إقتصاد

انتعاشة مرتقبة لمبيعات المحروقات بالجزائر.. وهذه هي الأسباب

أسهم العام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية، في صياغة تحولات كبيرة بقطاع الطاقة الذي كانت تسيطر عليه موسكو، ومع القرب الجغرافي لدولة الجزائر، من أكبر عملاء روسيا، أصبحت تظهر في الأفق كمنافس في تصدير الغاز تحديداً، لا سيَّما وأنها تحتل المرتبة الثالثة في تصدير المحروقات لأوروبا بعد روسيا والنرويج.
وبحسب محللين، لن يكون من المأمول إحلال الصادرات الجزائرية من الغاز والنفط محل الصادرات الروسية بالكامل، لكن يمكنها أن تصبح جزءاً من حل الأزمة التي عصفت بالقارة العجوز في خضم حرب أزّمت العلاقات الاقتصادية مع الدب الروسي، وصعبت من عودتها في الأفق المنظور. فأين موقع الجزائر الآن من معادلة أزمة الطاقة الأوروبية؟
الجغرافيا تخدم روما
تعدّ إيطاليا من بين أكبر الدول الأوروبية التي تستهدف التوقف عن استقبال واردات الطاقة الروسية، تماشياً مع التحرك الأوروبي لتقليل الاعتماد على إمدادات موسكو.
وفي سبيل المساعي الإيطالية، وقعت روما اتفاقيات مع دول إفريقية للاستفادة من القرب الجغرافي، في مقدمتها مصر والجزائر؛ لتأمين إمدادات إضافية من الغاز، مع خطط لإنشاء محطات لاستقبال الغاز المسال.
جاءت تصريحات، كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، في يناير الماضي، لتعزيز توجهات روما، إذ أفاد بأنّ إمدادات الغاز الجزائري إلى إيطاليا، ستصل إلى 28 مليار متر مكعب بحلول 2024، وفي الفترة نفسها “شتاء 2024 -2025” ستتوقف بلاده عن استيراد الغاز الروسي تماماً.
وأوضح: أنّه “تم تعويض نحو 50 بالمئة من واردات الغاز الروسي التي كانت تستقبلها من خلال زيادة الإمدادات من أفريقيا، في الفترة الأخيرة”.
اكتشافات في توقيت ذهبي
تزامن ظهور الجزائر في مشهد الطاقة العالمي مع طفرة في حجم الاكتشافات لآبار الغاز والنفط خلال العام الفائت، إذ سجّلت فيه 7 اكتشافات جديدة، مما يدعم خطط الحكومة في الاتجاه نحو مزيد من الإنتاج؛ لتغطية حجم الطلب المتنامي من أوروبا، مع تفاقم أزمة الحرب والخلافات بين الغرب وروسيا.
 بحسب تصريحات رسمية، نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في يونيو الماضي، عن المدير العام لمجمع سوناطراك، توفيق حكار، فقد سجّلت الجزائر خلال آخر عامين عبر شركتها “سوناطراك” 35 اكتشافاً جديداً، بقطاعي النفط والغاز، بحجم إجمالي مقدر بنحو 307 مليون طن من النفط المكافئ.
حيث استثمرت الحكومة الجزائرية ما لا يقل عن 7 مليارات دولار في عدة مشاريع في طور الإنجاز، ومن المتوقع أن تسهم في الإنتاج بكمية 20 مليون طن معادل بترول لكل سنة.
حكار أكَّد أن النمو في قيمة الصادرات سيستمر بعد ارتفاع قيمة ما صدّرته الشركة في عام 2021 على أساس سنوي بنسبة 75 بالمئة، بعد أن بلغت القيمة الإجمالية نحو 35.4 مليار دولار، متوقعاً بلوغها 50 مليار دولار بنهاية عام 2022، والذي لم تصدر أية بيانات رسمية بشأنه حتى كتابة تلك السطور.
تمتلك الجزائر 4 خطوط لإسالة الغاز الطبيعي بطاقة إجمالية تقارب 56 مليون متر مكعب سنوياً، وخطين لفصل غاز النفط المسال، بالإضافة إلى أسطول مهم من ناقلات الغاز المسال، والنفط الخام والمواد النفطية.
وبحسب بيانات وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، يبلغ المتوسط السنوي لصادرات منتجات المحروقات نحو 91 مليون طن من النفط المكافئ منذ عام 1971، وتسعى الحكومة الجزائرية إلى تطوير نشاط المنبع لتوسيع قاعدة الاحتياطات، لا سيَّما الغاز من أجل زيادة الإنتاج من طريق تكثيف جهود البحث والاستكشاف، بالشراكة مع الشركات الأجنبية، وتحسين أداء الاستكشاف وعمليات استغلال مكامن المحروقات.
شيفرون الأميركية تعلن عن استثمار 17 مليار دولار في الجزائر
ارتفاع الأسعار يدفع قفزة قيمة المبيعات
في هذا الصدد، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن خلدون الجزائرية، الدكتور عبد الرحمن عية، أنّ الانتعاش في حجم وقيم المبيعات خلال العام الماضي، يقوده ارتفاع متوسط أسعار النفط إلى 95 دولار للبرميل، مع احتدّام الأزمات الاقتصادية العالمية.
يرجّح عية في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية أنّ يكون العام الماضي قد شهد تصدير كميات إضافية لتغطية الطلب الأوروبي على استيراد الغاز الطبيعي، تبلغ نحو 5 مليار متر مكعب، ذهب معظمها إلى إيطاليا.
يوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن خلدون الجزائرية أنّ الجزائر تبيع نوعين من الغاز الطبيعي، الأول يتم تصديره عبر الأنابيب وهو مرتبط بالسعر وقت التعاقد، والنوع الثاني الذي يتم تصديره عبر الناقلات، وهذا النوع يكون سعره خاضعاً لتحركات الأسواق الفورية للذهب الأسود، ويمثل نحو 40 بالمئة من الغاز المسال الذي تنتجه الدولة.
ويلفت إلى أنّ قيمة المبيعات الإجمالية يمكن أن تصل إلى 45 مليار دولار، بنهاية العام الماضي. يشار هنا إلى أنّ إيطاليا تُخطط لاستخدام كامل طاقة خط أنابيب الغاز “ترانسميد” مع الجزائر بسعة 36 مليار متر مكعب، حيث لا تزال هناك 10 مليارات من الطاقة الاحتياطية غير مستغلة.
دور جزائري متصاعد
من جهته، يقول مدير المركز العالمي للدراسات التنموية بالمملكة المتحدة، صادق الركابي، إنّ استهلاك الغاز محلياً بالجزائر لزيادة إنتاج المكامن النفطية، يمثل مشكلة في زيادة حجم إنتاج النفط بشكل عام، لكن مع تخفيض منظمة “أوبك” للإنتاج يمكن الاستفادة من فائض الغاز الذي كان يوجه لتعزيز عمليات الإنتاج.
ويضيف الركابي لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية أنّ معدلات الصادرات الجزائرية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا مرشحة للانتعاش، بالوصول إلى 22 مليار متر مكعب بحلول عام 2024، في ظل الحاجة الماسة لأوروبا بعد الاستغناء عن إمدادات روسيا، لذا تعمل الجزائر مع أوروبا على تقليل الاستهلاك المحلي من الغاز، مع الدفع نحو زيادة الاكتشافات وتطوير حقول الغاز مثل حقل حاسي الرمل.
ويستطرد: “هذا التطور البالغ سيسمح بدور متصاعد للجزائر في سوق الغاز العالمية للاستفادة من إمكانياتها التي كانت بحاجة للدعم الحكومي بقوة”.
الجزائر بديلاً؟
في السياق، يشير أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، حمود الصالحي، في تصريحات خاصة لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، إلى أنّ نسبة مساهمة روسيا في تغطية الاحتياجات الأوروبية من الغاز الطبيعي تصل إلى 47 بالمئة، بينما تغطي الجزائر نسبة 11 بالمئة، ولكن رغم هذا الفارق يمكن للجزائر أن تكون مورداً مهماً جداً للغاز في الفترة المقبلة، متوقعاً أنّ يكون لديها القدرة على ذلك.
لكن أستاذ العلاقات الدولية، يرى أهمية أن تكون هناك نظرة واقعية لقدرات الجزائر على توفير الغاز لأوروبا، لافتاً إلى وجود بعض المشكلات، مثل: الطاقة الإنتاجية، والبيروقراطية، والمشاكل السياسية الحالية مع إسبانيا.
وأشاد الصالحي بتحركات الجزائر في ملف الطاقة، معتبراً أن هذه التحركات ستسهم في خلق فاعلية وتأثير أكبر للجزائر في المنطقة، لكنه يشدد في الوقت نفسه على ضرورة عدم المساس سلبياً بالعلاقات الممتدة مع موسكو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى