إقتصاد

ما بين المهارات القيادية القويّة والقدرة على التحفيز تعبر الشركات المتعثّرة إلى بر الأمان

بقلم نهال فرج الله

بصفتي مختص في مجال التنمية المستدامة، استوقفتني إحصائيات ودراسات حول الشركات المتعثّرة والشركات الناشئة التي تطلب المساعدة.  ووفقًا لـشركة CB Insights التي تعمل على تحليل البيانات حول الشركات الخاصة وصفقات رأس المال الاستثماري واتجاهات التكنولوجيا الناشئة، لمساعدة عملائها المنتشرين في أكثر من 30 دولة في العالم، على اتخاذ قرارات تجارية مستنيرة.  فقد بيّنت CB Insights بعض الإحصاءات ذات الصلة أنّ 70 ٪ من الشركات الناشئة تفشل خلال أول 20 شهرًا. وفي تقرير صادر عن إدارة الأعمال الصغيرة تبيّن أنّ حوالي ثلث الشركات الصغيرة تخرج من السوق خلال أول عامين، بينما يخرج نصفها في غضون خمس سنوات.

كما وجدت دراسة أجرتها شركة McKinsey & Company أن أكثر من 70٪ من جهود إعادة هيكلة الشركات تفشل في تحقيق أهدافها المرجّوة. بينما قدّرت العديد من الشركات الاستشارية والمهنيين المختصّين في مساعدة الشركات المتعثّرة، قيمة صناعة إدارة التحوّل بمليارات الدولارات على مستوى العالم.

نتحدّث هنا عن تقرير صادر عن McKinsey & Company وهي شركة استشارات إدارية، تعتبر على نطاق واسع واحدة من أعرق الشركات الاستشارية في العالم. وتشمل خدماتها الاستشارات الاستراتيجية، والتصميم التنظيمي، واستشارات العمليات، وعمليات الدمج والاستحواذ، والتحوّل الرقمي. تمتلك ماكينزي مكاتب في أكثر من 130 مدينة في 65 دولة،  وتوظف أكثر من 30 ألف شخص.

واقع استدعى البحث عن مخارج تهدف إلى تحديد وحل المشكلات في الشركات المتعثّرة، وبدأنا نسمع عن دراسات حالة، وقصص نجاح تسلّط الضوء على تأثير هندسة الشركات المتعثّرة والناشئة في تطوير وتنفيذ حلول لمعالجة هذه المشكلات ومساعدة الشركات على أن تصبح أكثر ربحية واستدامة.  وأمام ما يحصل، طُرحت بعض الأسئلة، منها:

  • هل هناك اختصاص يُعنى بهندسة الشركات الناشئة أو المتعثّرة من الأساس؟
  • وما هي الخصائص والمزايا التي يجب أن يحملها هؤلاء المهندسون عادة؟

اللافت في الأمر، أنّه لا وجود لتخصّص رسمي أكاديمي يطال هندسة الشركات المتعثّرة، إلاّ أنّه ميدان مفتوح أمام من أثبتوا جدارتهم على تقديم رؤى وحلول قيّمة لتحسين أداء الشركات التي تواجه التحدّيات في مجالات وميادين شتى.

كما تُشير الأبحاث والدراسات التي أجريت في هذا المجال، أنّ التحوّل الناجح لأي شركة يتطلب مزيجًا من التفكير الاستراتيجي، وحسن وقوّة القيادة، والفطنة المالية، ومهارات التفاوض، والقدرة على حل المشكلات، والخبرة والرؤية والصبر والمرونة.

في هذا السياق، تطالعنا تجارب رائدة لأشخاص معروفين في العالم، لهم تاريخ في الإدارة والاقتصاد، ونجحوا في إعادة هيكلة وهندسة الشركات المتعثّرة، وبينهم:

تجربة سميح ساويرس، مؤسّس ورئيس تنفيذي لشركة أوراسكوم للتنمية القابضة، وهي شركة عقارية وسياحية كبرى في مصر. لقد استطاع تحويل هذه الشركة إلى لاعب رئيسي في صناعة السياحة ووسّع عملياتها إلى دول أخرى في المنطقة.  عمل ساويرس على تطوير مشاريع جديدة لتوسيع عمليات الشركة، مثل تطوير الفنادق ونوادي الجولف والمراسي. المهم أيضًا في تجربة سميح ساويرس، هو الاستثمار بشكل كبير في تحسين جودة خدمة العملاء، ما جعل الشركة تجتذب عملاء جدد وتحتفظ بالعملاء الحاليين.

بفضل نهجه في هذا المسار، أصبحت السياحة المستدامة كلمة طنانة مؤخرًا، واتخذت Sawers خطوات لضمان أن تلعب Orascom Development Holdings دورها. لقد عمل على تنويع محفظة الشركة، من خلال دمج ممارسات صديقة للبيئة في جميع عمليات الشركة، بما في ذلك استخدام مواد البناء الصديقة للبيئة والطاقة المتجدّدة وأنظمة إدارة النفايات.

من خلال اعتماد ساويرس لنهج متعدّد الأوجه شمل إعادة الهيكلة لجعلها أكثر كفاءة وفاعلية في تحقيق أهدافها، فدمج ممارسات السياحة المستدامة التي وضعت الشركة على طريق النجاح، وأضحت واحدة من اللاعبين الرئيسيين على مستوى العالم في صناعة السياحة.

أمّا تجربة وارن بافيت فقد سلكت مسارًا من نوع آخر. وارن هو الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة Berkshire Hathaway، وهي شركة قابضة متعدّدة الجنسيات تمتلك مجموعة متنوعة من الأعمال في مختلف الصناعات، بما في ذلك التأمين وتجارة التجزئة والطاقة. تحت قيادة وارن، أصبحت Berkshire Hathaway واحدة من أنجح الشركات في العالم، برأسمال سوقي يقارب 600 مليار دولار. رأى بافيت قيمة في العلامة التجارية القويّة للشركات ومنتجاتها عالية الجودة، وتمكّن من حصد هذا الاستثمار على سبيل المثال لا الحصر عندما استحوذت شركة Procter & Gamble على شركة Gillette .

في الستينيات من القرن الماضي، كانت أمريكان إكسبريس تكافح ماليًا، وانخفض سعر سهمها بشكل كبير، ومثلها في السبعينيات واجهت شركة Geico للتأمين على السيارات صعوبات مالية كبيرة، عندها رأى وارن بافيت فرصًا للاستثمار في الشركات واشترى حصصًا كبيرة فيها، ثم عمل مع فريق الإدارة لتحسين عمليات الشركة وربحيتها ولتغيير مسارها، وفي النهاية تمكّن من جني هذا الاستثمار بشكل جيّد، إذ تولى السيطرة الكاملة على هذه الشركات، وجعلها جزءًا رئيسيًا من محفظة Berkshire Hathaway، كما تمكّن من الاستحواذ على شركات مثل Burlington Northern Santa Fe و Dairy Queen.

لذلك يُعتبر وارن بافيت من أحد أنجح المستثمرين في العالم، فهو يمتلك تاريخ في الاقتصاد والإدارة، وقد شاركت شركته Berkshire Hathaway بيركشاير هاثاواي في العديد من مشاريع إعادة الهيكلة الناجحة.

من المهم أن نشير أيضًا إلى تجارب ناشئة في هذا الميدان، تجارب سنستعرضها مع شخصية تربوية اشتهرت بمهاراتها الاستثنائية في هندسة الشركات وصولاً بها حتى النجاح والريادة. لقد اشتهر من خلال خبرته التي امتلكتها في مجال الاقتصاد الجزئي، كما من خلال فهمه لكيفية تحليل المؤشرات الرئيسية لأي عمل في تقديم الرؤى وتقييم الأداء. على الرغم من امتلاكه معرفة عميقة بمبادئ الإدارة ظلّ المحاضر الجامعي رضا شمس الدين مستعدًا دائمًا لمعرفة المزيد، وهو الحريص على الاطلاع باستمرار على آخر التطوّرات في هذا المجال. فهو يُدرك بأنّ مفتاح النجاح يكمن في التعليم والتعلّم، سواء بالنسبة للأفراد والشركات التي يعملون بها.

من يعرف المربّي شمس الدين يدرك أنّه أمام شخصية مفتونة بنظريات الاقتصاد الجزئي، فهو يعتقد أنّ هذه النظريات كانت حاسمة في فهمه لكيفية عمل الشركات، وفي تحديد المؤشّرات الرئيسية التي من شأنها إظهار ما إذا كانت الشركة تسير في الاتجاه الصحيح. عمله الرائد في هذا المجال أدّى إلى زيادة الطلب عليه من قبل العديد من الشركات التي تتطلّع إلى انطلاقة جيّدة لمشاريعها، أو إلى تطوير أو إنقاذ من تعثّرات ألمّت بها. كان امتلاك المحاضر الجامعي رضا شمس الدين لمهارات يراها البعض استثنائية في القيادة، إلى جنب إلمامه بالاقتصاد الجزئي والإدارة، جعلت منه مستقطبًا لكثر في عالم الاقتصاد والأعمال.

لا شك، أنّ سمات مثل مهارات حل المشكلات القويّة، والتفكير الاستراتيجي، والقدرة على العمل بشكل جيد تحت الضغط، والصفات القيادية والتفاني في تحقيق النتائج المرجوّة والمأمولة، هي سمات ضرورية لتحقيق تحوّل ناجح. إضافة إلى الدور المهم لمهارات التواصل الفعّال والشجاعة، والمرونة والتعاطف التي تسهم في كسب ثقة أصحاب الشركات المتعثرّة أو الناشئة، وبالتالي في تحقيق تنمية مستدامة على صعد متعدّدة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى