انتخابات صعبة لإردوغان.. زلزال ورياح اقتصادية معاكسة
لفت تقرير لموقع بوليتيكو إلى أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يواجه أصعب انتخابات منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو عشرين سنة، وأنه في حال التزام الإدارة بالنزاهة “سينهزم” شريطة أن تتوحد المعارضة بشكل فعال.
لكن التقرير استدرك بالقول “لنكن صريحين، لن تلتزم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، المقررة في مايو بقواعد كوينزبري، ولا ينبغي التعامل معها على هذا النحو”.
وقواعد كوينزبري، هي جملة من التزامات التي تحتكم إليها رياضة الملاكمة، وتحدد جملة من الضوابط مثل توقيت الجولات والحَكَم، وغيرها من الشروط التي تؤطر المتبارزين.
هل تصدّق الانتخابات الاستطلاعات؟
تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن مرشح المعارضة التركي، كمال كليتشدار أوغلو، يتقدم على الرئيس الحالي بأكثر من 10 نقاط مئوية، قبل بضعة أسابيع من موعد الانتخابات.
ووفقا لذات الاستطلاعات، يبدو أن “تحالف الأمة” المكون من ستة أحزاب يمكن أن يحصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي ستنظم إلى جانب الانتخابات الرئاسية.
ويواجه هذا التحالف، حزب إردوغان “العدالة والتنمية” وشريكه اليميني المتشدد، حزب الحركة القومية، وفي حال فوزه، سيغير الواجهة السياسية للبلاد.
التقرير رجح ألا يستطيع إردوغان مواجهة هذا التكتل، خصوصا مع تنامي الغضب الشعبي في جنوب تركيا من استجابة الحكومة غير الكافية للإنقاذ والإغاثة إثر الزلازل المدمرة التي ضربت المنطقة.
وخلفت الكارثة المدمرة حتى الآن حوالي 48 ألف قتيل، وأثارت عدة شكاوى بسبب سوء التخطيط الحضري والتطبيق غير الصارم لقوانين البناء.
زلازل.. ورياح اقتصادية معاكسة
يلفت التقرير في الصدد، أن زلزالا مدمرا سابقا كان وراء فشل رئيس الوزراء السابق، بولنت أجاويد، وهو ما عجل ببلوغ إردوغان لسدة الحكم.
وعندما هز زلزال هائل منطقة إزميت بالقرب من إسطنبول في عام 1999، انتُقد أجاويد، بشدة، لفشله في توفير المساعدات بسرعة كافية.
وقتل في زلزال إزميت حوالي 18 ألف شخص، وساعدت صرخة المنكوبين في تمهيد الطريق لانتصار ساحق لحزب العدالة والتنمية، في الانتخابات التي جرت بعد ذلك.
لذلك، تأمل المعارضة الآن أن يكون زلزال السادس من الشهر الماضي سببا آخر لإنهاء حكم إردوغان.
علاوة على ذلك، يشتكي الأتراك من فشل السياسة الاقتصادية لإردوغان، حيث ساهمت “سياسته الغريبة” وفق وصف “بوليتيكو” في خفض أسعار الفائدة في ارتفاع نسب التضخم.
واهتزت تركيا بسبب التضخم الذي بلغ مستويات قياسية منذ 24 عاما في الخريف الماضي، عندما بلغ 85 في المائة، قبل أن يتراجع الآن إلى 55 بالمائة “فقط”.
وبسبب الرياح الاقتصادية المعاكسة وسياسة إردوغان، فقدت العملة التركية 60٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ أوائل عام 2021.
وسجلت تركيا بالموازاة مع ذلك، عجزا تجاريا قياسيا بلغ 38٪، بينما دفع ضغط تكلفة المعيشة إلى تقلص الطبقة المتوسطة وأغرق الفقراء في يأس أعمق.
تعليقا على هذا المشهد تساءل التقرير.. كيف يمكن أن ينتصر إردوغان في الانتخابات المقبلة إذا؟
خلال عقدين من حكمه، أعاد إردوغان تشكيل تركيا من خلال إضعاف النظام البرلماني، وتحويله إلى نظام رئاسي شبيه بحكم الرجل الواحد.
وقام “سلطان تركيا الحديث” وفق وصف التقرير بـ”تطهير” المحاكم، ووكالات إنفاذ القانون، والخدمة المدنية، ووكالات الاستخبارات والقوات المسلحة، ووسائل الإعلام، من معارضيه، واستبدلهم بالموالين له.
التقرير لفت كذلك إلى أن إردوغان استغل الانقلاب العسكري الفاشل في 2016 لتسريع تشكيل نظامه.
وفي عام 2016، تعهد إردوغان بالانتقام من المتآمرين على نظامه وقال: “سوف يدفعون ثمنا باهظا” ثم تابع “هذا الوضع هبة من الله لنا”.
في هذا الخصوص، حذر سنان كيدي، الأستاذ المشارك لدراسات الأمن القومي ومؤلف كتاب “الكمالية في السياسة التركية”، القادة الأوروبيين من أن يتركوا آمالهم تخيم على رؤيتهم للواقع.
وقال في ورقة أنجزها لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن إردوغان “قد يفوز حتى دون تزوير الأصوات” وبرر ذلك بالقول “قد لا يكون حشو صناديق الاقتراع ضروريا، إذ لا يزال النظام الذي أنشأه يحقق الفوز الذي يحتاج إليه” مرجحا أن تكون وسائل الإعلام في طليعة جهود النظام لضمان النصر.
دور الإعلام
لإردوغان قبضة حديدية على مساحات كبيرة من وسائل الإعلام التركية.
وكان تحقيقٌ أجرته وكالة رويترز وصل إلى نتيجة مفادها أن “أكبر المؤسسات الإعلامية باتت تخضع لسيطرة شركات وأشخاص مقربين من إردوغان وحزبه، بعد سلسلة من عمليات الاستحواذ التي بدأت في عام 2008”.
ويتم تنسيق الرقابة التحريرية الهرمية الصارمة من الأعلى، مع الأكاديمي السابق، المقرب من إردوغان، فخر الدين ألتون، رئيس مديرية الاتصالات الحكومية، الذي يشرف على كل التعليمات المرسلة إلى غرف الأخبار.
فعلى سبيل المثال، عندما استقال صهر إردوغان، بيرات البيرق، من منصب وزير المالية في عام 2020 بعد خلاف غير مسبوق داخل الدائرة المقربة من الزعيم التركي، طلب ألتون من غرف الأخبار في البلاد عدم الإبلاغ عن الاستقالة حتى تعطي الحكومة الضوء الأخضر.
هل يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تساعد في كسر هذا الإغلاق؟
يشير مركز التقدم الأميركي في دراسة أجريت عام 2020 إلى أن الأتراك تحولوا “نحو مصادر الأخبار عبر الإنترنت التي تكون الحكومة أقل قدرة على السيطرة عليها”.
وأشار مؤلفو الدراسة إلى أنه “بينما قدمت وسائل التواصل الاجتماعي بديلا للأصوات الموالية للحكومة التي تهيمن على التلفزيون ووسائل الإعلام المطبوعة، فإنها أيضا مساحة خصبة لنشر حقائق مغلوطة ومعلومات مضللة”.
وحتى في هذا المضمار، بذلت الحكومة جهودا كبيرة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي والرقابة عليها، حيث أقر البرلمان تشريعات أكثر تقييدا في أكتوبر الماضي.
وتم سن قانون جديد خاص بوسائل التواصل الاجتماعي أثار الكثير من الجدل، حيث أتاح للسلطات التركية الحق في السيطرة، على ما يدور “بالتالي تقييد حرية التعبير على الإنترنت بطرق لا يمكن تصورها في أي ديمقراطية” وفق تعبير تقرير “بوليتيكو”.
وفي حال فشل تلك الضوابط في الردع، هناك خطر السجن بتهم واهية ومبهمة بالتشهير أو إهانة الرئيس أو المسؤولين الحكوميين، وهي التهم التي أدت بالفعل إلى سجن 43 صحفيا إلى جانب سياسيين معارضين.
“ما لا يمكن تصوره”
يختم التقرير بالتساؤل: “إذا حدث ما لا يمكن تصوره، وفشل النظام في تحقيق أهداف إردوغان ليلة الانتخابات، فكيف يمكنه تحمل الخسارة؟
ثم نقل موقف المعارضين الذي أكدوا في أكثر من مناسبة أنه إذا انتصر إردوغان، فسوف يدفعون لمواجهته بتهم الفساد وإساءة استخدام السلطة وإقحام أفراد من عائلته في الحكم.
ويقول التقرير بالخصوص “إذا شعر إردوغان بالهزيمة، فلا ينبغي لأحد أن يتوقع منه الرحيل بهدوء.. مع اقتراب شهر مايو، هناك ما يدعو المعارضة التركية وحلفاء أنقرة الغربيين للقلق”.
المصدر: الحرة