إقتصاد

ثلث طعام العالم يهدر سنويا ويهدد ملياري شخص بإنعدام الأمن الغذائي (2)

د. مازن مجوّز

أما في ما يتعلق بأسباب هذه الظاهرة فتختلف إختلافا كبيرا باختلاف درجة تطور البلدان، ففي البلدان النامية، يتم تسجيل 40 ٪ من الخسائر بعد الحصاد، بينما في الدول الصناعية، يتم تسجيل 40 ٪ من الخسائر على مستوى التجزئة والمستهلكين. وفي هذا الصدد ترى تيريزا أندرسون من منظمة “أكشن إيد” غير الحكومية خلال المناقشات التي قادها خبراء المناخ التابعون للأمم المتحدة (Giec) حول إستخدام الأراضي والغذاء، في2 أغسطس 2019 في جنيف:” في الجنوب، يتعلق الأمر بصعوبات النقل والحفاظ على الأغذية، والغذاء الذي يتم إنتاجه في القرى وعدم القدرة على الوصول إلى ظروف السوق الجيدة”. “في الشمال، الخسائر أكبر في محلات السوبر ماركت، فهي ترمي الخضروات بسبب شكلها أو حجمها، أو لأنها ليست جميلة بما فيه الكفاية”. وهذا ينسجم مع الأسباب التي تعزو  ” الفاو ” إهدار تلك الأطعمة في الدول النامية والدول الغنية كل عام، والمتمثلة بأخطاء في التخزين والنقل، إضافة إلى بعض العادات والتقاليد وحتى الطقوس المرتبطة بإستعمال الأطعمة واستهلاكها.

وفي نفس الوقت الذي يبدد فيه العالم الطعام، تجبر الحروب أعدادا كبيرة من البشر على الهجرة بنسبة عالية لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يزيد الأمر صعوبة عليهم فلا هم قادرون على الزراعة ولا حتى القدرة على شراء الطعام.

ويتطرق التقرير الأممي الصادر في 16 تموز/ يوليو 2019 والذي حمل عنوان “الجائعون و”السمان” حول العالم في ازدياد، إلى حالة الجوع في إفريقيا، معتبرا أنها ” الأكثر إثارة للقلق “، حيث سجلت القارة أعلى معدلات الجوع في العالم، وتحديدا في المناطق الشرقية منها حيث يعاني ما يقرب من ثلث السكان (30.8 بالمئة) من نقص التغذية؛فيما يعيش أكبر عدد ممن يعانون من نقص التغذية (أكثر من 500 مليون فرد) في آسيا، ومعظمهم في بلدان جنوب آسيا، وتتحمل القارتين معاً، العبء الأكبر من جميع أشكال سوء التغذية، حيث يوجد فيهما أكثر من تسعة من كل عشرة أطفال يعانون من الهزال في العالم. أما أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي فأتت في المرتبة الثالثة  ب 42.5 مليون جائع.

بناء على هذا الواقع ومع إستمرار زيادة معدلات الجوع على مدى السنوات الثلاث الماضية، يفيد التقرير بأن هذه الانتكاسة ترسل تحذيرا واضحا مفاده أنه يجب التحرك سريعا، واقع دفع برؤساء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، إلى ضرورة تسريع وتوسيع نطاق الإجراءات الرامية لتعزيز القدرة على الصمود والتكيف وتحسين سبل معيشة الناس، ووضع أنفسنا على الطريق الصحيح للقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي، وجميع أشكال سوء التغذية، بغية الوصول إلى عالم خال من الجوع وسوء التغذية بجميع الأشكال بحلول عام 2030.

وفي تقرير بثته قناة سكاي نيوز في 20 اوكتوبر 2019 ، كشفت الفاو عن أن الهدر الأكبر يقع في حقل الخضراوات والفاكهة المنتجة عالمية بنسبة تقارب ال 45 % ، ومعه كل الموارد المستخدمة في إنتاجه، يقابله بلوغ معدل الهدر العالمي من اللحوم 20 بالمئة من الإنتاج سنويا، فيما يبلغ معدل الهدر من الأسماك والمأكولات البحرية نحو 35 بالمئة، كما يهدر سكان العالم نحو 30 بالمئة من إنتاج الحبوب.

وربطا بالعلاقة الوثيقة بين هدر الطعام والقضاء عى الجوع،  والذي يعد أحد اهداف التنمية المستدامة بحلول العام 2030 ، لا تزال ” الفاو ” تكثف جهودها في تحقيق زيادة “احترام الغذاء”، وكذلك بالنسبة للمزارعين الذين ينتجونه، والموارد الطبيعية التي تدخل في إنتاجه والأشخاص الذين يعيشون بدونه، لإعتبارها أن التقليل من فقد الأغذية وهدرها سيؤدي إلى استخدام أكثر كفاءة للأراضي، وإدارة أفضل للموارد المائية، مع تأثيرات إيجابية على تغير المناخ وسبل العيش، داعية كل إنسان المساهمة في تحقيق ذلك عبر تخزين الغذاء بشكل صحيح في المنزل، وشراء الخضراوات والفواكه بالكميات التي تفي حاجته فقط. ويرى المدير العام للمنظمة الصيني “شو دونيو” أن الغذاء المهدر يعني ضغوطا لا لزوم لها على البيئة والموارد الطبيعية التي تُستخدم في إنتاج الغذاء.

على صعيد متصل، يعد هدر الطعام أحد أسباب الاحتباس الحراري التي يتم التغاضي عنها كثيرا، فالتخلص من بقايا الطعام غير المرغوب به، أو جزء من ثمرة ما قد لا يبدو أمرا كبيرا، ولكن تقريرا جديدا من معهد الموارد العالمية يركز على الاستدامة، يؤكد أن هدر الغذاء مسؤول  عن 8 في المائة سنويا من إنبعاثات الغازات الدفيئة، وأن 25 في المئة من إستخدامات المياه الزراعية، بالإضافة إلى كتلة أرض زراعية بحجم الصين تستخدم لإنتاج الغذاء تذهب في النهاية هباء، ما يعني أن هدر الطعام وفقدانه يؤدي بالضرورة إلى إطلاق المزيد من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، كما يعني أن تقليص هذا الهدر يمكن أن يساعد البيئة.

وأمام هدر الطعام الذي لا يخلو سكان أي بلد من ارتكابه يوميا، وخاصة الأثرياء منهم، نرى مشاهد تدمي لها القلوب، حين نشاهد العديد من أطفال الشوارع والفقراء في ترقب وحرمان إلى مصير بقايا طعام زبائن المطاعم، وهي تذهب لسلة القمامة، منتظرين الفرصة ” الملائمة ” ليندفعوا نحوها بأيديهم ليتناولوا ما بداخلها؛ ومما لا شك أن التغييرات السلوكية تستغرق بعض الوقت، لذا من المهم البدء في وقت مبكر لتعزيز تقدير الأجيال القادمة للطعام بعد أن أثبتت الكثير من الدول الصناعية والنامية أن إيجاد طرق لتقليل وتدوير الطعام ليس صعباً، ولكن الصعوبة تكمن في تغيير طريقة التعامل مع الطعام، سواء تلك الخضراوات غير المثالية، أو ذلك الطعام الإضافي الذي وضعته في صحنك على البوفيه، وأنت تعلم أنك لن تنهيه، وتذكر بأن نحو مليار شخص على مستوى العالم ينامون جائعين.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى