جاكلين جابر لـ”صدى المشرق”: الإرادة وحب الحياة والمغامرة عناوين ثلاث لمسيرتي المهنية وثورتي على الانكسار والخنوع لم ولن تنتهي
– جاكلين جابر أبو عقل، إعلامية وكاتبة ومعدّة برامج، كيف تلخصين حياتك في لبنان كإعلامية؟
أنا إعلامية ناجحة اقولها وبكل تواضع، لقد استطعت ان ارسم خطاً خاصاً بي، لاسيما وانني عملت في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب وحصّلت خبرات عديدة ساهمت في بلورة شخصيتي كصحافية متخصصة، فإلى عملي كأمين سر المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسوع كنت اعمل على اعداد وتقديم برامج متنوعة وأخرى وثائقية عبر محطة تيلي لوميير Télé Lumiére، كما كان لي مساهمات كتابية في اكثر من جريدة ومجلة وموقع الكتروني، بالاضافة الى المجلات الخاصة التي كنت اعمل على اصدارها والمتعلقة بالبلديات… وقد حرصت خلال مسيرتي الإعلامية الطويلة في لبنان على وضع بصمتي الخاصة في كل المواضيع التي تهم الناس والتي تعتبر بعيدة قليلاً عن السياسة.
– ما هي أبرز العلامات التي تعتبرينها فارقة في حياتك الإعلامية المهنية في لبنان؟
بطبيعتي أبحث دائماً عن التحديات الصعبة، ومن أبرزها كانت مشاركتي في تحقيق حلم زميلة كفيفة، كانت تسعى للدخول إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، فهي كانت تؤمن إنني مَن سيحقق حلمها، وهو ما حدث بالفعل. فبعد ان تم التواصل مع القائمين على موسوعة غينيس بدأ العمل الجدي ونجحت بإعداد حلقة عبر تلفزيون لبنان، كانت مع تسعين شخصية من مختلف المجالات الفنية والطبية والاعلامية والمجتمع المدني و… ووفق شروط غينيس كان علينا أن نطرح 5 أسئلة على كل ضيف في مقابلة مدتها خمس عشرة دقيقة على أن يمنع تكرار أي سؤال، وتمكّنت من النجاح وقد ساعدتني الصديقة والزميلة هلا المر في اعداد الاسئلة الفنية وقد استطعنا أن ندخل موسوعة غينيس كأطول بث تلفزيوني وأغنى مقابلات.
من العلامات الفارقة في حياتي المهنية أيضاً تقديمي لبرنامجَين عبر محطة تيلي لوميير الاول يتعلق بالهوايات الغريبة والتي لا تشبه اي من الهوايات المعروفة والثاني تسليط الضوء على مجموعة من النساء الرائدات في مجالات لطالما كانت حكراً على الرجال، فنجحن بتحقيق طموحاتهنّ من دون أن يؤثر ذلك على نسبة ولو قليلة من أنوثتهن، ومن خلال هذه الحلقات أثبتُّ أن المرأة تستطيع أن تنجح أينما حلّت وهي قادرة على التحدي.
– تركتِ لبنان بحثاً عن آفاق جديدة، هل وجدت ما كنت تبحثين عنه وما هو ذلك الذي جعلك تتركين لبنان نحو كندا؟
الوضع الذي يمرُّ بِهِ بلدنا مأساوي، وكوني أم لولدين وأدرك تماماً أن الأفق مسدود أمام مستقبلهم، وازنت الأمور أنا ورفيق دربي في هذه الحياة، زوجي وليد، بين حياتنا وسعادتنا في لبنان في مقابل تعاسة أولادنا الذين لن يجدوا مستقبلهم كما كل الشباب الذين يعانون في الوطن، فوجدنا أن الدفّة تميل لصالح وَلَدَيْنَا، فكانت فكرة الهجرة والرحلة التي بدأناها عام 2015، ويومها لم نستطع الصمود في كندا بسبب صعوبة الغربة لنعود أدراجنا إلى لبنان ونقرر الاستقرار على اراضيه نهائيا.
