عدسات لاصقة «سحرية» لرؤية مثالية
إذا كنتم ترتدون نظارات طبية أو عدسات لاصقة، فستشعرون كأنّ حلماً من أفلام الخيال العلمي على وشك أن يتحقّق؛ فقد صمّم باحثون عدسات لاصقة جديدة حلزونية الشكل لتصحيح البصر. نعم، سترون كلّ شيء أمامكم بوضوحٍ تام من أيّ مسافة ومهما كانت حالتكم الطبية.
هذه العدسات ليست حلماً، إذ كشفت ورقة بحثية جديدة، نُشرت في دورية «أوبتيكا»، أنّ العدسات حقيقة ومن اختراع لوران غالينييه Laurent Galinier، الاختصاصي في قياس النظر الذي طوّر نظام قياس بصرياً دقيقاً، وقد باع الاختراع لشركة البصريات العالمية «إيسيلور» عام 2000.
يشرح برتراند سايمون، أحد الباحثين المشاركين في الورقة البحثية، في رسالة إلكترونية أنّ «غالينييه لاحظ أنّ بعض التشوّهات البصرية تسهم في تكوين خصائص تركيز (بصر) محدّدة. وقاده هذا الأمر إلى اعتماد تصميم حلزوني لكسيرة diopter (وهي وحدة قياس قوة البصر في العدسة) في العدسات بهدف التوصّل إلى التركيز المتعدّد للبصر».
سحر حلزوني
كيف يعمل السحر الحلزوني؟ يشرح سايمون أنّ العدسات الحلزونية صُمّمت بإعادة تشكيل سطح بوليمر بطريقة تتيح توليد دوامات بصرية بخصائص تركيز مختلفة.
تخيّلوا هذه الدوامات كأنّها حلقات مائية تلتقط أشعّة الضوء وتجعلها «تدور».
ومع دورانها في التصميم الحلزوني، تشكّل هذه الأشعّة نقاط اتصال مختلفة يتركّز فيها الضوء، وتمتلك هذه النقاط الإمكانية لتصحيح مشكلات البصر وجعل الأشياء تبدو أكثر وضوحاً حتى إن تغيّرت المسافة بينكم وبين ما تنظرون إليه.
في البصريات التقليدية، ينتقل الضوء في مسارات مستقيمة، ويغيّر اتجاهه عند اختراقه للعدسات لجعل الأجسام تبدو أكبر أو أصغر، وتصحيح التركيز على مسافات محدّدة؛ وهذه هي الطريقة التي تعمل بها اليوم النظارات الطبية، والمناظير، والكاميرات.
تعاني العدسات التصحيحية التقليدية من عيوب تظهر عندما يحرّك الشخص عينيه إلى الأعلى أو الأسفل للتركيز على أشياء بعيدة أو قريبة. ولكنّ الحال مختلف مع العدسات الجديدة التي تُظهر الأشياء مستقرّة وثابتة طوال الوقت، وفق الباحثين. وتنطوي هذه الخاصية على فائدة جوهرية للأشخاص الذين يعانون من بُعْد النظر الناتج عن التقدّم في السنّ، والخاضعين لعمليات الزرع.
تطبيقات طبية محتملة
يقول سايمون إنّ التقنية تعد بمجموعة واسعة من التطبيقات المحتملة، ومنها تقنيات العدسات اللاصقة، وجراحة إعتام عدسة العين بالزراعة الداخلية، وعلاجات اعتلال الشبكية، وأنظمة التصوير المصغّرة التي قد تُستخدم في الكاميرات والهواتف وطائرات الدرون.
علاوة على ذلك، قد تستفيد النظارات العادية من هذا التأثير، ولو أنّ سايمون يعترف بأنّ الشكل الحلزوني – الذي سيكون ظاهراً جزئياً على النظارات – قد يحول دون رغبة النّاس في اقتنائها.
يرجّح سايمون أنّ هذه العدسات ستحلّ محلّ العدسات التصحيحية التقليدية بعد نجاحها في اجتياز التجارب على المرضى، متحدّثاً عن نتائج واعدة خرجت من التجارب الأولى. ويضيف الباحث أنّ «المتطوعين أظهروا تحسّناً ملحوظاً في الدقّة البصرية عن مسافات متنوعة وفي ظروف ضوئية مختلفة».
إمكانات استثنائية
في الوقت الحالي، تستطيع العدسات الحلزونية تصحيح عيوب التكيّف (حالةٌ تتسبّب بخسارة العين لتركيزها)، وقصر النظر (مشكلة شائعة في العين تبدو بسببها الأجسام البعيدة غير واضحة)، وبعد النظر (عكس قصر النظر). يتحدّث سايمون عن إمكانية «دمج عدّة تصحيحات في عدسة واحدة»، ويسعى الفريق حالياً إلى إثبات كفاءة العدسة في حالات «الإستغماتزم»، التي تعدّ من أكثر الانحرافات البصرية شيوعاً.
وعندما سألنا عن قدرة العدسة على تصحيح تشوّه بقعي يؤثر في الشبكية، قال الباحث إنّها قد تستطيع أخيراً حلّ هذا النوع من المشكلات أيضاً، مشيراً إلى أنّ «التأكيد في هذه الحالة سيكون متسرعاً، ولكنّ أحد المشاركين في الدراسة يعاني من حالة مشابهة وشعر بتحسّن في نظره بعد ارتداء العدسات».
يطرح الفريق البحثي فرضيات كثيرة، إلّا أنّ أَجْرَأَها هو وصول هذه العدسة أخيراً إلى كفاءة تضمن حصول جميع الناس على بصرٍ مثالي، ولكنّ «الأمر لا يزال يحتاج إلى البرهنة العلمية»، وفق سايمون. ويعتقد الباحثون أن هذا التصميم قد يقود أخيراً إلى دقّة خارقة تؤدّي إلى بصر أكثر من «ممتاز». ولكنّ سايمون يشدّد على ضرورة التحفّظ؛ لأنّ هذه النظريات والملاحظات لا تزال أولية.
ويشرح أنّ الوصول إلى هذه المرحلة المتقدّمة في ظلّ التعقيدات التي يواجهونها حالياً، يدفعهم إلى «دراسة استخدام الذكاء الصناعي لترقية العدسة في المستقبل».
في الوقت الحالي، يعمل غالينييه على تحويل الإصدار الأوّل من هذه العدسات الحلزونية إلى منتجٍ حقيقي، حتّى إنّ شركته الناشئة تعكف على تطوير مجموعة من العدسات الطرية المخصصة للاستهلاك التجاري. علاوة على ذلك، يعمل غالينييه مع بعض الشركاء على استخدام التقنية لتطوير غرسات ونظارات.