إقتصاد
النفط الصخري.. هل يحمي واشنطن من طفرة متوقعة بالأسعار؟
تجاهلت أسواق النفط إلى حد كبير تداعيات التوترات بين إيران وإسرائيل، وقد بدت المخاوف المرتبطة بتلك التوترات “مبالغ فيها”، إذ استقرت أسعار النفط عند 87 دولاراً للبرميل، وهو نفس مستواها قبل تزايد حدة الصراع خلال الأيام الماضية.
هذا التجاهل من أسواق النفط بدا ملحوظاً، رغم الاضطرابات التي قد تحدث في مضيق هرمز، وهو الممر المائي الذي يمر من خلاله برميل واحد من كل 5 براميل من النفط الخام المستهلك عالمياً كل يوم.
يعود هذا “الهدوء” نسبياً في ردود فعل الأسواق إلى “النفط الصخري”؛ فبحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، تحت عنوان: “كيف يحمي النفط الصخري الولايات المتحدة من الطفرة القادمة في أسعار النفط؟”، فإن:
هدوء أسعار النفط الخام في مواجهة هذه الاضطرابات يعود إلى حد كبير إلى الأحداث التي وقعت على بعد 7 آلاف ميل في حقول النفط الصخري في داكوتا الشمالية وغرب تكساس، حيث ترك الحفارون الأسواق العالمية غارقة في النفط الأميركي.
“أعاد النفط الصخري رسم خريطة النفط العالمية بطريقة لا يفهمها معظم الناس، لقد غير، ليس فقط توازن العرض والطلب، ولكنه غير التوازن الجيوسياسي والتوازن النفسي”، وفق ما نقله التقرير عن نائب رئيس شركة إس آند بي غلوبال ومؤرخ الطاقة الحاصل على جائزة بوليتزر، دانييل يرغن.
ويشار إلى أنه قبل عقدين من الزمن، كانت الولايات المتحدة تنتج نحو 7 ملايين برميل من النفط يومياً وتستهلك 21 مليون برميل.
وكانت دول الخليج مثل السعودية والكويت التي ترسل النفط عبر مضيق هرمز، من بين أهم الموردين الأجانب للولايات المتحدة.
والآن تنتج الولايات المتحدة ما يقارب 20 مليون برميل يومياً من النفط، وهو ما يعادل الاستهلاك تقريباً.
وأصبحت الولايات المتحدة لأول مرة مصدراً صافٍ للنفط في عام 2019.
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم:
إن المزايا الاستراتيجية كبيرة، حتى بالنسبة للبيت الأبيض الذي يتوق إلى الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة.
إن طفرة إنتاج النفط الصخري قد خففت من تأثير تخفيضات الإنتاج التي قامت بها أوبك في العامين الماضيين، وسمحت لإدارة الرئيس جو بايدن بفرض عقوبات على موردين مثل فنزويلا وروسيا، مع تشديد القيود على إيران، كل ذلك دون خوف من ارتفاع أسعار النفط.
حماية جزئية
من لندن، أكد خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:
النفط الصخري الأميركي يوفر حماية جزئية ويسهم في تقليل الاستيراد الأميركي من الخارج.
إلا أنه لا يستطيع التأثير على الأسعار العالمية إلا في حالة وجود اكتشافات ضخمة قابلة للاستخراج اقتصاديا خلال سنوات قليلة.
وأشار إلى أن إنتاج النفط الصخري يتركز في حوض بيرميان غرب ولاية تكساس وولاية نيو مكسيكو وأيضاً في ولاية داكوتا الشمالية موضحاً في الوقت نفسه أن ثمة مجموعة من التهديدات التي تعيق أسواق النفط، من بينها ما يتعلق بمضيق هرمز.
هذا المضيق الآن مهدد في حالة اشتعال حرب في المنطقة
سيناريو كهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى 140 دولاراً للبرميل خاصة وأن 21 مليون برميل تمر من المضيق يوميا وهو ما سيكون أزمة إمدادات خانقة.
في هذه الحالة سيلعب النفط الصخري دوراً حيوياً في الولايات المتحدة، خاصة وأنه بدون هذا النفط ستتعرقل الحركة الاقتصادية الأميركية.
وأشار إسماعيل إلى وجود تردد من قبل البنوك الأميركية في الاستثمار في مشاريع تنقيب وإنتاج جديدة بسبب سياسة الانتقال للطاقة النظيفة وكذلك الشكوك حول قدرة قطاع النفط الصخري على رفع الإنتاج بسرعة كافية لحماية الاقتصاد الأميركي من الصدمات.
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد نقل عن رئيس مجلس إدارة شركة كونتننتال ريسورسز ورائد النفط الصخري، هارولد هام، قوله عن التحول في النفط الصخري الأميركي: “هذا تحول كبير عما كنا عليه في السبعينيات، لو لم يكن لديك ثورة النفط الصخري الآن لكان سعر النفط 150 دولاراً للبرميل، ستكون في وضع متقلب للغاية، سيكون الأمر مروعاً”.
كما ساعدت إمدادات النفط الصخري المتزايدة في استمرار عمل المصانع في أوروبا بعد الحرب في أوكرانيا في العام 2022، إذ ساعدت شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركي، في فطام القارة عن إمدادات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب.
ووفق يرجين، فإن مدى أهمية النفط الصخري بالنسبة لأسواق النفط ظهرت بالفعل في العام 2019.
التقلبات السعرية
الباحث المتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، قال في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
النفط الصخري الأميركي خلق واقعاً جديداً في العالم وغير موازين القوى والاستراتيجيات المختلفة وواقع العرض والطلب بسوق النفط.
النفط الصخري وصل إلى أكبر مستوياته في العقد الماضي ونشط بشكل كبير.
النفط الصخري ساعد الولايات المتحدة على فرض عقوبات على إيران وفنزويلا وتغذية أوروبا بالنفط والغاز بعد أن فرضت عقوبات على روسيا بعد الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى المناورة في الأسواق برفع الإنتاج وبالتالي التأثير على الأسعار نوعاً ما.
وفيما أشار إلى أنه كان للنفط الصخري الأميركي دور رئيسي في الأسعار الحالية للنفط وبمساعدة منتجين جدد خارج أوبك وهو ما ساعد الولايات المتحدة التأثير بشكل أكبر على الأسواق، إلا أنه أوضح في الوقت نفسه أن ذلك لن يحمي الولايات المتحدة من ارتفاعات قادمة في أسعار النفط، خاصة مع عدم قدرتها على تجديد مخزونها الاستراتيجي؛ لا سيما مع استنزاف نصف مخزونها إلى أقل مستوياته من أربعين عاماً للتأثير على أسعار النفط في الأزمة الروسية الأوكرانية.
تحذير
ويحذر الخبراء من أن الولايات المتحدة لا تزال عرضة للصدمات النفطية، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي حرب شاملة في المنطقة، أو الانخفاض الكبير الجديد في الصادرات، على سبيل المثال إذا تم إغلاق مضيق هرمز، إلى إخراج إمدادات النفط بشكل لا محالة من سوق عالمية متجانسة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين من بكين إلى بوسطن، وفق تقرير الصحيفة البريطانية.
ونقل التقرير عن جيم كرين من معهد بيكر بجامعة رايس، قوله: “ما زلنا معرضين بشدة للجغرافيا السياسية والتلاعب بالسوق، إن إنتاج النفط الصخري لا يحل هذه المشكلة فعلياً، نعم نحن منتج كبير، ولكن الأهم من ذلك أننا مستهلكون كبار وهذا هو نقطة ضعفنا”.
وتمثل الولايات المتحدة نحو 20 بالمئة من الطلب العالمي على النفط، ويرجع ذلك جزئياً إلى اعتمادها على السيارات الكبيرة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود.
كما يظل النفط الصخري أيضاً عرضة بشكل فريد لتقلبات الأسعار، مما يجعله عنصراً غير موثوق به في سوق النفط العالمية، كما يقول بعض المحللين.
ظهور قوي مرة أخرى
من جانبها، قالت أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً وحتى مع سياسة بايدن بالإفراج عن جزء من الاحتياطي الاستراتيجي لم تُحَل المشكلة.. والطاقة حائرة الآن بين سياسات الديمقراطيين والجمهوريين.
في الفترة التي شهدت خفض بعض الدول إنتاجها بدأ النفط الصخري في الظهور فى الأفق مرة أخرى كلاعب قوي لتعويض ما تعرض له منذ أزمة الجائحة.
لكن بصورة عامة، الأمر أصبح خارج سياسات الطاقة الأميركية.. الأمر محفوف بالتحديات مع ارتباطه بأسعار الوقود العالمية، وتأثيراتها على الموازنة العامة والشخصية للمواطن الأميركى الذى يصوت لصالح الاقتصاد وليس السياسة وتتلاشى أمامه أية قضايا أخرى.
ويشكك المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط الصخري أنفسهم في قدرة شركات الحفر على زيادة العرض بسرعة كافية لإنقاذ الاقتصاد العالمي من صدمة نفطية مفاجئة.