لكن ومع تزايد الازمات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، دفعتنا صعوبة الأوضاع فيها للعودة إلى خيار الهجرة، وبالفعل في العام 2018 غادرنا إلى كندا، من جهة لان الاوضاع في لبنان كانت ذاهبة الى الاسوأ ومن جهة أخرى، اصرار وَلَدَيْ على العودة الى هذه البلاد الواسعة التي ورغم صقيعها فيها من الدفء ما يكفي لطمأنتنا واياهم على مستقبلهم واحلامهم الكبيرة..
أتصوّر أنّ ما من أحد يترك وطنه ويكون فرحاً، لكن عندما تصلي إلى كندا وتجدي آفاقها المفتوحة لمستقبل أولادك، بالمقابل في وطنك لا ماء ولا كهرباء حتى الدراسة متقطّعة، تشعرين براحة نفسية للأسف لم تشعري بها في وطنك.
– هل عشتِ معاناة مع الغربة؟ كيف تصفينها أنت وعائلتك خاصة كإعلامية… فمن الصعوبة بمكان ترك مكان عملك والذهاب الى مكان آخر؟
في العام 2015 عندما هاجرت لأوّل مرة إلى كندا لم أستطع الصمود إلا لـ9 أشهر، مثلي مثل عدد كبير من الناس الذين هاجروا وتركوا وراءهم أعمالهم، فأنا وزوجي مرتاحي البال ووضعنا المادي ميسور، وظائفنا مغمورة وأحوالنا تسير بشكل جيد لذلك لم تكن فكرة الاغتراب راسخة في عقولنا الامر الذي شجعنا على العودة دون اي التفاتة تذكر الى الوراء.
اما في التجربة الثانية في العام 2018 فقد كنت حاضرة على المستوى النفسي اكثر لفكرة الاغتراب، وكنت مؤمنة بوجوب شق طريق جديد، وبالفعل حضّرتُ نفسي لأكون سنداً لِوَلَدَيْ وزوجي في الغربة والداعم الأساسي لهم، وأدركت حينها أنَّ البقاء في المنتصف بين الوطن والغربة لن يجرّني إلى النجاح، وقرّرت أن أختصر المسافات الصعبة وأقبل التحدي. وكما نجحت في بلادي من المؤكد انني قادرة على النجاح أينما أكون.
وقررت أيضاً أن ألعب الدور الحقيقي للأنثى التي تكون في المقدمة دائماً، وبالفعل لم أشعر إنني في غربة، استطعت أن أنسج العلاقات والأهم إنني نجحت في البقاء بمجال عملي أي في الصحافة لأنَّ المغترب عادة لا يعمل في اختصاصه أو في مجاله عندما يتغرّب لعدة أسباب، وبنيتُ لنفسي مكاناً جديداً وبات إسمي معروفا ومترافقا مع صفتي كصحفية وكاتبة، واستطعت في الغربة أن أبني وطنا في منزلي.
– استناذا إلى ما ذكرته، ألم يكن صعباً على جاكلين جابر أن تلعب كل هذه الأدوار معاً أن تكون أماً داعمة وزوجة محبة ومتفهمّة وصحافية ناجحة هي في بلاد جديدة وفي غربة؟
عندما تُوجَد الإرادة وحب الحياة والمغامرة، وأن تري كل الناس من حولك فرحين في بلد كان حلمهم أن يأتوا للاستقرار فيه يصبح الجميل أجمل، والمرّ أحلى ويصبح دورك كأم أن تكوني دائماً إلى جانب عائلتك، وأن تثبتي نفسك، لأنَّ المرأة قادرة على النجاح أينما كانت بسبب تفاؤلها وحبّها للحياة. ونعم أنا ناجحة في أي بلد كنت.
