ماذا عساي أقول في عيدك يا أمي؟
لست أدري لماذا تتعطّل لغة الكلام عندما أريد أن أتحدث إليك وعنك، رغم أن هناك الكثير والكثير من الكلمات والأفكار والأحاسيس التي لطالما انتظرت أن تترجم في جمل مفيدة لتعبّر لك ولكل من يسمعها ومن يقرأها عما يخالجني من مشاعر؟
ماما يا حبيبة قلبي! ها هو العيد الثاني يطل وأنت غائبة. حزني على غيابك شديد وشديد جداً وان كان عتبي أكبر.
آه لو تدرين يا “ست الحبايب” كم آلمني فراقك وكم عذّبني رحيلك.. لم أكن أعتقد أبداً أنك سترحلين عن هذه الدنيا وتسافرين خلف البحار والمحيطات والى ما وراء الغيوم دون وداعي مع أنك اكّدت لي مراراً وتكراراً إنك تنتظرين قدومي. أهكذا تترك الأمهات أولادهن ويغادرن دون سابق إنذار؟ أهكذا وبغمضة عين تحولين جنة حياتي الى جحيم أسود؟
لم أكن أتصوّر أبداً يا أمي أنك سترحلين قبل أن أروي ظمأ اشتياقي في تقبيل وجنيتك وجبينك ويديك. لم أكن أعتقد ولا أصدّق أنك ستتركين هذا العالم قبل أن أخرج عن صمت السنين لأعبّر لك عن مدى حبي الكبير، والذي لا يقاس، ولأخبرك كم أنا ممتنة لتضحياتك وأتعابك لكي أصبح ما أنا عليه اليوم.
ماما، يا أغلى الناس على قلبي! رسالتي هذه أرسلها لك مع ساعي بريد السماء لتتشارك في قراءة حروفها كل النجوم والكواكب وكل سكان تلك الدنيا وليعلم الجميع كم أنك برحيلك سرقت طعم الحياة ولذتها وحلاوتها وتركت فراغاً ثقيلاً، مراً وبارداً وجحيما لا يطاق.
ماما “يا ست الكل” انت، صحيح انك رحلت بالجسد لكنك ما زلت حيّة في قلبي، حبك يسري في عروقي ويغذّي قلبي وعقلي وروحي. أراك في كل شيء جميل وفي كل روح طيبة، أراك في ثلج الشتاء الناصع، وفي نجوم السماء التي تنير الأرض، أراك في نسائم الربيع العليلة، وفي كل بسمة مشرقة و كل نظرة حانية. أشتمّ رائحتك في كل عطر فوّاح وأتحدث معك وإليك في كل مرة أكون فيها تائهة محتارة أفتش عن رأي صائب وعن نصيحة ترشدني الى الحل الناجع.
آه لو تعلمين يا أمي كم أنني أحسد سكان السماء عليك، ففي وسطهم يعيش “ملاكي” بقلبه الرقيق الكبير ونواياه الصافية، أحسدهم لأنهم يستيقظون في الصباح على صورة وجهك البشوش ورائحة قهوتك اللذيذة، وينامون في الليل على نغمات صوتك العذب الحنون.
نعم يا أمي، أحسدهم لأنك باقية معهم والى الأبد، وعنهم لن ترحلي على غفلة كما فعلت معنا. أحسدهم وأنا من لا يعرف الحسد الى قلبي طريق، آه لو تعلمين يا “حبيبة” كم أنا مستعدة لأن أدفع عمري كلّه لأحصل على غمرة منك، على لفتة، على نظرة وحتى على لمسة دافئة تعيد اليّ حب الحياة.
ماما، بعد رحيلك بتّ أناجي الكواكب لأتواصل معك. اسألي قمر الليالي، ونجوم السماء، اسألي الأمطار والطيور والفراشات، اسألي كل الكائنات التي تسبح في الفضاء، اسأليها عني. لقد باتت بعد رحيلك، تنتظرني قبل أن أناديها فهي مثلي باتت مجنونة بك لكثرة ما أكلّمها وأحدّثها وأسألها عنك.
فيا سكان الارض، اليكم اليوم اتوجّه لأقول: الأم ليست واهبة الحياة فحسب بل هي الحياة كلها. هي تلك العاطفة الجيّاشة التي تزوّدنا بأطيب طعم للدنيا، هي الأمن والأمان، هي الحب والرقة والحنان، هي التضحية ونكران الذات، هي كل الجمال، الأمان والأمل الذي لا يغيب.
الأم نعمة من نِعَم السماء ومَن أمه لما تزل على قيد الحياة فليكرّمها، ويدلّلها، ويحترمها و يحبها ودون أي قيد أو شرط، فوجودها أمل وراحة. وغيابها ألم وشقاء. حضورها بركة صادقة ورحيلها فراغ موحش.
أصدقائي، من المؤكد أن قطار الحياة سيكمل طريقه حتى بعد مغادرة “ست الحبايب”، أغلى البشر على قلوب البشر، ولكن سيتغير بالتأكيد مفهوم الرحلة حيث تحل البرودة مكان الدفء، والشح مكان العطاء،والجفاف مكان النضارة والنداوة، لكن وقبل أن نقول لها وداعًا ليتنا ننعم بمخزون حب أكبر و نفهم كيف نحبها ونحبها ونحبها فقط.
صلّي لاجلنا أماه.