جاليات

وسام تكريمي باسم الملك تشارلز للأب ميشال فواز تتويجًا لمسيرته الإيمانية والوطنية في خدمة الجالية والمجتمع

ليس كل تكريم يُقاس بالذهب أو الأوسمة، فبعضه يُكتب في القلوب، ويُتلى في الصلوات، ويُحفظ في ذاكرة الرعايا والأجيال. وفي لحظة وفاء نادرة، توّج المتقدّم في الكهنة، الأب ميشال فواز، بميدالية “تتويج الملك تشارلز الثالث” تكريمًا لمسيرة تجاوزت الثلاثين عامًا من الخدمة الكنسية والإنسانية والاجتماعية في كندا.

هذه الميدالية الملكية، التي تُمنح مرة واحدة فقط في العمر، لا تُعطى إلا لأولئك الذين تركوا أثرًا لا يُمحى في مجتمعاتهم. والأب فواز، بخدمته الطويلة، وبابتسامته الأبوية، وباب كنيسته المفتوح دائمًا، جسّد المعنى الحقيقي للعطاء المجرد من الأضواء. فقد كان راعيًا لا يكلّ، ومرشدًا لا يملّ، وصوتًا للمحبّة والرجاء في زمن الحاجة ،ما ساهم وبجدارة في نيله هذه الجائزة التكريمية التي خصّه بها النائب في البرلمان الكندي فيصل الخوري.

اقيم حفل تسليم الميدالية في صالون كاتدرائية السيدة الارثوذكسية في مونتريال ،البيت الاحب الى قلب فواز ،وذلك بحضور راعي ابرشية كندا للروم  الارثودكس المطران الكسندر مفرج،ممثل دار الفتوى في  الجمهورية اللبنانية في مونتريال، الشيخ سعيد يوسف فواز،ممثل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في كندا السيد نبيل عباس ،ممثل الطائفة الدرزية في كندا الشيخ عادل حاطوم، زوجة المكرّم الخورية فاديا فواز ،رئيس فرع مونتريال في حزب “القوات اللبنانية ” رشدي رعد ،ممثلا هيئة كولكو -كندا وهيئة مونتريال  في التيار الوطني الحر  ناهي بعلبكي وصقر صقر،رئيس مجلس كنيسة السيدة شارل شقير وأعضاء ،ممثلون عن جمعيات ومؤسسات ،أباء أجلاء،اهل الصحافة ، الاستاذ جوزف دورا ،الدكتور سامي عون وحشد من محبي الاب فواز وابناء رعيته.

1-المطران مفرج

وفي كلمته توجه سيادة المطران مفرج الى الاب فواز بالقول :” اليوم، نقول لأبينا ميشال فواز: أنت لم تكن مجرد كاهن في هذه الكنيسة، بل كنت أحد بناتها الحقيقيين. صحيح أن البناء موجود بالحجر، لكنك بنيت الشعب بالإيمان.

نحن، الذين جئنا مهاجرين إلى هذه البلاد، كنّا بحاجة إلى من يحتضننا، من يصلي معنا، من يعيننا على الحفاظ على إيماننا الذي حملناه معنا من الوطن. وأنت، يا أبانا، كنت ذاك الراعي الذي جمع الشعب، ووحّد القلوب، وثابر في خدمته بصدق وإخلاص، ليس فقط تجاه الناس، بل أولاً وأساسًا تجاه الله”.

وتابع يقول:”لقد التزمت بهذه الكنيسة بمحبة لا حدود لها، وها نحن اليوم نرى ثمرة هذا الالتزام في هذا الإنجاز الاستثنائي: كنيسة تعج بالمؤمنين، فيها من الحياة ما لا نراه في أماكن كثيرة. فمن النادر أن نجد كنيسة تمتليء كل أحد بـ700 أو 800 شخص يصلّون معًا، كما يحدث هنا، في كنيستنا.

نعلم جيدًا أن هذا العمل لم يكن فرديًا، فقد ساعدك الكثيرون، منهم من لا يزال بيننا اليوم، ومنهم من سبقونا إلى الحياة الأبدية، ونحن لا ننسى فضل أحد.

اليوم، ننحني احترامًا لتعبك ولعطائك، ونقول لك إن الجائزة التي نلتها هي تكريم أرضي مستحق، ولكن المكافأة الأعظم ستأتي من الرب، يوم تقف أمامه وتقول له: “ها أنا قد خدمت”، فيرد عليك: “نِعِمّا أيها العبد الصالح والأمين”.”

وختم قائلا :”مبروك لك هذا التكريم. باركك الله، وأطال في عمرك، وبارك عائلتك، ونحن، كل أبناء رعيتك، وكل من خدموا معك عبر السنوات، نبادلك المحبة والوفاء، ونرفع الصلاة لكي يحفظك الرب ويرعاك في كل أيامك”.

2- شقير

وفي كلمته، توقّف شقير عند أهمية هذا الوسام، واصفًا إياه بأنه يتجاوز الطابع الرمزي ليجسّد اعترافًا رسميًا وعميقًا بمن يقدّمون أنفسهم في خدمة المجتمع دون ضجيج، بإيمان ثابت وروح معطاءة. وقد نوّه شقير بأن منح الوسام للاب ميشال فواز، وبمبادرة من سعادة النائب فيصل الخوري، يأتي تتويجًا لمسيرة طويلة من العطاء الصادق.

واستعاد شقير محطات من علاقته مع أبونا ميشال، التي بدأت منذ الثمانينات في لبنان، حيث جمعتهما تجربة إعلامية مميزة. حتى آنذاك، كان الأب ميشال يحمل رسالة تتخطى الإعلام، شعلة روحية اتّضحت أكثر مع الهجرة إلى كندا، حيث واصل دراسته وتعمّقه اللاهوتي، من دون أن ينفصل عن هموم الناس واحتياجاتهم.

وسرد شقير كيف بدأ الأب ميشال خدمته في كندا بإمكانيات متواضعة، من قاعات المدارس إلى كنائس مستأجرة، قبل أن يحقق حلم بناء كنيسة دائمة، ويحوّل كنيسة كاثوليكية سابقة إلى واحدة من أجمل الكنائس الأرثوذكسية في القارة “بدأ من أماكن بسيطة، من قاعة مدرسة McDonald في مدينة سان لوران، إلى استئجار كنيسة صغيرة في شارع “بستور”، وكلها كانت محطات تعبّر عن إرادة لا تلين في جمع المؤمنين رغم غياب مكان دائم.

ثم جاء التحدي الأكبر: استئجار كنيسة أخرى، حيث نحن اليوم، في 120 شارع غوين شرق. كانت هذه الكنيسة في الأصل كنيسة كاثوليكية، فتحوّلت، بفضل رؤيته وعزيمته، إلى درّة من درر العمارة الأرثوذكسية في أميركا الشمالية.

بفضل رؤية واضحة، وإصرار لا يعرف التراجع، وعمل دؤوب، تمكن الأب ميشال من شراء الكنيسة وتحويلها بالكامل. واليوم، تُعدّ هذه الكنيسة من أجمل الكنائس الأرثوذكسية في القارة.

هذا الإنجاز ليس مجرد نجاح معماري، بل هو ثمرة إيمان حيّ، وقيادة حكيمة، وروح جماعية. هو ثمرة كاهن عرف كيف يبني ليس فقط بالحجر، بل بالثقة والمحبة والالتزام”.

 و شدد  شقير على أن نجاح الأب ميشال لم يكن بنيويًا فقط، بل إنسانيًا وروحيًا بامتياز ،مشيرا إلى أن أثر أبونا ميشال يُقاس بما زرعه في القلوب، لا فقط بما بناه من حجارة: في رعايته للمرضى، ومرافقته للعائلات، وتقديمه المساعدة لكل محتاج. إن وسام الملك تشارلز الثالث، بحسب شقير، ليس مجرد تكريم بل هو اعتراف بمسيرة من التواضع، والرؤية، والإيمان الحي.

وختم قائلا :”إن وسام تتويج الملك تشارلز الثالث، في هذا اليوم، ليس مجرد تكريم رسمي. بل هو تجسيد رمزي وفعلي لما نحمله نحن منذ زمن في قلوبنا. وسام مستحق، بلا شك، بل هو وسام عادل، لأنه يكرّم خدمة نادرة، مليئة بالتواضع والرؤية والإيمان الحقيقي” موجهًا باسم المجلس الرعوي وجميع أبناء الكنيسة، أحرّ التهاني للأب ميشال، متمنيًا له الصحة والعمر الطويل، ومعتبرًا أن وسامه الحقيقي هو المجتمع الموحد الذي بناه بالإيمان والمحبة.

النائب الخوري 

وفي كلمته توقف الخوري عند أهمية تكريم الاب فواز،الشخصية الاستثنائية بعطاءاتها ومحبتها اللامتناهية للعمل الانساني والخدمة الكهنوتية ومما قاله:” بمشاعر عميقة من التأثر وباحترام بالغ، أقف أمامكم اليوم لأقدم ميدالية تتويج جلالة الملك تشارلز الثالث إلى رجل إيمان وقلب وخدمة: الأب ميشال فواز المحترم.

منذ أكثر من 25 عامًا، يجسّد الأب ميشال، هنا في مونتريال، قيم السلام والرحمة والتضامن التي تشكّل جوهر الرسالة الروحية. وبصفته أحد مؤسسي الكنيسة الأرثوذكسية التي نعرفها اليوم، فقد بنى ما هو أكثر من مجرد مكان للعبادة: لقد أسس جماعة حية، ملاذًا للأرواح الباحثة عن الروحانية، والراحة، والأخوّة.

لقد رغب جلالة الملك تشارلز الثالث، من خلال هذه الميدالية، في تكريم الأشخاص الذين يساهمون من خلال التزامهم وتفانيهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية. والأب ميشال فواز هو مثال ساطع على ذلك”.

وتابع يقول :”أيها الأب ميشال العزيز، هذه الميدالية ليست مجرد رمز ملكي، بل هي أيضًا انعكاس لاعتراف الأمة بعمل حياة كُرّست للصالح العام، ولمحبّة القريب، ولنقل القيم الروحية.

باسم كندا، وباسم جلالة الملك، وباسمي الشخصي، اسمحوا لي أن أشكركم على التزامكم الذي لا يعرف الكلل، وعلى حكمتكم، وحضوركم الكريم في قلب مجتمعنا. أنتم باني رجاء، وحامل نور.

نعم، الجميع يفرح بك، ويُرسل إليك من القلب قبلات لبنانية تعبّر عن فخره واعتزازه بك، وبمسيرتك الإيمانية الأصيلة. فأنت رجل لا يؤمن إلا بتعاليم المسيح، وبجميع الأديان السماوية التي تنادي بالمحبة، وبالارتقاء بالإنسان، وبالرحمة والحوار.

لقد كنت دومًا الداعي إلى التلاقي، لا التفرقة، إلى المحبة، لا إلى الكراهية. لم نعرفك يومًا مُنحازًا لهذا ضد ذاك، بل كنت الأب الشامل، الذي يرى في الجميع أبناءه، ويؤمن أن “الكبير خادم الصغير”، كما أوصانا السيد المسيح، وجميع الأنبياء.

أنت خادم الكل، وسيدهم بالمحبة والخدمة. ما عرفناك إلا صوتًا للحكمة، وبابًا مفتوحًا للجميع، وداعيًا دائمًا إلى الوحدة والرحمة. هذه هي الرسالة الدينية الأصيلة التي آمن بها السيد المسيح، والتي تجسّدها أنت كل يوم.

وختم قائلا:”نهنئك من أعماق قلوبنا، لأنك الأب الفاضل الذي ارتفعت على كتفيه أعمدة هذه الكنيسة، ومنها تشكّلت هيبتها الروحية، هيبة مقدّسة تنادي بالإيمان، وتبني الأمل في النفوس”.

3- المكرّم الاب فواز

وفي كلمته توجه  الاب فواز بالشكر لخالق الاكوان الذي أغرقه بنِعَمه بسخاء، والذي سمح له بأن يساهم في تأسيس رعية هذه الكنيسة، المكرسة للعذراء مريم، لتمجيد اسمه إلى الأبد،كما توجه بالشكر للحكومة الكندية ممثلة بسعادة النائب فيصل الخوري،ولسيادة المطران الكسندر مفرج ولكل فرد من افراد الرعية وعائلاتهم ،لكل من وقف معه وسانده .كما توجه بالشكر لزوجته فاديا  وأولاده أنطوان وكارلا، على دعمهم اللامشروط طوال سنوات خدمته للمجتمع.

وأضاف يقول :”منذ البداية، كان لكل شخص ذُكر اسمه في هذه الكلمة دور فاعل وحقيقي في إنجاح هذا الحدث. لقد عملوا بجدّ، كلٌّ من موقعه، وبطرق لا يمكن تخيّلها، وكانوا السند الحقيقي في كل خطوة، حتى بدا جليًا أن هذا العمل ما كان ليكتمل لولا جهودهم المباركة.”

كما أشاد بالمجهود الذي بُذل لإنجاز التصميم والديكور الذي لفت أنظار الحاضرين، قائلاً:
“أنتم رأيتم بأعينكم نتيجة هذا العمل، رأيتم هذه القاعة (الصومة) التي تزيّنت بكل تفاصيلها بفضل تعبهم. لقد صنعوا شيئًا يفوق التصوّر، وتركوا أثرًا سيبقى محفورًا في ذاكرة الأجيال القادمة.”

وختم قائلًا: “لتعلم الأجيال القادمة أن الكنيسة لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بسواعد قوية، وبإيمان راسخ. هذا هو المعنى الحقيقي للبذل والعطاء… آمين.”

وفي الختام قدم مجلس الرعية هدية تذكارية للمتقدم في الكهنة الاب ميشال فواز عربون شكر وتقدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى