الفن الراقي يعلن انطلاق مهرجان الأوبرا في دورته السادسة عشرة ولارا جوخدار اللبنانية الاصل احدى بطلاته

في أجواء مفعمة بالشغف الفني والرقي الثقافي، انطلقت رسميًا الدورة السادسة عشرة من مهرجان الأوبرا في سانت أوستاش – لورانيد الكبرى، بحفل افتتاحي مميز احتضنته قاعة La petite église – Cabaret Spectacle، يوم الأربعاء 14 أيار/مايو 2025.
تميّز الحدث الذي قدمت له السوبرانو ليلى شلفون ،بأداء مبهر جمع بين جمال الصوت وروعة التعبير، حيث تألّقت السوبرانو لارا جوخدار بصوتها الدافئ وحضورها الآسر، إلى جانب التينور كوري أرنولد وعزف البيانو المتقن من ناديا بوشيه. وقد تذوّق الحاضرون سحر الأوبرا على أنغام كلاسيكية راقية، في أمسيةٍ أعادت إلى الأذهان ألق الفن الأوبرالي وروعة الأداء الحي.
في هذه المقابلة، نعود إلى كواليس هذا الحدث الفني المميز، ونتحدث عن التحضيرات والتجربة الغنية التي قدّمتها السهرة، مع السوبرانو لارا جوخدار، القادمة من خلفية لبنانية – كندية، والتي تحمل في صوتها الدفء الشرقي والاحتراف الغربي.
1-بداية لنتوقف عند ما يميز مهرجان أوبرا هذا العام وما هي اهميته؟وماذا عن الدور الذي ستقدمينه انت؟
يشهد مهرجان أوبرا هذا العام حدثًا مميزًا، إذ سيُقدَّم فيه إنتاج خاص لأوبرا كارمن للمؤلف الفرنسي جورج بيزي، وهو ما يميّز نسخة هذا العام عن سابقاتها. فإلى جانب سلسلة الحفلات الموسيقية المعتادة، سيكون هذا الإنتاج الكامل للأوبرا حدثًا بارزًا ضمن فعاليات المهرجان.
وتأتي أهمية هذا العمل أيضًا بالتزامن مع مرور 150 عامًا على العرض الأول لأوبرا كارمن، الذي أُقيم في عام 1875. ولهذا، تشهد معظم دور الأوبرا حول العالم هذا العام عروضًا جديدة لهذه التحفة الفنية.
أما ما يميز إنتاج “أوبرا كارمن” في مهرجان 1219، فهو الإطار المبتكر الذي وضعته المخرجة أودات بوبري. فقد تم اختصار العمل من ثلاث ساعات إلى ساعتين، كما أُعيدت صياغته في قالب محلي مستوحى من أجواء كيبيك، تحت عنوان “كارمن دو مونتريال: عن الفصول الأربعة”، حيث تدور أحداث الأوبرا وكأنها تجري داخل مدينة مونتريال.
بالنسبة لي، فسأؤدي دور ميكاييلا، وهو دور السوبرانو في هذا العمل، ويُشرّفني أن أشارك في هذا الإنتاج الفني المتميّز.
كما سيكون لي أيضًا أمسية موسيقية في شهر أيلول/سبتمبر في مدينة هوكس بوري، وتحديدًا في المركز الثقافي شناي، حيث سأقدّم ريسيتالاً بمرافقة عازف البيانو الأوكراني سيرهي سالوف، وسيتضمّن البرنامج مقطوعات مختارة من أعمال عدد من المؤلفين العالميين.
2-هل اوبرا كارمن متاحة لكل الاعمار؟
هذا المهرجان مفتوح للجميع دون استثناء. بالفعل، بعض الحفلات تُباع لها بطاقات دخول، ولكن هناك أيضًا فعاليات مجانية، من أبرزها حفل “جان أمباسادور ليريك”، الذي يُقام عادةً في الهواء الطلق ويكون مجانيًا بالكامل ومفتوحًا لكل من يرغب في الحضور.
أنا شخصيًا أشجّع الجميع، من مختلف الأعمار، على حضور هذه الحفلات الموسيقية، فهي فرصة لاكتشاف عالم الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية في أجواء فنية راقية.
