علوم وتكنولوجيا

نموذج منطاد غوغل… كيف تعلم الذكاء الاصطناعي المناورة بلا توجيه؟

حدّق موظفو غوغل في شاشات الكومبيوتر مذهولين. فقد عكفوا شهوراً عديدة على تحسين خوارزمية مصممة لتوجيه منطاد غير مأهول من بورتوريكو إلى بيرو، لكنهم فوجئوا بحدوث أمر غير متوقع. فقد أخذ المنطاد، الذي يتحكم فيه #الذكاء الاصطناعي، ينحرف تدريجاً عن مساره. ولم يتمكن سلفاتور كانديدو، من مشروع “لون” الذي دشنته شركة “غوغل” لتوفير الإنترنت في المناطق النائية عبر مناطيد قبل أن تقرر إيقافه، من تفسير انحراف المنطاد عن مساره. واستعاد زملاؤه سريعاً السيطرة على النظام وأعادوا المنطاد يدوياً إلى المسار المحدد. ولم يفطنوا إلى سبب خروج المنطاد عن مساره إلا لاحقاً. فقد تعلم الذكاء الاصطناعي على متن المنطاد محاكاة مناورة قديمة في الإبحار طورها البشر منذ قرون أو ربما آلاف السنين. وتتضمن هذه المناورة توجيه المركبة لتمضي عكس اتجاه الرياح ثم تنحرف قليلا بعيداً عن الرياح لتتخذ مساراً متعرجا لكنها تظل في الاتجاه المطلوب. وقد تعلمت المناطيد ذاتية القيادة من تلقاء نفسها أن تغير اتجاهها بحسب اتجاه الرياح، إذا كانت الأحوال الجوية غير مواتية. لكن ما آثار دهشة الجميع، حتى الباحثين في المشروع، أنها تعلمت كل هذا دون توجيه من أحد. وهذا الوضع لم يعد غريبا، فقد بات يتكرر كلما أطلق البشر العنان للذكاء الاصطناعي ليتحكم في الأجهزة. فالذكاء الاصطناعي، خلافا لبرامج الكومبيوتر، مصمم لاستكشاف أساليب جديدة لتنفيذ المهمات التي لم يضع له المهندسون تعليمات لتنفيذها بالتفصيل. لكن الذكاء الاصطناعي أحيانا، أثناء تحليل المعلومات والبيانات، قد يبتكر أساليب خلاقة لتنفيذ المهمات المطلوبة إلى درجة قد تدهش الأشخاص الذي يتعاملون مع هذه الأنظمة طوال الوقت. صحيح أن هذا الأمر له مزايا عديدة، إلا أنه قد يجعل التنبؤ بالقرارات التي تتخذها الأجهزة التي يتحكم بها الذكاء الاصطناعي، كأجهزة الروبوت والسيارات ذاتية القيادة، مستحيلا. وقد تتسبب هذه القرارات في إيذاء البشر.

ثمة مثال بارز على قدرة الذكاء الاصطناعي على الاستكشاف والإبداع، كثيرا ما يردده الخبراء في هذا المجال. ويقول مارك ريدل، من معهد جورجيا للتكنولوجيا، إن الذكاء الاصطناعي قد أدهش الجميع عندما أثبتت شركة “ديب مايند” أن نظام “ألفاغو” الذي يعتمد على خوارزميات تعلم الآلة قد أتقن لعبة “غو” الصينية القديمة إلى درجة أنه تمكن من الفوز على بطل العالم في اللعبة.

وبينما أشادت شركة “ديب مايند” بقدرة نظامها “ألفاغو” على “ابتكار” طرق جديدة لهزيمة الخصم في لعبة يمارسها البشر منذ آلاف السنين، فقد تساءل البعض حول إمكان تحول هذا الذكاء الاصطناعي “المفكِر” إلى مصدر تهديد للبشر. وقد يفاجئ الذكاء الاصطناعي المطورين أيضا بقدرته على حل مشكلات مختلفة عن تلك التي صمم لحلها، لكن باستخدام النظام نفسه. فقد صممت شركة “أوبن أيه آي”، نظام “جي بي تي-2” للتنبؤ بالكلمات في العبارة بناء على الكلمات السابقة، وذلك بعد تحليل ملايين المقالات الإخبارية على الإنترنت وصفحات الويب. ويجب الإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي الذي يفاجئ مطوريه بسلوكيات غير متوقعة، لم يعد يقتصر على بيئات البحوث، بل قد وجد طريقه بالفعل إلى المنتجات التجارية. ففي أحد المصانع الألمانية، اكتشف ذراع روبوت طورته شركة “كوفاريانت” الأميركية، طرقاً غير متوقعة لفرز السلع أثناء مرورها على السير، رغم أنه لم يبرمج لإجراء عملية التصنيف والفرز. إذ تعلم الذكاء الاصطناعي المتحكم في الذراع الإمساك بالسلعة المغلفة بغلاف شفاف بدقة من المنتصف حتى لا تختلط بغيرها وتفلت من قبضة الروبوت.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى