منوّعات

من هو القديس مار مارون مؤسس الطائفة المارونية؟

يحتفل المسيحيون في 9 شباط بعيد القديس مارون الذي ينسب المسيحيون الموارنة إليه. فمن هو الناسك مارون، ولماذا امتدّ تأثيره مئات السنين؟

يعني اسم مارون “السيّد”،

كان مار مارون راهباً سريانياً متنسكاً، عاش في شمال سوريا بالقرب من جبال طوروس، أو ما كان يسمّى بمنطقة قورش قرب انطاكيا في عهد الامبراطورية الرومانية، في منتصف القرن الخامس للميلاد. وتعرف قورش اليوم بالنبي هوري، وتقع بين مدينتي عفرين إلى الشرق، وحلب إلى الغرب.

اهتمّ المؤرخون في القرن الخامس بتدوين مآثر الملوك والأباطرة، ولم يلتفتوا كثيراً لموضوع النساك، خصوصاً الذين اتبعوا منهجاً حاداً في التقشف ونكران الذات، أمثال مار مارون.

ولد القدّيس مارون نحو سنة 350م، في شمال سوريا في مدينة (كفر نابو) قورش حالياً وهي تقع شمال شرقي أنطاكية. وهو آرامي العُرق وسريانيّ اللغة، كما يدل اسم مارون. وهو لفظة سريانية آرامية “مار” وتعني ”السيد“. على ما جاء في كتاب “تاريخ أصفياء الله” الذي ألّفه المؤرخ ثيودوريطس أسقف قورش عام 459. كان صديق القديس يوحنا فم الذهب وزميل الدراسة في أنطاكية قبل أن يتبنى كل منهما نمط الحياة النسكية كما ورد في رسالة القديس يوحنا فم الذهب.

في عام 398 هجر مارون الحياة العامّة واعتزل في كالوتا على جبل في المنطقة القورشيّة شمالي غربي مدينة حلب. وعلى رأي عالم الآثار «كلرمون- غانو» ان هذا الجبل يدعى اليوم جبل سمعان، نسبة الى دير مار سمعان العامودي. وهناك قضى أيامه ولياليه في العراء بالصوم والصلاة والتقشّف متنسكاً. وقد وصفه ثيودوريطس قائلا : ”مارس مارون تقشف وضروب من الإماتات، تحت جو السماء، متعبدًا ومجهدًا في الأصوام والصلوات والليالي الساهرة والركوع والسجود، والتأمل في كمال الله ومتى اشتدّت العواصف كان يلجأ إلى خيمة نَصَبَها هناك من جلد الماعز. وابتنى لنفسه صومعة حقيرة يلجأ إليها في ظروف نادرة”. واقام على المعبد الوثني المهجور للإله نبّو فحوّل ما فيه الى عبادة الله الحقيقية.

ونظرا الى تقشّفه ومواعظه وموهبة الشفاء جعلت الناس يتوافدون إليه من القرى والبلدات المجاورة ، منهم مَن لجأ إليه لمرضٍ جسديّ وآخرون لمرضٍ نفسي. فجاء في سيرة حياته :«كانت الحُمىَّ تخمدُ بظلِّ بركته، والأمراض على اختلافها تشفى جميعها، والأبالسة تنهزم بعلاجٍ واحد منه وهو “الصلاة”».

غير أن القديس مارون لم “يقتصر على شفاء أمراض الجسد بل كان يبرئ أيضًا أمراض الروح، فكان يشفي من الغضب والكذب واستباحة المحرمات وغيرها من المنكرات” كما ورد في سيرته في كتاب ثيودوريطس.

والتفّ حوله في مغاور وكهوف وصوامع، ينتظرون تفقده إياهم فيصغون بلهفة الى عظاته وإرشاداته «الموجّهة الهادية في مجاهل الحياة النسكية». وكان أقرَب الأشخاص إلى مارون الراهب زابينا الذي أولاه القدّيس الكثير من الاحترام وأوقرَ شيخوخته واقتدى ببعض طُرُقه في الزُهدِ والتقشّف حتى أنّ بعض المؤرخين اعتبرَ أن الراهب زابينا قد يكون معلّم مارون. ومن تلاميذه ايضا يعقوب القورشي وليمناوس، وصديقه الناسك زيبيناس.

وفي عام 410 توفي القدّيس مارون “فقامت معركة عنيفة بين السكّان المجاورين للاستيلاء على جثمانه، وكانت الغلبة لبلدة متاخمة مكتظّة بالسكّان. ”كما ذكرُ المؤرخ ثيودوريطُس وهذه البلدة تنطبق فعليًا على براد التي كانت مركزًا إداريًا في سوريا الشماليّة، جنوب قورش في نحو نصف ساعة بينها وبين حلب. وهو ما قامت البطريركية المارونية بتثبيته رسميًا عام 2010.
وفي 452 شيّد الامبراطور البيزنطي مرقيانوس ديراً بجوار بلدة معرّة النعمان تكريماً لهذا القدّيس العظيم. وانتسبَ كثيرون إلى هذا الدير فسُمّوا رُهبان دير مار مارون، كما انضوى أيضاً عدد لا يُستهان به من الراهبات ولعلّ أشهرهنّ القدّيسات مارانا وكيرا ودومنينا.

وبعد أن بشّر تلامذة مار مارون اهل لبنان تركز كيان المارونية في لبنان. فنشأت روحانية الموارنة في لبنان. واصبحت هذه الروحانية تراثٌ روحيٌّ يشدُّ الموارنة إلى الإنجيل، إلى السيّد المسيح الإله المتجسّد، بالقديس مارون مثالهم في عيش الإنجيل ببساطة وإخلاص، وبتفانٍ وبطولة.

وقد تمّ نقل ذخائر هامة القديس مارون من إيطاليا إلى لبنان العام 1999، بناءً على طلب من البطريركيّة المارونيّة، وأودعت في دير ريش موارن، دير هامة مارون. ومع ان الموارنة بعيدون عن جثمان القديس مارون، فان بركته تشملهم بذخائر هامته المقدسة.

ومنح البابا غفرانًا كاملاً وفق معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، لكل من يمارس سر الاعتراف وسر الإفخارستيا يوم 9 شباط من كل عام.‬

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى