لماذا تصل بعض النساء إلى سنّ اليأس في وقت مبكر؟
حينما تصل المرأة إلى مرحلة انقطاع الطمث، التي تُعرف بأنها انقطاع الدورة الشهرية لمدّة لا تقلّ عن 12 شهراً، فإن ذلك يترافق مع تأثيرات صحية واسعة ودراماتيكية.
وحينما يتوقف المبيضان عن إفراز مجموعة من الهرمونات التي تؤثر في كل أنسجة الجسم، يتأثر كلّ شيء بدءاً من الدماغ وصولاً إلى العضلات والجلد.
“يزداد خطر الإصابة بهشاشة العظام والأمراض القلبية بنحو مفاجئ”، وفق عالمة الأعصاب في معهد باك لأبحاث الشيخوخة في كاليفورنيا جينيفر غاريسون.
ووفق رأيها “يبدأ هذا التغيير الكبير في أغلب الأحيان بين الـ45 والـ55 (متوسّط العمر عند بداية انقطاع الطمث يكون 51 عاماً).
وكذلك أشارت دراسة صادرة عن عيادة “مايو كلينيك” إلى أنّ انقطاع الطمث في الولايات المتحدة مسؤول عن نحو 1.8 مليار دولار من وقت العمل الضائع، وأكثر من 26 مليار دولار من التكاليف الطبية.
وانطلاقاً من هذا الواقع، ترى غاريسون أن “من غير المنطقي الحديث عن صحّة المرأة وطول عمرها من دون النظر إلى طول العمر الإنجابي”. وتتساءل: لماذا تتدهور المبايض التي تبدأ بإظهار علامات الشيخوخة حينما تكون الأنثى في الثلاثينيات من عمرها، قبل عقود من الأعضاء الأخرى؟ لماذا تصل بعض النساء إلى سنّ اليأس في وقت مبكر أو متأخّر عن المتوسط؟ والأهم من ذلك، إذا تمكّنا من تأخير انقطاع الطمث، من خلال الحفاظ على عمل المبيضين لفترة أطول، فهل سيُترجم ذلك إلى سنوات أكثر من الصحّة الجيدة؟
تحدّث عن هذه المسألة الدكتور فيصل القاق، الطبيب في دائرة الأمراض النسائية والتوليد التابعة للمركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو مجموعة خبراء السياسات الخارجية في “منظمة الصحة العالمية”، ورئيس مجموعة صحة المرأة العربية، مفيداً بأن “مرحلة توقّف الطمث النهائيّ تُشَخَّص بعد انقطاع الدورة الشهرية لمدة 12 شهراً، مع معدّل للعمر يقدّر بنحو 50 عاماً، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط. ويحمل انقطاع الطمث تحدّيات كبيرة، ويرافقه التباس وغموض، خصوصاً أنّه ارتبط تاريخيّاً بتأويلات سلبيّة متعدّدة، عملت على تهميش وتنميط النساء اللواتي يدخلن في مرحلة انقطاع الطمث. وفي أوقات سابقة، سُمّيتْ تلك المرحلة “سن اليأس”، وما زال هذا التعبير متداولاً في بعض المجتمعات”.
بالعودة إلى نشاط وعمل المبايض، نعرف جيّداً أن جنين الأنثى (المرحلة التكوينيّة) لديه ما يقارب ستة ملايين بويضة غير ناضجة، وعند الولادة يكون هناك نحو 1–2 مليون بويضة، وتستمر هذه البويضات بالتناقص حتى مرحلة انقطاع الطمث. وحينما تصل الأنثى إلى مرحلة البلوغ، تبدأ المبايض بالعمل على مئات البويضات في كل دورة شهرية، حتى تتمكّن بويضة واحدة من الوصول إلى نقطة الإباضة، والخروج من المبيض. وإن كان هناك سائل منَويّ وحيوان منَويّ خلال فترة الإباضة فالحمل ينعقد.
ويشدّد القاق على أهمية “وجود علاقة وثيقة وتواصل دقيق ومعقّد بين غدّة الضبط في الدماغ وعمل المبيضين. وبالتالي، عندما تأتي مرحلة البلوغ، تنطلق الإشارات من الدماغ إلى المبيضين لتحفيز عملية حدوث الدورة الشهرية. ويجري إفراز هرمونات، أهمها الإستروجين، الذي يذهب عموماً إلى خلايا أعضاء مهمة وأساسيّة في الجسم، منها القلب والدماغ والعضلات والعظام والخلايا، ويسهم في تأديتها لوظائفها بشكل إيجابي”.
في المقابل، يشير القاق إلى أن “انقطاع الطمث لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هناك مسار يحدّد 4 مراحل لانقطاع الطمث:
* المرحلة الأولى: ما قبل انقطاع الطمث. وتحصل في سن تتراوح بين الـ42 والـ45 عاماً، أو ربما الـ46 عاماً.
* المرحلة الثانية: ما حول انقطاع الطمث. وتحدث ما بين سن الـ46 والـ47 عاماً، وتمتد حتى نقطة انقطاع الطمث.
* المرحلة الثالثة: انقطاع الطمث. وتشخص تلك النقطة بأنها انقطاع العادة الشهرية لـ12 شهراً.
* المرحلة الرابعة: ما بعد مرحلة الطمث.
يؤدّي هذا العبور إلى عوارض ناتجة من انخفاض واضطراب إفراز هرمون الإستروجين. وهنا نطرح سؤالاً مهماً وأساسياً: لماذا يشيخ المبيضان أسرع مقارنة بباقي الأعضاء؟
ووفق القاق، حاول الباحثون “معرفة سبب شيخوخة هذا العضو، فتبيّن أنه في بيئة المبايض تتسارع عمليّة التليّف، التي تُشكّل عائقاً كبيراً أمام تطوّر “الجُريبات”/ الأكياس، التي تحتوي على البويضات التي تفزر هرمون الإستروجين عند الإباضة”.
واستناداً إلى ذلك الفهم، يمكن العمل على تأخير #شيخوخة المبايض ومساعدة المرأة على تفادي هذه العوارض العديدة خلال العبور إلى مرحلة انقطاع الطمث النهائي، التي تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية وبيئة العمل…
إذن، تُركز الأبحاث اليوم على كيفيّة منع التليّف وهرم المبايض وإطالة عمرها. بالفعل، أظهرت الأبحاث أن حدوث التليّف يكون نتيجة وجود إشارات وتغييرات في داخل المبايض ومنها إنزيم حيوي يسمّى “إم تور” mTOR. ويؤثر mTOR على المبايض نفسها، إضافة إلى تأثيره على التمثيل الغذائي وإحراق السعرات الحرارية وتغذية العضلات والهيكل العظمي.
وفي متابعة لأحدث التطورات والدراسات، يؤكّد القاق أن “حقن المبايض بدواء استُخدم لعلاج السرطان، واسمه “راباميسين”، يساعد على الحفاظ على “الجُريبات/ الأكياس” ومنع استهلاكها، وبالتالي يحافظ على عُمر وعمل المبايض أكثر. كذلك، نجح الدواء في وقف التليّف عن طريق نشاط الـmTOR، الذي يُسرّع عمل المبايض واستهلاك الجُريبات”.