عناوين وتفاصيل التقدم والحضارة يظلان ذاك السحر العريق المترابط حبًا مع ماضينا اللبناني الحبيب.

“المطبخ الطرابلسيّ” و “الحكواتي” عنهما يخبر كبارة “البداية عبر منصات التواصل الاجتماعي، بسبب جائحة كورونا التي فرضت علينا الالتزام بمنازلنا، ومن طبق عريق الى آخر تراثي طرحت فكرة الحكواتي بنكهته الخاصة ومن حلقة الى اخرى، ومن قصة جميلة الى اخرى مؤثرة وما بعدها مشوقة أثبت الحكواتي الطرابلسي المتمكن بفن السرد والطبخ حضوره افتراضيًا قبل الانتقال الى الحضور اليومي خلال شهر رمضان المبارك وما بعده الى ايام لا علاقة لها بالمناسبات انما فقط للتعرف على قصص من الماضي يجيد طرحها بانسيابية تذكّرنا بجدّو وتيتا ومن دار حولهما”.

وأضاف متحدثًا عن القصص التي يقدمها ودائما باللهجة الطرابلسية للكنديين من اصول لبنانية “انها في الغالب من القصص المعروفة كمثل عبلة وعنترة، شهرزاد والف ليلة وليلة وغيرها الكثير من القصص التي رافقت سهرات اجدادنا واهالينا، ومنها ما هو من انتاج فريق الواتس اب، حتى اننا ادخلنا الحزورة المغنّاة والمتضمنة مواضيع عن الطبخ لنمسك مجد تراثنا من كل الاطراف، هذا ناهيك عن الافكار المتجددة دائما والتي نهدف من خلالها الى  تقديم التسلية والافادة لكل من يتابعنا والذين وصل عددهم الى الآلاف من مختلف الثقافات والمناطق”.

الحكواتي يسكن داخل كبارة ام كبارة يرغب العيش في امجاد الحكواتي، فكرة تطرأ على البال كل مرة التقيته يتقمّص فيها شخصية الحكواتي، المودرن بلباسه الحديث مع الحفاظ على الطربوش، الديني بالقنباز والمشلح، الفولكلوري بالشروال والقميص الملوّن ودائمًا دون ان ينسى الحلوى والسكاكر التي تجد راحتها في جيوبه لزوم اصدقائه الاطفال الذين لطالما خصّهم بقصص واخبار تحاكي اعمارهم الطرية وتفيد ذاكرتهم، والتفسير واحد الحكواتي هو نفسه أحمد كبارة “عاشق التراث ودون هوادة والذي لأجل تأكيدها اشترى ملابسها من منبعها الام منعًا لأي تأويل أو ادعاء وافتراض لا اصل له ولا حتى فصل.

في حكاياه يركّز احمد على اللغة الفصحى هو الذي يجيدها بإتقان، فاللغة الأم احد ابواب حضورنا المشرقي وبالتالي موضوع المحافظة عليها واجب مهم على كل من يود ايصال فكرة معينة عن تراثنا واهلنا فكيف اذا كان الموضوع متعلق بصلب تاريخنا المناطقي الجميل؟ كما ويهتم وبعناية بطريقة الإلقاء التي باتت سمة لطيفة في امسياته الحكواتية، تؤهله وبشطارة لايصال المعلومة بصوته المتمكن الى الحضور الذي بات ينتظر مفاجآته وحكاياه من حلقة الى اخرى.

أسس كبارة استوديو خاص لتصوير وانتاج برامجه بهدف اتمام مهمته بشكلها الصحيح والمتكامل، وهو لطالما يُصرّ ويؤكد على روح الفريق الذي يدعمه، فهو يتشاور معه، يتبنى اي فكرة بنّاءة يطرحها احد الاعضاء، هم الذين يعملون يدًا بيد لنشر ثقافة صفحتهم امام اكبر عدد ممكن من المتابعين، لكل واحد منهم مهمة خاصة من التدقيق اللغوي الى متابعة المحتوى ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى طارحي الافكار والى والى… حيث يحلو المقام، يا سادة يا كرام: لا يحلو الكلام، إلا بذكر خير الأنام، عليه الصلاة والسلام.

وختم الحكواتي احمد حديثه مؤكدًا ان لا حدود لشغفه ولا لأفكاره وحكاياه التي لم ولن تنتهي، لافتًا الى ان الطبخ الذي يعلّمه عبر مواقع التواصل لن يكون مهنته في المستقبل وإن كان يأمل ان يصبح يومًا ما ممتهنًا “للحكواتي” الذي كان ولما يزل جزء منه لا يتجزأ.

No photo description available.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى