البابا طالب في مؤتمر المناخ “كوب ٢٧” باتخاذ خيارات ملموسة قبل فوات الأوان
عشية اختتام أعمال قمة المناخ “كوب ٢٧”، حث البابا فرنسيس الجميع على عدم التخلي عن الالتزام بالاعتناء بالأرض المجروحة بسبب تصرفات الإنسان اللا مسؤولة.
جاءت مناشدة الحبر الأعظم في تغريدة على حساب “بونتيفيكس”، شدد فيها على ضرورة ألا نتعب من السعي إلى التصدي للوضع المأساوي الطارئ المتعلق بالتغيرات المناخية، مطالباً باتخاذ خيارات ملموسة وبعيدة النظر، مع التفكير بالأجيال الفتية قبل فوات الأوان”.
وشكلت تغريدة البابا نداء جديدا للتجاوب بطريقة مسؤولة مع التحديات التي تطرحها أمامنا اليوم ظاهرة التغيرات المناخية.
مسألة كان البابا تطرق إليها الأحد الفائت بعد تلاوة صلاة التبشير الملائكي، متمنياً أن تتخذ خطوات إلى الأمام بشجاعة وحزم على الدرب التي خطها اتفاق باريس بشأن المناخ، والواجب أن تطبق خصوصا أن الاتفاق عبارة عن معاهدة دولية أبرمتها البلدان الأعضاء في الاتفاق الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية. وكان الكرسي الرسولي أعلن أخيرا انضمامه إلى هذا الاتفاق.
التحديات الكبيرة المتمثلة بظاهرة التغيرات المناخية تناولها البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة، لا سيما في اليوم العالمي للصلاة من أجل العناية بالخليقة في الأول من أيلول الماضي، عندما شدد الحبر الأعظم على أن بلوغ الهدف الذي وضعه مؤتمر باريس عن الحد من ارتفاع حرارة الأرض بواقع درجة ونصف درجة مئوية، هو مهمة ملزمة تتطلب تعاونا مسؤولا من جميع الدول، بغية الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، لافتا إلى أنها مسألة ملحة. ودعا إلى تغيير نماذج الاستهلاك والإنتاج، وأنماط الحياة لتكون أكثر احتراما تجاه الخليقة والتنمية البشرية المتكاملة بالنسبة لجميع الشعوب، اليوم وفي المستقبل.
يدعونا البابا فرنسيس إلى التساؤل: أي عالم نريد لنا وللأجيال التي ستأتي من بعدنا؟ مسلطا الضوء على أهمية الارتداد البيئي الذي يتطلب تغييرا في الذهنية والتزاما في العمل من أجل تعزيز صمود الناس والمنظومات الإيكولوجية التي نعيش ضمنها. ويرى الحبر الأعظم أن فقدان التنوع البيولوجي بالإضافة إلى العديد من الحروب المنتشرة في مناطق عدة من العالم وأزمة المناخ، عوامل تدلنا على أن كل شيء مترابط في عالمنا. ويؤكد البابا أن تعزيز الخير العام في كوكب الأرض على المدى البعيد، هو أمر جوهري من أجل تحقيق ارتداد إيكولوجي أصيل.
في أكثر من مناسبة رفع البابا صوته خلال حبريته، داعيا إلى عدم إرجاء عملية الارتداد الإيكولوجي، لأن المسألة تحتاج إلى حلول طارئة. وشدد في رسالته إلى المشاركين في قمة المناخ “كوب 27″ على أن الأرض لا تستطيع الانتظار، مشيرا إلى أن العديد من الأشخاص يتأثرون اليوم بهذه الأزمة المناخية التي تلقي بثقلها على الكثير من الناس، لا سيما السكان الأكثر هشاشة وضعفا، ما يجعل هذه المسألة مرتبطة أيضا بحقوق الأطفال. كما يذكر البابا بأن أعداد ما يسمى بـ”المهاجرين البيئيين” ستزداد في المستقبل لتتخطى أعداد الفارين من الحروب والصراعات المسلحة. ويشدد في هذا السياق على ضرورة التصرف فورا وبشجاعة ومسؤولية، لكي تتمكن البشرية غدا من الاعتناء بنفسها وبالطبيعة.
