إقتصاد

بريطانيا.. ثمانية دروس مستفادة من “الاضطرابات المصرفية”

تعيش المملكة المتحدة حالة تأهب قصوى، في ظلال “الاضطرابات المصرفية” على جانبي الأطلسي، والتي خلقت حالة من الذعر في صفوف المستثمرين، وأعادت إلى الواجهة من جديد المخاوف المرتبطة بتكرار سيناريو الأزمة المالية العالمية في العام 2008.
في بريطانيا، بعث المسؤولون الاقتصاديون والماليون برسائل طمأنة “في مرحلة شديدة التوتر والحرص”، مشيرين إلى متانة القطاع المصرفي بالبلاد، وهو ما أكده محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، في إفادته قبل أيام أمام أعضاء بالبرلمان.
وبرغم محاولات المسؤولين تهدئة المودعين والمستثمرين بالبلاد، إلا أن المخاوف لم تنقطع في ظل حالة عدم اليقين الراهنة، بينما على الجانب الآخر يبحث المحللون في الدروس المستفادة التي يُمكن لبريطانيا تعلمها من الأزمة الأخيرة التي عصفت بسيلكون فالي وسيغنتشر في الولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى أزمة كريدي سويس في سويسرا، رغم اختلاف العوامل والظروف التي أدت إلى تلك الأزمات.
إن مشهد المنظمين والقادة السياسيين والمصرفيين الذين يقضون عطلات نهاية الأسبوع بلا نوم في إدارة حالات الإعسار وعمليات الإنقاذ وعمليات الاستحواذ، على خلفية مؤشرات الأسواق المترنحة، أثار ذكريات العام 2008 والانهيار المالي.
إلى أي مدى يُمكن لبريطانيا أن تقلق من تبعات الأزمة المصرفية؟
ومن هذا المنطلق، وتحت عنوان “الاضطرابات المصرفية: إلى أي مدى يجب أن نكون قلقين في بريطانيا؟”، حلل الصحافي البريطاني، بول كيلسو، في “سكاي نيوز”، موقف بريطانيا من الأزمة الحالية، مُفنداً تصريحات أندرو بيلي، والتي ذكر فيها أنه:
“لا داعي للذعر”.
الأحداث الأخيرة جعلت هذه لحظة “تصاعد التوتر واليقظة”، ولكن هذه المقارنات مع 2008 خاطئة.. حتى الآن، فإن اللوائح البريطانية التي أدخلت بعد الانهيار تجتاز الاختبار.
في حين أن القضايا التي أسقطت سيلكون فالي وكريدي سويس منفصلة، فإن الترابط بين النظام المالي يعني أنه لا يمكن تجاهل خطر العدوى.
وجهة نظري القوية للنظام المصرفي في المملكة المتحدة هي أنه في وضع قوي للغاية “لكن هناك تحركات في الأسواق لاختبار الشركات، فهي لا تستند إلى نقاط ضعف محددة ، بل إنها تختبر.. هناك الكثير من الاختبارات الجارية.”
ويشير الصحافي البريطاني إلى أن بيلي وجد نفسه متورطاً بشكل مباشر في تداعيات سيلكون فالي، حيث قام بهندسة بيع فرعها في المملكة المتحدة إلى”إتش أس بي سي”، وقال إن الإجراءات التي اتخذها البنك أثبتت قيمة التنظيم الجديد.
وكان لسيلكون فالي وجود مميز في المملكة المتحدة؛ لأن فرعها البريطاني قد نما إلى حد كان مطلوباً إلى أن تصبح شركة تابعة منفصلة.
ويُلفت إلى أن ثمة دروساً يتعين تعلمها من تلك الأزمة، ومن هذا المنطلق فإنهم “سيعيدون فحص ما إذا كانت اختبارات الضغط الحالية للبنوك التي تحكم السيولة (كمية النقد التي يجب أن تمتلكها البنوك لامتصاص الصدمات) كافية من عدمه”.
بريطانيا تعلمت من دروس 2008 جيداً!
يُعلق مدير مؤسسة جونسس للأبحاث في لندن، عمار وقاف، في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بقوله إن هناك شعوراً عاماً في بريطانيا بأن الحكومات والمصارف المركزية تعلمت ما يكفي من الدروس بعد الأزمة المصرفية في العام 2008.
عزز هذا الشعور التحرك السريع لمصرف “إتش أس بي سي” السريع لشراء عمليات مصرف سيلكون فالي البريطاني؛ لاحتواء تداعيات انهياره على قطاع التكنولوجيا الناشئ في هذا البلد.
ويتابع وقاف: إلا أن هذا التحرك قد اصطدم لاحقاً باتهامات من شريحة واسعة من حملة أسهم مصرف إتش أس بي سي في شرق آسيا بأنه خضع لإملاءات الحكومة البريطانية وقام بعملية شراء أصول مشكوك بها دون تدقيق كاف.
ويعكس هذا نوعاً من التوتر يشعر به كبار المستثمرين، ليس فقط بسبب الخشية من تضاؤل أرباحهم، وإنما خوفاً من ضعف يصيب ثقة المستثمرين الآخرين مما قد يؤدي لأزمة تشابه تلك التي أصابت مصرف كريدي سويس السويسري.
ويختتم وقاف بقوله: يمكن القول إن الوضع غير مستقر تماماً، وهناك حال من الترقب بين المستثمرين والصناديق المالية الذين يخشون من تبخر استثماراتهم.
تضاف إلى ذلك حالة من القلق العامة نتيجة تداعيات الحرب في أوكرانيا على أسعار الطاقة وخطوط الإمداد. مع ذلك، يمكن القول إن الأجواء بعيدة نسبياً عن حالة الهلع التي أصابت الأسواق إبان الأزمة المالية العالمية في العام 2008.
ثمانية دروس يُمكن لبريطانيا أن تتعلمها من الأزمة
وفي مقال له بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، حدد الكاتب الصحافي البريطاني، مارتن وولف، ثمانية دروس أساسية يتعين على بريطانيا تعلمها من الأزمة المصرفية، لا سيما وأن “البنوك صناعة دولية والمملكة المتحدة مركز مالي مهم”، والدروس كالتالي:
أولاً: إن مؤسسة مالية مفتوحة مثل بريطانيا معرضة للإخفاقات التنظيمية في أماكن أخرى. وبالتالي “كان من المفيد أن يكون بنك سيلكون فالي في المملكة المتحدة فرعاً محاطاً بحلقات وليس فرعاً منفصلاً. وقد سمح ذلك لبريطانيا بحل الأزمة بسرعة وبشكل مستقل.
ثانياً: في ضوء ما أظهرته أزمة كريدي سويس بخصوص صعوبة فرض قرار منظم على المؤسسات الحساسة سياسياً، بالتالي “تحتاج بريطانيا إلى النظر فيما إذا كانت ستعمل بشكل أفضل في حالة مماثلة وكيف يتم ذلك؟”.
ثالثاً: من الضروري بالنسبة للبنوك أن يكون لديها الكثير من الأسهم ومثل هذه السيولة القوية بحيث يشعر جميع المودعين بالأمان.
رابعًا ، يتعين تجنب الثغرات الكبيرة في الشبكة التنظيمية (..) ويبدو أن السلطات البريطانية كانت أكثر وعياً بالمخاطر التي أوجدتها مثل هذه الخسائر أكثر من تلك الموجودة في الولايات المتحدة.
خامساً: عمليات الإنقاذ دائماً ما تكون مهمة بشكل منهجي (وأبرز الكاتب تحت هذا العنوان عدداً من الإجراءات ذات الصلة من أجل تقليل المخاطر).
سادساً: توضح أزمة سيلكون فالي أهمية الإدارة المسؤولة (..) هذه ليست مجرد أعمال تجارية مربحة، ولكن أيضاً مرافق مدعومة بعدد من الطرق من قبل دافعي الضرائب.
سابعاً: ينبغي التفكير ملياً قبل فتح ثغرات في النظام التنظيمي في حالة الطوارئ (..) من خلال منح “إتش أس بي سي” إعفاءات في استحواذها على سيلكون فالي في بريطانيا، فتحت الحكومة ثغرة يحتمل أن تكون خطرة، ويجب إغلاق هذا في أسرع وقت ممكن.
ثامناً: أفضل حماية ضد الأزمات المصرفية الضخمة العرضية هي الأزمات الصغيرة المتكررة.
النظام المصرفي البريطاني لا يزال قوياً ومرناً
من جانبه، يشير المحلل الاقتصادي بصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، الدكتور أنور القاسم، في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أنه من الواضح أن الحكومة البريطانية أدركت فوراً أن شركات قطاع التكنولوجيا فيها ستتأثر بشكل كبير لأنها تعتمد على التمويل مقابل الودائع لتغطية تكاليفها اليومية. وقد استجابت لطلب من الشركات الكبرى للتدخل من أجل احتواء تداعيات الانهيارات المصرفية التي بدأت بالولايات المتحدة الأميركية ومرت بسويسرا وأخذت بطريقها معظم أداءات أسهم البنوك الأوروبية.
وتبعاً لذلك، يشدد على أن “النظام المصرفي البريطاني لا يزال قوياً ومرناً، كما ترى الحكومة البريطانية.. وبموجب إجراءات إفلاس البنوك في بريطانيا، يحق لبعض المودعين الحصول على ما يصل إلى 85 ألف جنيه إسترليني (102 ألف دولار) كتعويض عن الودائع المفقودة أو 170 ألف جنيه إسترليني عن الحسابات المشتركة”.
لكنه يشير إلى أن أصداء الانهيارات الأخيرة ما زالت تتردد في الأسواق المالية العالمية التي بدت وكأن أزمة جديدة تحاصرها على غرار تلك الأزمة التي شهدها العالم قبل 15عاماً. ولا ريب أن الأزمة الجديدة ألقت بالكثير من الأسئلة على كاهل عالم المال والأعمال في مختلف أنحاء العالم، مردفاً: “القضية في اعتقادي لم تنته رغم ضخ البنك الفيدرالي الأميركي سيولة لتغطية الودائع وكذلك فعلت حكومات غربية”.
صندوق النقد الدولي يراقب وكذلك البنك الدولي وهناك نشاط مصرفي مكثف على مستوى المصارف الدولية الكبرى لكن دون ضجيج إعلامي. والنتائج قد تظهر خلال النصف الثاني من هذا العام، بحسب القاسم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى