يتعرض له الأطفال بسبب الحروب والكوارث الطبيعية.. ما هو إضطراب ما بعد الصدمة؟
يشكّل الأطفال نحو نصف سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وهم يعيشون تحت قصف شبه مستمر منذ الـ7 من تشرين الأول 2023؛ ما يجعلهم عرضة لأزمات واضطرابات نفسية عميقة في مقدّمتها اضطراب ما بعد الصدمة، حيث كان ينظر لهذا النوع من الاضطراب على أنه شيء قد يعاني منه فقط المحاربون القدامى ولاجئو الحرب. لكن الأبحاث الجديدة تظهر أن الأشخاص من جميع الأعمار يمكن أن يعانوا من كرب ما بعد الصدمة، حتى الأطفال الصغار..
وقد صرّح العديد من الأطباء الفلسطينيين بأن الأطفال بدأت تظهر عليهم بالفعل علامات خطيرة من أعراض الصدمة، مثل التشنجات والتبول اللاإرادي والخوف والسلوك العدواني والعصبية وعدم الرغبة في الابتعاد عن والديهم..
متى يصاب الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة؟
وفق موقع KIDS HEALTH يصاب الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة استجابة لصدمات حدثت لهم لمرة واحدة أو بصفة متكررة تهدد إحساسهم بالسلامة والأمن.
قد يكون هذا بسبب حدث صادم واحد مثل حادث سيارة أو اعتداء جنسي، أو سلسلة طويلة من الصدمات العائلية والاجتماعية. كما يصاب العديد من الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة نتيجة للإساءة المستمرة أو الإهمال أو العنف أو الصراع الأسري.
يمكن أن يتطور اضطراب ما بعد الصدمة أيضاً عندما يشهد الأطفال أحداثاً أو مواقف مؤلمة، على الرغم من أنهم لم يصابوا أو يشاركوا بشكل مباشر في ما حدث. على سبيل المثال، قد تظهر على الطفل الذي يشهد إطلاق نار بسبب الحرب أو هلع الناس بسبب سقوط منازلهم أعراض كرب ما بعد الصدمة.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال
النوع الأساسي من الأعراض التي قد يعاني منها الأطفال والمراهقون هي ذكريات الماضي أو الكوابيس بعد الحدث. وقد يصابون أيضاً بالضيق العاطفي والجسدي عندما يتم تذكيرهم بالحدث المخيف.
قد يكون باستطاعة الأطفال الأصغر سناً وصف ذكرياتهم، ولكن بدلاً من ذلك قد يعيدون تمثيل الصدمة أثناء وقت اللعب. على سبيل المثال، قد يكونون أكثر عرضة للعب بأسلحة مزيفة بعد مشاهدة إطلاق نار أو اصطدام سياراتهم بعد نجاتهم من حادث مخيف. وبطبيعة الحال، فإن الطريقة التي يلعب بها الطفل بالألعاب لا تؤكد دائماً أنه مصاب باضطراب ما بعد الصدمة، ولكن هذه إحدى العلامات المحتملة للاضطراب.
أعراض أخرى لاضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال
ذكر موقع CHILDREN’S HOSPITAL أنّ الأطفال والمراهقين الذين شخّصوا باضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن تظهر عليهم عدة أعراض في وقت واحد، بما في ذلك:
– نوم متقطع، وغالباً ما يكون مصحوباً بالكوابيس أو الرعب الليلي.
– الإثارة والارتباك والغضب.
-ردود فعل عاطفية مفاجئة أو شديدة الحدّة.
-صعوبة في التركيز والتفكير بوضوح.
-فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانوا يحبونها في السابق.
-العودة إلى السلوكيات التي كانت موجودة في مرحلة مبكرة من حياتهم (مص الإبهام، أو التعلق المرضي بالوالدين ومقدمي الرعاية، أو الحاجة إلى مساعدة إضافية في المهام البسيطة).
غالباً ما يصبح الأطفال الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة شديدي اليقظة، ويفحصون محيطهم باستمرار بحثاً عن المخاطر المحتملة. وقد يكون المراهقون عرضة بشكل خاص لسلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات أو إيذاء النفس.
من هم الأطفال المتعرضون لاضطراب ما بعد الصدمة بشكل أكبر؟
يعتمد خطر إصابة الطفل باضطراب ما بعد الصدمة على عدة عوامل، منها:
أولاً مدى خطورة الصدمة: حيث إنّ الأطفال الذين يصابون باضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرضهم لعضة كلب قد يتعافون بسرعة أكبر من أولئك الذين تم اختطافهم أو الاعتداء عليهم جنسياً، وهؤلاء أيضاً قد تكون قدرتهم على التعافي أكبر من أولئك الذين عايشوا الحروب الدموية. ومع ذلك، فإن تجربة كل طفل فريدة من نوعها، وسوف تختلف ردود أفعالهم بدون شك.
تواتر الصدمة: قد يتفاعل الأطفال الذين تعرضوا للصدمة مراراً وتكراراً بشكل مختلف تماماً عن أولئك الذين تعرضوا لحدث مرعب واحد طيلة حياتهم.
العلاقة مع الحدث: قد يواجه الأطفال الذين هم ضحايا مباشرون للصدمة مخاطر أكبر لكرب ما بعد الصدمة مقارنة بأولئك الذين شهدوا أحداثاً صادمة فقط.
ومع ذلك، فإن الأطفال الذين يرون أو يسمعون أشياء مؤلمة قد يشعرون بالخجل لأنهم لم يتمكنوا من فعل أي شيء لوقفها أو مساعدة الضحايا. سيكون اللوم والعار والشعور بالذنب عبئاً أكبر على الأطفال الذين شهدوا العنف أو إساءة معاملة أحد الوالدين أو الأشقاء أو أحد أفراد الأسرة المقربين.
هل يمكن أن تظهر علامات اضطراب ما بعد الصدمة بعد فترة طويلة من وقوع الحدث الصادم؟
نعم. في الواقع، قد يتفاعل الأطفال مع الصدمة بعد 6 أشهر أو أكثر من حدوثها، أو في حالة الصدمة المستمرة، حتى بعد سنوات من وقوعها. قد يعكس هذا جهد الدماغ لإدارة أو قمع الذكريات التي لم يستوعبها والعواطف المرتبطة بها.
مع نموهم وتطورهم، قد يفكر الأطفال بشكل مختلف في تجاربهم السابقة. على سبيل المثال، عندما يتعرض طفل يبلغ من العمر 7 سنوات للاعتداء الجنسي ثم يشارك هذا الأمر مع مختص نفسي ويتلقى العلاج قد يتعافى تماماً في ذلك الوقت.
ولكن في وقت لاحق، عندما يصبح في سن المراهقة، قد يتذكر الإساءة ويشعر بالانزعاج، وهي علامة على أن هناك حاجة إلى المزيد من العلاج الذي يركز على الصدمة لمساعدته على التعامل مع أعراض الصدمة الجديدة أو المتزايدة.
ما يحتاج الآباء إلى معرفته حول كرب ما بعد الصدمة
يمزح الناس أحياناً حول “الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة” عندما يشعرون بالإحباط بسبب مشكلة تظهر باستمرار في حياتهم. ولكن في الواقع، يعد اضطراب ما بعد الصدمة حالة خطيرة قد تؤثر على مجرى الحياة وتتطلب علاجاً طبياً.
قد يعاني الأطفال المصابون بكرب ما بعد الصدمة من بطء إيقاعات الحياة اليومية في المدرسة أو نشاطات الرياضة والأصدقاء والأسرة والمجتمع. لكن العلامات والأعراض قد تختلف حسب عمر الطفل.
هل هناك طريقة جيدة لشرح اضطراب ما بعد الصدمة لطفل صغير جداً؟
يمكن أن يساعدك طبيب الأطفال في التحدث مع طفلك حول الأعراض والعلاج. الأهم هو طمأنة طفلك بأنه لم يرتكب أي خطأ. أخبره بأنه فقط حدث شيء سيئ له، وعقله سوف يساعده على فهم ذلك.
كيف يمكنني الحصول على علاج لطفل مصاب باضطراب ما بعد الصدمة؟
الخطوة الأولى هي التحدث مع طبيب الأطفال الخاص بطفلك، والذي يمكنه توجيهك لأخصائي الصحة العقلية، حيث إنه ليس كل المعالجين متخصصين في علاج الصدمات.
سيحتاج طفلك إلى التقييم لتحديد ما إذا كان اضطراب ما بعد الصدمة هو سبب أعراضه، وما إذا كانت هناك مشكلات أخرى يجب معالجتها.
غالباً ما يتم علاج اضطراب ما بعد الصدمة بمزيج من العلاج بالكلام والدعم الاجتماعي. يعد العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات (TF-CBT) واحداً من أفضل علاجات اضطراب ما بعد الصدمة التي تمت دراستها والأكثر توفراً على نطاق واسع للأطفال والمراهقين. في حالات نادرة، يمكن اللجوء للأدوية، والتي تشخّص عادة للمساعدة في مشاكل النوم المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة والتي لا يبدو أن العلاج يحلها.
وفي كلّ الأحوال فإنّ الحب والرعاية التي تظهرها لطفلك أثناء خضوعه للعلاج سيحدث فرقاً في الشفاء. زد على ذلك أنّه إذا كان الطفل لا يزال يعيش في نفس الظروف التي سببت له كرب ما بعد الصدمة على غرار ما يحدث في غزة هذه الأيام؛ حيث يتعرض الأطفال لسلسلة طويلة ومستمرة من التجارب المؤلمة سيصعّب عليه ذلك التعافي ويجعله يحتاج لجهد وصبر أكثر بكثير؛ وهو ما يتطلب منك الدعم الإضافي له وتذكيره دائماً بأنك تفعل كل ما هو ممكن لمساعدته على الشعور بالأمان..