جاليات

زهير دبس

صحافي لبناني صاحب موقع “مناطق نت”، متخصّص في الشؤون الاغترابية

“مُنَبِّه” جاكلين يتكتك في مونتريال ويرنُّ في بيروت.
سبع ساعات هي المسافة الزمنية الفاصلة توقيتًا بين بيروت ومونتريال.. في العادة عندما يرنّ هاتفي في تلك المسافة الزمنية الفاصلة، ويلمع على شاشته إسم جاكلين، أُحضّر نفسي لمكالمة هاتفية غالبًا ما تكون طويلة قد تمتد لساعة من الوقت أحيانًا. لكن عندما رنّ هاتفي هذه المرة ولمع إسمها بادرتني بالقول “مرحبا أبو الزوز كيفك… قبل ما إحكيك بشي بدّي منك تحضّرلي كلمة بمناسبة إطلاق الموقع (المُنَبِّه) وبسرعة… وبعدين منحكي… باي”.

أنهت جاكلين مكالمتها وبقيت أنا أسير ابتسامة عفوية رافقتني لبعض من الوقت قبل أن تسرح ذاكرتي إلى سنوات خلت، استعدت فيها بدايات معرفتي بجاكلين حين ترافقنا في مسيرة طويلة من العمل الصحافي الاغترابي عرفت فيها جاكلين عن كثب.. في استعادة تلك المسيرة خبأت لي جاكلين الكثير من الحكايا لا زالت بكل تفاصيلها ومحطاتها ماثلة أمامي كأني أقلّب صفحات من كتاب مليء بالمواقف والأحداث. قلت في نفسي عن أي من تلك التفاصيل أتحدث، والمناسبة هنا إطلاق موقع إخباري إلكتروني تطلقه جاكلين بالشراكة مع الدكتور علي حرب الذي لم أتعرف عليه إلا من خلال ما قالته جاكلين وهذا كاف ليكون محطّ تقدير واحترام. عن أي من جوانب جاكلين أتحدث؟ عن جاكلين الصحافية؟ فالإسم وحده يكفي. ولا يحتاج إلى شهادة. هل أتحدث عن جاكلين الأم؟ وهذا يحتاج إلى صفحات وصفحات. أم أتحدث عن جاكلين الأخت أم الزميلة أم الصديقة، وكل واحدة من تلك الصفات تحتاج أيضًا إلى الكثير الكثير، فتضيق المساحة ولا تستقيم المناسبة! سأحدثكم عن رحلة جاكلين مع الغربة وتنقلاتها بين بيروت ومونتريال وهنا يصح المقام. وهو يصلح لأن يكون فيلمًا وثائقيًا وربما أكثر من ذلك بكثير، وقد شهدت فصوله يومًا بيوم وأحيانًا ساعة بساعة.
العلامة الفارقة في رحلة جاكلين الاغترابية كانت في محطتها الأولى قبل حوالى الخمس سنوات وأكثر. في تلك المحطة التي كنت أتواصل فيها مع جاكلين بشكل مستمر سأنتقي واقعة ربما تختصر الكثير أو لعلها تختصر كل شيء. قالت لي جاكلين من ضمن أشياء كثيرة “زهير ساعتي بعدها على توقيت بيروت، وهاتفي أيضًا وأشياء كثيرة”!.
عشت مع جاكلين جحيمين “مرارة الغربة” و”الخوف من الوطن”. “لا قدراني فلّ ولا قدراني إبقى”، وربما ينطبق ذلك على مئات آلاف اللبنانيين الذين تركوا وطنهم الأم قسرًا بسبب الجحيم الذي يعيشه، بحثًا عن وطن يفتشون عنه بلا هوادة وعبثًا لا يجدونه.
بعد صراع وجودي مع الغربة وبعد محاولات يائسة للعودة إلى لبنان إحداها قطعت فيها جاكلين دراسة أولادها في كندا في منتصف العام الدراسي وعادت بهم إلى بيروت. تعيش اليوم جاكلين مع عائلتها في مونتريال، لكن توقيت ساعتها لا زال مضبوطًا على رزنامة بيروت. الموقع (المنبّه) الذي تطلقه جاكلين اليوم بالشراكة مع الدكتور علي حرب في مونتريال هو استكمال للمسيرة الإعلامية التي بدأتها قبل ربع قرن، ومن دون شك سيكون علامة فارقة في الصحافة الاغترابية التي عملت فيها جاكلين طويلًا، وشغلت الجالية اللبنانية في كندا قسمًا كبيرًا منها.
“المنبّه” مع جاكلين جابر والدكتور علي حرب سيشكل إضافة مهمة في الإعلام الاغترابي خصوصًا أن كلاهما له باعًا طويلًا في ذلك. وهو بلا شك سيشكل مساحة مهمة ورصينة ليس للبنانيين فحسب، بل للعرب والكنديين وغيرهم من الإثنيات التي احتضنتهم كندا وشكّلت وطنًا حقيقيًا لهم يعيشون فيه سواسية تحت سقف القانون، لا يميّز بين مواطن وآخر.
التمنيات بالتوفيق لموقع “المنبّه” ولجاكلين وللدكتور علي، هي من البديهيات التي أكنّها في هذه اللحظة، موصولة بتحية كبيرة ومحبة لا يضاهيها سوى شوق المقيمين لأحبائهم المغتربين الذين لم ولن ينسوا وطنهم لحظة. فـ”المنبّه” الذي تطلقونه اليوم، وبالرغم من أنه يتكتك في مونتريال، لكنه سيظل يرنّ أبدًا في بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى