«الدعاية السوداء»… أزمة جديدة بين تركيا وفرنسا بعد هجوم باريس
تمر العلاقات التركية – الفرنسية بأحدث أزماتها، على خلفية ما اعتبرته تركيا دعاية سوداء ضدها من جانب حزب العمال الكردستاني (المحظور) بمشاركة مسؤولين وسياسيين فرنسيين، عقب الهجوم الذي وقع في الدائرة العاشرة بباريس الجمعة الماضي، وقتل فيه 3 أكراد وأصيب 3 آخرون على يد سائق قطار متقاعد يحمل الجنسية الفرنسية.
واستدعت الخارجية التركية السفير الفرنسي في أنقرة، هيرفيه ماجرو، وأبلغته انزعاج أنقرة من الدعاية السوداء ضدها في شوارع فرنسا.
ونقلت وكالة «الأناضول» الرسمية عن مصادر بالخارجية التركية قولها، إنه تم استدعاء السفير الفرنسي، مساء الاثنين، إلى مقر الخارجية في أنقرة، وتم إبلاغه استياء تركيا من «الدعاية السوداء» التي أطلقها أنصار حزب العمال الكردستاني، وذراعه السورية (وحدات حماية الشعب الكردية) ضدها، مستغلين الاعتداء الذي نفذه مواطن فرنسي الجمعة، قرب مركز أحمد كايا الثقافي الكردي في باريس.
وأضافت المصادر، أنه تم التعبير عن الاستياء من انخراط بعض مسؤولي الحكومة الفرنسية وبعض السياسيين في هذه الدعاية، والتأكيد على أن أعمال العنف التي قام بها «التنظيم الإرهابي» (العمال الكردستاني) في باريس، يجب أن تخضع للتحليل المناسب من قِبل الحكومة الفرنسية والرأي العام الفرنسي.
وأوضحت المصادر، أن مسؤولي الخارجية التركية أبلغوا السفير الفرنسي بأن تركيا تنتظر من فرنسا أن تتصرف بحكمة في مواجهة أعمال الشغب وعدم السماح للتنظيم الإرهابي (العمال الكردستاني) بالمضي قدماً في «أجندته الخبيثة».
ولفتت إلى أن السفير التركي في باريس، أبلغ السلطات الفرنسية استياء أنقرة من الدعاية السوداء الجارية ضد تركيا في شوارع فرنسا.
وشهدت باريس أعمال عنف وتخريب من جانب أنصار «العمال الكردستاني» احتجاجاً على الهجوم المسلح، وأصيب 31 عنصراً من الشرطة الفرنسية جراء ذلك.
وأصدر قاضي التحقيق، الاثنين، لائحة اتهام بحق المشتبه به، وهو سائق قطار متقاعد يحمل الجنسية الفرنسية ويبلغ من العمر 69 عاماً، تضمنت تهم القتل ومحاولة القتل على أساس العرق أو الإثنية أو البلد أو الدين، فضلاً عن اتهامه بالحصول على أسلحة وحيازتها من دون رخصة.
وعقب إلقاء القبض على المشتبه به في إطلاقه النار، قال للشرطة، إنه فعل ذلك لأنه «عنصري». وكشفت المدعية العامة في باريس لوري بيتشو في بيان، عن أنه أثناء احتجازه لدى الشرطة اعترف بأنه يكنّ «كراهية للأجانب أصبحت حالة مرضية» منذ تعرض منزله للسطو عام 2016.
كما وصف المشتبه به نفسه بأنه «مكتئب» و«يميل إلى الانتحار»، وقال «لكن قبل الإقدام على الانتحار، كنت أرغب دائماً في قتل مهاجرين، أجانب، منذ هذا السطو».
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، أن أصواتاً من الجالية الكردية في فرنسا، تطالب الدولة الفرنسية بحماية أفرادها، من ردود فعل تركية على المظاهرات.
وكان أول رد فعل من جانب تركيا جاء من جانب المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في تغريدة على «تويتر» السبت، أرفقها بصور لسيارات محترقة، معلقاً «هذا هو حزب العمال الكردستاني في فرنسا… المنظمة الإرهابية التي تدعمونها في سوريا».
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن «الأفاعي التي رعتها واعتنت بها فرنسا بدأت تلدغها، وإن على الجميع إدراك الوجه الحقيقي» لهذا التنظيم.
وأضاف أكار، خلال تفقده الوحدات العسكرية التركية المتمركزة قرب الحدود السورية، الأحد، «لقد شاهدوا (الفرنسيون) بأعينهم مدى خطورة دعم ورعاية الإرهابيين، وها هي الأفاعي التي دعمتها فرنسا تلدغهم الآن».
وتابع، أن حلفاء أنقرة الغربيين ارتكبوا خطأً كبيراً عندما تعاونوا مع وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل امتداداً لـ«العمال الكردستاني» في سوريا للقضاء على تنظيم إرهابي آخر، في إشارة إلى الدعم الأميركي للوحدات الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعدّها الولايات المتحدة حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا.
وتنطوي العلاقات بين تركيا وفرنسا على العديد من الملفات الخلافية، بدءاً من ملف مفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي لنيل عضويته وموقف فرنسا التي تطالب بشراكة مميزة بدلاً عن العضوية، ودعم فرنسا اليونان وقبرص بشأن ملف الطاقة في شرق البحر المتوسط، والأزمة السورية ودعم فرنسا أكراد سوريا، فضلاً عن تباين المواقف في ليبيا والتنافس في أفريقيا ودعم فرنسا مزاعم إبادة الأرمن على يد العثمانيين في زمن الحرب العالمية الأولى.
وشهدت السنوات الماضية توتراً في العلاقات بين أنقرة وباريس وفي علاقة الرئيسين رجب طيب إردوغان وإيمانويل ماكرون؛ ما رسخ فكرة الخلاف وتضارب المصالح، على الرغم من تجاهلهما كل ذلك عندما يلتقيان ويتصافحان في العديد من المحافل.
ودفعت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى «تقارب هش» وبوادر تعاون دبلوماسي وعسكري بين تركيا وفرنسا، فقد فاجأ ماكرون في مارس (آذار) الماضي، الجميع بالإعلان عن خطة «فرنسية – يونانية – تركية» مشتركة لضمان وصول دعم إنساني إلى مدينة ماريوبول الأوكرانية المحاصرة. وعلى الرغم من العراقيل الروسية التي حالت في نهاية المطاف دون تبلور العملية، فإن المبادرة أشارت إلى تغيير في نبرة العلاقات الفرنسية – التركية بعد سنوات من التوتر، ودفعت باتجاه حقبة من «التغاضي» عن التنافر الحاد بين إردوغان وماكرون، حيث جرت اتصالات هاتفية عدة بينهما للتشاور حول الوضع في أوكرانيا.