في السياق استقبل البابا فرنسيس أمس في الفاتيكان بطريرك وكاثوليكوس كنيسة المشرق الآشوريّة مار آوا الثالث ووجه له خطابا تحدث فيه عن العلاقات القائمة بين الكنيستين وأطلق نداء من أجل ضمان حقوق المسيحيين في الشرق الأوسط، ولا سيما الحق في الحرية الدينية.
استهل البابا كلمته شاكرا ضيفه على زيارته الأخوية والأولى بصفته الكنسية، مع أنه عاش ودرس في المدينة الخالدة. بعدها لفت الحبر الأعظم إلى أنه يرفع الشكر للرب على العلاقات التي نسجت بين الكنيستين خلال العقود الماضية، بدءا من الزيارات العديدة التي قام بها إلى روما البطريرك الكاثوليكوس الأسبق مار دنخا الرابع، لا سيما في العام ١٩٩٤ عندما وقع مع البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الإعلان الكريستولوجي المشترك، والذي وضع حدا لسجال عقائدي حول مجمع أفسس دام ألفا وخمسمائة سنة. وقال فرنسيس إنه يتذكر أيضا زيارة سلفه مار جوارجيس الثالث إلى روما في العام ٢٠١٨ عندما وقع معه على الإعلان بشأن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط. وأكد أنه يتذكر أيضا المعانقة بينهما في إربيل، خلال زيارة البابا الرسولية إلى العراق، موضحا أن العديد من المسيحيين الذين تألموا لكونهم مسيحيين عانقوه بحرارتهم وفرحهم.
بعدها شاء البابا أن يحيي أعضاء اللجنة المختلطة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية، معربا عن امتنانه للجهود التي تبذلها اللجنة منذ نشأتها في العام ١٩٩٤، والتي حققت انجازات بينها الاعتراف المشترك بالإفخارستيا في العام ٢٠٠١ من قبل مؤمني كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكلدانية. واعتبر الحبر الأعظم أن اللقاءات والحوارات أثمرت بعون الله، وعززت التعاون الرعوي من أجل خير المؤمنين كافة، بالإضافة إلى مسكونية رعوية التي هي الدرب الطبيعية نحو الوحدة التامة.
لم تخل كلمات البابا فرنسيس من الإشارة إلى الوثيقة التي تعمل كنيسة المشرق الآشورية على إعدادها بعنوان “صور الكنيسة في التقليد الآبائي السرياني واللاتيني”، وذكر فرنسيس بأن آباء الكنيسة تحدثوا عن الكنيسة مستوحين من صور عدة عن القمر، والمأدبة، وغرفة العرس، والسفينة والحديقة والكرمة. ولفت البابا إلى أن هذه اللغة البسيطة والمتاحة للجميع تخاطب أبناء زماننا، إذ لا بد من الاقتراب أكثر من عالم اليوم، من خلال المسيرة السينودسية، عن طريق الكلمة وشهادة الحياة.
بعدها تحدث البابا عن وجود تاريخ نير من الإيمان وإرث لاهوتي عميق يجمعان بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكلدانية، اللتين اختبرتا أيضا الألم والمعاناة، وقدمتا العديد من الشهداء. ولفت فرنسيس في هذا السياق إلى أن الشرق الأوسط ما يزال يعاني وللأسف من أعمال العنف وانعدام الاستقرار والأمن، موضحا أن العديد من الأخوة والأخوات اضطروا إلى مغادرة المنطقة، وكثيرون يناضلون في سبيل البقاء. وأطلق الحبر الأعظم نداء من أجل ضمان حقوق المسيحيين، لا سيما الحق في الحرية الدينية والمواطنة الكاملة. وقال إن هذا الوضع يتطلب منا أن نصلي ونعمل جاهدين لكي يأتي يوم يحتفل فيه جميع المسيحيين بـ”المناولة” المقدسة معا في إطار الوحدة بين الكنائس.
في ختام كلمته، ذكر البابا بأن المسيرة السينودسية التي تجتازها الكنيسة الكاثوليكية اليوم ينبغي أن تكون مسكونية، آملا أن يستمر السير في درب المسكونية، شاكرا ضيفه على الجهود التي يبذلها من أجل توحيد الاحتفال بعيد الفصح، وأمل أن يتحقق هذا الأمر بدءا من العام ٢٠٢٥ تزامنا مع الاحتفال بذكرى أول مجمع مسكوني، مجمع نيقيا.