– من لبنان إلى كندا خبايا الوطن وسحر الغربة قصة نجاح تضاف إلى دخولك موسوعة غينيس وغيرها من الإنجازات فلنتحدث عنها وعن أهميتها بالنسبة إليكِ؟
مذ كنت في لبنان، وأنا أرى الصورة النمطية عن المغترب التي تتجلى في “أنَّه يمتلك الكثير من الأموال ولعله يقطفها عن الشجرة، لماذا وكيف يجني امواله الطائلة”؟ وكثيرا ما كانت تراودني الافكار حول معرفة كيفية حياة من ترك بلاده واغترب، ولما كنت ابحث عن اجوبة لاسئلتي عرض علي رئيس تحرير احدى المجلات التي تعنى بالشأن الاغترابي تزويدهم بملف عن مغتربي كندا، وبالفعل استطعت في العام 2015 ان انجز ملفا خاصا بهذه الدولة كان محط اعجاب من قرأه واطلع على مضمونه ما فتح أمامي الطريق لاؤسس لمشروعي الكبير وهو اصدار كتاب عن لبنانيي كندا الناجحين والذي أخذ مني تحقيق الجزء الاول منه ما يقارب السنتين بسبب الكوفيد الذي عطّل الكثير من الانجازات، وهنا اود ان اشير الى انني اخترت ضيوفي انا المهاجرة الجديدة الى كندا الواسعة، وحدي، الا قلة منهم ساعدني في التواصل معهم احد اصدقائي الذي أكنّ له كل الاحترام، رولان الديك، فيما ساعدني طموحي وعملي كمراسلة للوكالة الوطنية للاعلام ان أشق طريقي وأحقق حلمي في كتابة قصص غيرية لاشخاص باتوا اليوم قدوة ومثالا يحتذى به في عالم الاعمال والطب و….
اما ضيوف كتابي فهم 30 شخصية منتشرة في أكثر من مقاطعة كندية من مونتريال ولافال، اوتاوا، تورنتو، أدمنتون، ألبرتا وكالجاري، وحرصت على أن تكون اللغة سهلة ومفهومة مع حبكة قوية، تحدثت معهم عن طفولتهم ودراستهم والصعوبات التي واجهوها مرورا باغترابهم وعذابات الابتعاد عن الاهل وصولا إلى نجاحاتهم في عالم الأعمال، لأنتهي كما بدأت بالسؤال عن حلم العودة أو الاستثمار في لبنان، والمفارقة كانت ان الجميع يود العودة البارحة قبل الغد ان عادت الحياة الى بلادنا الام..
قدم للكتاب الذي يندرج تحت خانة السير الغيرية، رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، سفير لينان في كندا الاستاذ فادي زيادة، قنصل لبنان العام في مونتريال انطوان عيد ورئيس غرفة التجارة والصناعة السابق شارل ابو خالد.
وقد صدر الكتاب بنسختين الأولى عربية وفرنسية والثانية عربية انكليزية، وقد حفل بزخم كبير، كما شهد حفل توقيعي له في حزيران الماضي حضوراً واسعاً لحوالي 300 شخصية بعضهم كانوا من ضيوفي في الكتاب والبعض الآخر من عائلتي الصغيرة والكبيرة التي أرادت أن تقف إلى جانبي وتدعمني.
– موقع الكلمة نيوز التي تديرينه يعمل على الجمع بين أخبار الوطن وأخبار اللبنانيين في الاغتراب هل نجحت بتحقيق هذه المقاربة؟
أريد لبنان، ففيه إخوتي وأهلي الموجودين تحت ترابه، وفيه رفاقي وأصدقاء طفولتي وجامعتي الذين تربّيت معهم وفيه جيراني وحياتي، فيه ماضيّ كله، أنا في كندا منذ 4 سنوات فقط، وبالتالي هذه المساحة بموقع “الكلمة نيوز” هي تعبير عن شغفي الدائم لمتابعة ما يجري في لبنان وفي الوقت نفسه نقل أخبار المغتربين اللبنايين خاصة والعرب عمومًا، وهي مساحة أيضا خصصتها لطرح قضاياهم وأخبارهم واجتماعياتهم، فكان هذا التوازن بين أخبار لبنان المحلية والأخبار العربية وبين الجاليات، فالموقع بات اليوم جسر تواصل بين لبنان المنتشر ولبنان المقيم من جهة وصلة وصل لطيفة بين العربي المقيم والعربي المنتشر، هذا بالاضافة إلى مسؤوليتنا الإعلامية في تغطية ما يجري في كندا هذا البلد الذي قدّم لنا الكثير وفتح لنا أبوابه.
– برأيك ما هو المختلف بين عملك كإعلامية في لبنان وكإعلامية في كندا؟
الصحافي المهني والمسؤول يستطيع ان يلعب دوره المطلوب منه اينما كان، وفي هذا الاطار اود ان اقول انه في لبنان هناك انواع مختلفة من الصحافة منها السياسية والفنية والاستقصائية… ومنابر كثيرة بعضها متخصص والآخر عام وبالتالي فان الآفاق مفتوحة بشكل واسع امام الصحافي اما في كندا، فالموضوع مختلف لاسيما مع الصحافة العربية حيث نجد قلة من الصحافيين المتخصصين وقليلة هي المنابر الاعلامية وهنا تكمن الصعوبة، لكن من نجح في بلاده الام يمكنه ان ينجح اينما حلّ ومن لديه رسالة يستطيع أن ينشرها أينما كان.
أنا في مونتريال وحتى لا أعمم، المرأة الوحيدة التي تمتلك وتدير موقع الكتروني خاص بها في كندا، ولقد نجحت بإدارته بفضل الله وهو اليوم في متناول شريحة كبيرة من المتابعين وعلى امتداد كندا ككل.
– وفقا لمسار الانجازات يبدو أن طموح جاكلين مستمر ما الذي تعمل عليه حاليًا؟
حاليا أنا بصدد التحضير للجزء الثاني من الكتاب “من لبنان إلى كندا خبايا الوطن وسحر الغربة”، بدأت العمل عليه ومن المفترض ان يبصر النور اواخر العام الحالي، اما الجديد فيه فهو تسليط الضوء على قصص نساء ناجحات في كندا، كانت لديهن بصماتهنّ الخاصة في كل المجالات والمضامير، فالاغتراب غني بلبنانيين ولبنانيات، وأسعى من خلال كتابي هذا الى نشر القصص الملهمة علها تكون قدوة للاجيال الصاعدة ولكل بشري يخاف من المجازفة والنجاح والدراسة.
– ما رأيك في وضع المرأة اللبنانية والعربية في الاغتراب هل تؤمنين بقدراتها وهل يمتلكن الأدوات والارضية التي تؤهلهن ليصلن؟
طبعا لا أشكّ بقدرات النساء أو حتى بالأرضية الحاضنة لهنّ ولا بطموحاتهن، فالمرأة لا تحتاج ليوم حتى تبرز وتكرّم هي يجب أن تكرّم كلّ يوم، فهي من تحمل وتنجب وتربي وتعمل داخل المنزل وخارجه، وتستطيع ان تنجح وتلمع، هي القادرة على صنع المستحيل، فالمهم فقط أن تؤمن بنفسها وقدرتها على النجاح سواء في وطنها أو في الخارج.
وكما يُقال “وراء كل رجل عظيم امرأة” أنا متأكدة أنَّ المرأة قادرة على أن تكون قدوة لنفسها ولعائلتها ولزوجها وأولادها.
يجب أن نكون جميعنا فخورات بإنجازاتنا وأعمالنا فإن لم نراها نحن لن يراها الآخرين، وحين نبدأ بالفخر بعملنا سنستطيع أن نفخر بعمل النساء الاخريات.
– جاكلين إلى أين تريد أن تصل؟
طالما أن قلبي ينبض فإنَّ أحلامي لن تتوقف، كما لن تتوقف مشاريعي التي أريد تحقيقها سواء من خلال أولادي ودعمهم لتحقيق المستقبل الذي ينتظرهم أو من خلال مساندتي لزوجي، أو من خلال تحقيق أحلامي والاستمرار في أفكاري التي لا تنضب.
سوف أتابع طريقي طالما خصني الله بنعمة الطموح والمثابرة والنجاح والذكاء وما اريده حقيقة هو ترك بصمة رائدة في كل مضمار أخوضه وها قد بدات.
– كلمة اخيرة؟
شكرا لموقع صدى المشرق على هذه الالتفاتة اللطيفة بالاضاءة على انجازات نساء حققن مكانة خاصة بهن في عوالم مختلفة، تشرفت بكل من قرأني وتعرّف على مسيرتي المهنية والشكر الاكبر للرب الذي وهبنا هذه الوزنات.
المصدر صدى المشرق