أما بالنسبة لأوبرا كارمن تحديدًا، فقد لا تكون مناسبة جدًا للأطفال الصغار، نظرًا لطبيعة القصة التي تتناول مواضيع تراجيدية ودرامية عميقة، ما يجعلها أكثر ملاءمة للراشدين أو اليافعين الذين يمكنهم فهم أبعاد العمل.
ومع ذلك، أؤكد أن الموسيقى في كارمن مألوفة جدًا حتى لأولئك الذين لا يتابعون الأوبرا بانتظام، إذ نجد مقاطعها مستخدمة في العديد من الأفلام والإعلانات، بل وحتى في الثقافة الشعبية.
3- لنتحدث قليلا عن مسيرتك الاوبرالية الحفلة بالانجازات ؟
مررت خلال مسيرتي في عالم الأوبرا بمحطات عديدة، كان لبعضها تأثير مفصلي على تطوّري الفني. من أبرز هذه المحطات، أذكر بلا شك انطلاقتي الأولى أو ما يُعرف بـ “الأوبرا ديبو”، عندما غنيت في أوبرا كافاليريا روستيكانا في بيروت، بمرافقة أوركسترا لارمونيك، وكانت تجربة لا تُنسى.
ومن التجارب الفريدة أيضًا مشاركتي في أوبرا عنتر وعبلة، التي أديت فيها دورًا باللغة العربية، وقدمت هذا الدور في أكثر من بلد عربي، وهو ما شكّل نقلة نوعية بالنسبة لي، من حيث الأداء والهوية الثقافية.
كذلك، أعتز بلقاءاتي مع عدد من كبار الأسماء في عالم الأوبرا، من بينهم المايسترو كابييه وآخرون، حيث أثرت هذه اللقاءات بشكل كبير في صقل تجربتي الفنية.
أما اليوم، فأعتبر أنني وصلت إلى محطة مفصلية جديدة في كندا، من خلال مشاركتي للمرة الأولى بدور أوبراوي على الأراضي الكندية، وذلك من خلال دوري في أوبرا كارمن، حيث أؤدي دور ميكاييلا.
أما على صعيد الحفلات القادمة، فأنني أستعد لإحياء ريسيتال في شهر سبتمبر بمدينة هوكس بوري، في المركز الثقافي شناي. سأؤدي خلاله أعمالًا لمؤلفين معروفين وأيضًا لمؤلفات نساء تركن بصمة مهمة في تاريخ الموسيقى، مثل كلارا شومان، فاني مندلسون، ألما مالر، وليلي وناديا بولانجي. كذلك، قد أُدرج في البرنامج مقطوعتين أو أكثر لمؤلفين لبنانيين، وسأسعى لتقديم عمل جديد باللغة العربية من تأليف أحد الموسيقيين اللبنانيين – ونحن نعمل حاليًا على تهيئة الظروف اللازمة لهذا المشروع الطموح.
4-كيف تعّرف لاراجو خدار الاوبرا كفن له ميزاته وخصوصياته؟
الأوبرا ليست فنًا بعيدًا عن المجتمع الكندي، فهي تنتمي أساسًا إلى الثقافة الغربية الأوروبية، ما يجعلها مألوفة إلى حدٍّ كبير لشرائح واسعة من السكان، لا سيما لدى الكنديين المتجذّرين، وبخاصة في مقاطعة كيبيك. هؤلاء، أي سكان كيبيك الأصليين، لديهم خلفية لا بأس بها عن الموسيقى الكلاسيكية وفن الأوبرا، وهي معرفة متوارثة وحاضرة ضمن المسار الثقافي العام.
في منطقة لورنتيد، ورغم أن الحضور في الحفلات قد يبدو أقل عددًا، إلا أن ذلك لا يعود إلى غياب الاهتمام، بل إلى قلة الكثافة السكانية نسبيًا. ما لاحظته عن كثب خلال مشاركتي العام الماضي في مهرجان أوبرا سانت أوستاش، هو وجود نسبة عالية من الوعي الثقافي والتقدير الحقيقي لفن الأوبرا، وهذا يُترجم في الحماسة التي يبديها الجمهور، وتعطّشه لهذا النوع من العروض.
الأوبرا بحد ذاتها فن شامل وعابر للحدود، فهي لا تقدم فقط حكايات مغنّاة، بل تجمع بين عناصر من ثقافات متعددة. على سبيل المثال، أوبرا كارمن للمؤلف الفرنسي جورج بيزي، تحتوي على ملامح واضحة من الثقافة الإسبانية والأندلسية، سواء من خلال الإيقاعات المستوحاة من الفلامنكو، أو عبر الآلات الموسيقية التقليدية كالـكاستانييت. وهذا ما يجعل الأوبرا فنًّا قادرًا على التقريب بين الشعوب والثقافات.
هذا التقارب يتجلّى بوضوح في إنتاج هذا العام ضمن مهرجان سانت أوستاش، حيث سيكون هناك تنوّع كبير بين الفنانين المشاركين. على المسرح، سيجتمع مؤدّون من جنسيات وخلفيات متعددة: من فرنسا، المكسيك، إسبانيا، كندا، وأنا آتي من لبنان كمهاجرة جديدة إلى كندا. سيكون هذا العمل بمنزلة مرآة لمجتمع متعدد الثقافات، يجمع الناس من ديانات مختلفة، ولغات مختلفة، وتقاليد فنية متنوّعة، في عرض واحد متكامل.
الأوبرا بهذا المعنى ليست فقط فنًا، بل مساحة للتبادل الثقافي والتفاهم الإنساني، وهي رسالة نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى.
5-كيف تصفين تأثير ليلى شلفون على مسيرتك الفنية، وما الذي يجعلها مختلفة عن غيرها من مديري الأعمال في هذا المجال؟”
رسميًا، ليلى شلفون هي مديرة أعمالي، ووكيلتي، والممثّلة الرسمية لي في كندا. هي تملك حاليًا وكالة تُعنى بإدارة مسيرة الفنانين الكلاسيكيين والمغنين الأوبراليين في كيبك، وهي وكالة “L’Agence M Opéra”.
عندما اكتشفت هذه الوكالة، تفاجأت باسم عائلتها—شلفون—واكتشفت لاحقًا أنها لبنانية الأصل، لا تنتمي إلى المجتمع الكيبكي التقليدي. فبحثت عنها قليلاً، وسألت، لأتأكد، وبالفعل كانت ليلى شلفون، لبنانية.
تعرفت إليها السنة الماضية عندما حضرت حفلات مهرجان أوبرا سانت أوستاش، وهناك بدأت علاقتنا. عرّفتها على نفسي، وبعد أن استمعت إليّ وأنا أغني، أبدت إعجابها، ومن هناك بدأت علاقتنا المهنية.
وقّعت معها عقد تمثيل فني، لتتولى التنسيق لتجارب الأداء (auditions)، والعقود الفنية التي تُعرض عليّ. لكن العلاقة بيننا تطورت بسرعة كبيرة، ولم تعد محصورة بإطار العمل فقط. بيننا كلبنانيّتين، كان هناك تقارب فوري، ولكن ما زادني ارتباطًا بها هو طيبتها الفائقة وإنسانيتها العالية.
ما يميز ليلى أنها تتجاوز حدود العلاقة المهنية، وتدخل في علاقة إنسانية حقيقية مع كل من تؤمن بموهبته. شخصيًا، أشهد أنها تؤمن بي، وترافقني بكل إخلاص في هذه الرحلة، وهذا شرف كبير لي.
كما أن ليلى أصبحت مؤخرًا الـ vocal coach الخاص بي، إلى جانب مهامها الأخرى. وذات مرة، عندما قدّمت إحدى القطع الغنائية، استغربت لجنة التحكيم من وجود ليلى وقالوا لي: “لكن أليست أنتِ مدربة صوت؟” فأجبت: “نعم، لكن حتى المدرب يحتاج إلى من يسمعه، يوجهه، ويصقل أداءه.” ليلى تقوم بهذا الدور بدقة ومحبة.