نجاد شرف الدين: مونتريال هي منصة الانطلاق لمؤسسات الصدر في كندا وعازمون التواصل مع كل من لديه رغبة أو اهتمام في اي من مقاطعاتها
“مكاني بينكم عرشي قلبكم قوتي يدكم حارسي عيونكم مجدي اجتماعكم” وطبّق القول بالفعل، الامام موسى الصدر المغيّب الذي لا ولن يغيب، هو في عيون كل مستجدٍ لصحة وفي أذان كل باحث عن حقيقة وفي قلوب المحتاجين والمعوزين الذين لاجلهم أكملت مؤسسات الصدر رسالتها الانسانية الاجتماعية في لبنان وبلاد الاغتراب، هذه البلاد التي يقصدها الكثير من اللبنانيين الذين يُعتَبَرون صمام امان لدعم أهلهم واخوتهم في ارض الوطن الذي انهار فيه دور الدولة وماتت فيه الضمائر. ولما كان تمكين دور المرأة هو اساس ومفتاح نجاح المجتمعات عامة خصصت لها مؤسسات الصدر حيّزا كبيرا من اهتماماتها والتي انطلاقا منها تكمل المسيرة بتفاؤل اكثر، هذه المسيرة التي لأجل دعمها تم افتتاح العديد من الفروع في بلدان الاغتراب وآخرها وليس اخيرا في مونتريال كندا التي زارها السيد نجاد حسين شرف الدين المكلف بادارة تلك المؤسسات منذ سنوات للاطلاع على حسن سير أمورها.
“الكلمة نيوز” التقت السيد نجاد حسين شرف الدين في لقاء تحدث فيه حول مؤسسات الصدر عموما وفروع الانتشار لا سيما منها فرع مونتريال -كندا خصوصا، هذا الفرع الذي يحضّر لحفل عشاء خيري لدعم هذه المؤسسات برعاية وحضور السيدة رباب الصدر في 13 تشربن الاول المقبل.
–بداية لنتعرف على السيد نجاد حسين شرف الدين؟
نجاد حسين شرف الدين، خمسون عامًا، جلّها في العمل لخدمة الإنسان عبر مؤسسات الإمام الصدر، كمتطوّع بداية، ومكلّف بإدارتها منذ عشر سنوات تقريبًا. نصيرٌ للبيئة خدمة لإنسان المستقبل.
-مؤسسات الإمام الصدر هي جمعية خيرية انسانية اجتماعية تُعنى بشؤون الإيتام والمحتاجين في لبنان، ما الهدف من إنشاء فرع للمؤسسات في كندا؟
مؤسسات الإمام الصدر هو منبر حوار بين صاحب الحاجة ومن يستطيع تلبيتها. القادرون على تلبية الحاجات، أي مدّها بالمال والدعم، هم اللبنانيون المنتشرون في بلدان المهجر. كندا مقصد أعداد غفيرة من اللبنانيين، ومن الطبيعي أن نواكبهم في بلدانهم الثانية. وهذه المواكبة أورثنا إيّاها الإمام الصدر الذي كان حريصًا على زيارتهم في مغترباتهم، لا سيّما في أفريقيا. والان نخطو خطوه مع السيدة رباب الصدر.
-لمن تتوجهون من خلال هذه الجمعية؟ وإلى ما تطمحون؟
نعمل لأجل الإنسان. ونتوجّه إلى كل صاحب حاجة. وهؤلاء أوصى بهم الأنبياء والرسل، فالمتعب والمتألم والتائه والمعذّب هم جوهر الديانات. طموحنا أن نصل إلى مجتمع تسوده العدالة وتكافؤ الفرص والثقة بالنفس والآخرين، ومدخلنا إلى ذلك هو تمكين المرأة. فمؤسسات الإمام الصدر هي جمعية رائدة في تنمية وتمكين المرأة في لبنان تحرص على رفع مستوى إمكانياتها باستمرار من خلال تقديم خدمات اجتماعية متطورة مبتكرة تستهدف الفئات الأكثر حرماناً وضعفاً.
وبعد أكثر من 60 عامًا من العمل في مجال تمكين المرأة، وصلنا إلى خلاصة مفادها أنّ تمكين المرأة يشكّل نهجًا حتميًا للتغيير الاجتماعي وشرطًا أساسيًا لكسب المعركة ضد البؤس والاضطهاد. ولكن الأهم من ذلك، أثبتنا أن العمل مع المرأة واعد لأنها، في حد ذاتها، ركن أساسي في تخطي الأزمات والأوقات الصعبة لا سيما في الحديث عن “أجيال المستقبل”.
-للمؤسسة تاريخ عريق في خدمة اليتامى والمحتاجين إلى أي مدى تعتمدون على الجاليات المنتشرة؟ وتحديدًا حاليًا في كندا لسد حاجات أبناء بلادنا الأم مع العلم أن الغالبية الكبرى منهم “تلوّعت” إذا بدنا نقول من بعض الجمعيات وباتت ترسل مساعداتها بشكل فردي لأهلها في الوطن؟
لطالما كانت الجاليات اللبنانية صمّام أمان للبنانيين على مرّ التاريخ. والمهاجرون يتبعون أسلوبين في دعم بلدهم الأم. الدعم المباشر لأفراد أسرهم، والدعم المشترك عن طريق الجمعيات والمنظمات. وفي بلد كلبنان، إنهار فيه دور الدولة كإطار ناظم للمجتمع عمومًا، من المحتمل والممكن أن يكون هناك تجاوزات، أو أن يُساء توظيف بعض المساعدات والمعونات. وهذا أمر نأسف لحدوثه ويؤثر سلبًا على المجتمع المدني ككل وعلى مصداقيته وتراثه.
أعتقد أن الواهب والداعم لديه وسائله في تتبّع مساهماته والتحقق من أوجه صرفها. منهجيتنا تقوم على سياسة الباب المفتوح والشفافية المطلقة في عرض النتائج والأعمال. نستقبل دومًا أصدقاءنا الداعمين أثناء زياراتهم للبنان، ونطلعهم على ما يحدث معنا.
–لنلقي نظرة سريعة على تاريخ مؤسسات الإمام الصدر وبرامجها؟
مع الأيام، طوّرت الجمعية نشاطها المركزي كمبرّة للأيتام وحوّلته إلى برنامج الرعاية الشاملة المستديمة. وأصبح يدمج اليتيمات بأصحاب الحالات الاجتماعية الحرجة (الفقر المدقع، العائلات المفككة، ضحايا العنف المنزلي..) وبأفراد الأُسَر الميسورة. وسرعان ما اتسع نطاق خدمات الرعاية ليشمل بقيّة أفراد الأسرة بحسب برنامج رعاية الفتاة ضمن أسرتها. وهي خدمة تصل بالمساعدة الاجتماعية والإرشادية إلى أسرة الفتاة، وتتيح للأخيرة أن تستفيد من كل الخدمات النهارية في حين تنضم إلى عائلتها للمبيت ليلاً.
ونظراً لتنامي حاجات تلك الفئة واتساعها، عملت الجمعية على مواكبة ذلك بإنشاء سلسلة من الخدمات التربوية المتكاملة أبرزها الحضانة والروضات والمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إضافة إلى برامج متنوعة ثقافية واجتماعية وترفيهية. في حين يستمر الالتزام بمواكبة الفتيات في المراحل الجامعية، ضمن لبنان وخارجه، على نفقة الجمعية وبإشرافها.
والراغبات في التعليم المهني يجدن في البرامج المهنية تخصصات متعددة أهمها مدرسة التمريض العريقة والتي تنخرط خريجاتها في سوق العمل بسهولة، وبرامج التدريب المهني المعجل التي أضيف إلى تخصصاتها التقليدية فرع رائد لتأهيل ناشطات اجتماعيات. علماً بأنه يراعى عند وضع البرامج المهنية حاجة سوق العمل إلى التخصصات المختارة. لهذا، توسّعت مروحة التخصصات لتشمل حياكة السجاد والطلاء بالفضّة وتدوير الورق والخدمة المنزلية ورعاية المسنّ والمعلوماتية والتصوير الفوتوغرافي وتصليح الهواتف الخليوية وغيره.
إلى ذلك، هناك عشرات المشاريع المتخصصة، أذكر منها: مركز دردغيا لتأهيل المصابين في النخاع الشوكي، مركز التدخل المبكر (اسيل)، مشروع دمج ذوي الحاجات المختلفة في المساق التعليمي العام، العناية التلطيفية، إدماج الصحة النفسية في المراكز الصحية، الكورال المدرسي، إلخ.
–كم فرع داخل لبنان؟ وأين هي فروعها في الخارج؟
مركزنا الرئيسي في مدينة صور، ونطاق خدماتنا هو بنسة 80% منه في جنوب لبنان، أما الباقي فهو في بيروت مع تدخلات سريعة في البقاع أو طرابلس أو حيث تدعو الحاجة.
يحوي المجمع الثقافي في صور كلّ المرافق الخدمية المتعلقة بحاجات اليتيمات والحالات الاجتماعية الصعبة. نعني بالمرافق المطعم، ومشغل الكساء، والمستوصف والمدارس على أنواعها. هناك سبع مراكز صحية اجتماعية في دير سريان، عيتا الشعب، صديقين، الشهابية، كفرحتى، عنقون، دردغياز والعيادات النقالة تصل إلى معظم القرى النائية.
مكاتب التواصل في الخارج المسجلة رسميا لدى الدوائر المختصة هي في الولايات المتحدة، استراليا، كندا والمملكة المتحدة. أما المراكز الفعلية فهي بيوت كل الأصدقاء والمحبين في أفريقيا وأميركا والخليج وأوروبا.
-خدماتكم تطال كل الطوائف ودون استثناء لمحتاج على آخر. لكن لو دقّقنا في المساعدات أي من الفئات هي الأكثر حاجة اليوم، هل هم الطلاب، الأطفال، الموجوعين، العجزة، أم من؟؟
هناك نوعان من الحاجات: الطارئة والمزمنة. في الحالات الطارئة وأذكر منها جائحة كورونا، انفجار المرفأ، والحروب المتتالية، أكاد أقول بأن كلّ إنسان معرّض لأن يكون في دائرة الخطر. لا فرق بين رضيع أو مسن، إمرأة أو رجل، غني أو فقير. واستجاباتنا الطارئة تتوجّه للجميع دون أي تمييز بسبب المعتقد أو الجنس أو غيره.
أما أصحاب الحاجات المزمنة فالأمر مختلف. أولوياتنا هي التالي: الطفلة اليتيمة، الطفلة المعرضة للعنف أو الاستغلال أو الفقر المدقع، أصحاب الحاجات الخاصة كالمصابين في النخاع الشوكي، المتخلفون دراسيا، المعوقون ذهنيا أو جسديا. النساء عمومًا هم موضع اهتمامنا، لكن الفتيات المعرّضات فهنّ علّة وجودنا.
-لكل جمعية خيرية مداخيل وميزانية ومصاريف، ستون عامًا والمؤسسة على نفس الخطى، كيف تؤمّنون هذه المصاريف وكم هي حصة الإغتراب اللبناني منها “المنتشر” أقصد بالقول؟
تنعكس فلسفة الجمعية في التعاون والتكامل على هيكل مداخيلها، ويشكل الأفراد من مقيمين ومغتربين مظلة الأمان لديمومة الجمعية إذ تغطي مساهماتهم أكثر من 55% من المداخيل (15% من داخل لبنان، و40% في الخارج)، وذلك عبر برامج التكفل والإفطارات والتبرعات العينية والمالية.
نتعاون مع العديد من الشركاء الدوليين (35%)، ولدينا تعاقدات مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارتي التربية والصحة ( 5%). وتشكّل الأقساط المدرسية التي يسددها أبناء الميسورين نحو 5%.
هذه النسب مستجدة، أي أنها نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، والذي أدى إلى انخفاض القيمة الشرائية للموارد بالليرة اللبنانية (التعاقدات مع الحكومة اللبنانية، القساط، ومساعدات الداخل). وارتفعت بالنتيجة حصّة الاغتراب والمنظمات الصديقة.
-هل ستكون مونتريال محطة كندا؟ أم هناك مقاطعات أخرى تطمحون للوصول أليها؟
مونتريال هي منصة الانطلاق نظرا لتمركز الجالية اللبنانية فيها. لكننا عازمون على التواصل مع كل من لديه رغبة أو اهتمام في اوتاوا، تورنتو، أو غيرهما.
-يقول الإمام الصدر “رسالتي الدفاع عن المحروم والمعذب…” واليوم نجد في بلادنا “قلة” من الناس الميسورة والغالبية منهم محرومة، كيف تستطيع مؤسسات الصدر اليوم في ظل هذه الظروف التي تعيشها البلاد تحقيق مقولة الإمام الصدر؟
صحيح. الوضع معقد والوضع من سيء إلى أسوأ. لكننا ماضون قدر المستطاع. لا نعد كلّ محتاج أن يجدنا إلى جانبه، لكننا نعد كلّ من نصل إليه أن نبذل في سبيله كلّ ما نملك.
-ما سر الإمام موسى الصدر الحي الدائم في ضمائر الناس حتى يومنا هذا؟
أعتقد أن سرّ الإمام الصدر يكمن في رؤيويته وصدقه. فالرؤيوي يرى ما لا يراه الآخرون. والصادق لا يطلق وعودًا زائفة، ويحرر طاقات الإنسان.
إن منهجيته في أن يتولى الناس تحديد حاجاتهم الحياتية ويتمكنوا من حلّها بأنفسهم هي بيت القصيد. والناس بالنسبة إليه كانوا المرأة والرجل، وهذه إضافة جوهرية في الأرياف والحواضر الشرقية. ينجم عن هذه المشاركة حالة من الإحساس بالرضى والثقة بالنفس، وهي الشرط الضروري للثقة بالآخرين تمهيداً للعمل معهم، والتلذذ بإنجاز التقدّم نحو الأفضل. يتيح هذا التقدّم، بل يعزّز قيم المشاركة والحوار والاعتراف بالآخر، بما يفضي إلى تعزيز فرص السلم والتعاون. ويصح هذا على مستوى العائلة والمشروع المحلي، كما على مستوى العلاقات بين الطوائف والدول والشعوب. وخيار الإمام الصدر أن يكون لبنان هو المصداق على صحّة أطروحته في تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هو الحلم دائم التحقق.
-وفي الختام ماذا تقولون للجالية اللبنانية في كندا؟ وهل من كلمة أخيرة؟
في عالمٍ منقسم على ذاته، هناك فئة من الناس يليق بها رداء المخلّص. إنّهم اللبنانيون المنتشرون في أربع رياح الأرض، ولعلّ في هذه النقمة نعمة للبشرية. فأن نتحدث عن ملايين اللبنانيين المنتشرين عبر العالم، فنحن نتحدث عن ملايين الرسل المُحمّلين بمضامين ثقافية وتواصلية وإبداعية. هم يختزنون إرث الشرق وثقافته وذهنيته، وهم اجتازوا ويجتازون الحاجز الثقافي مع الغرب. وهذه المؤهلات تلقي على عاتقهم المهمّة النبيلة في إعادة سكان الأرض إلى رشدهم.
“أنا بانتظار تلك الأيام وذلك الوقت الذي نرى فيه نواة لبنان المستقبل الذي تحول كلّه إلى طائفة واحدة، إلى طائفة الله وطائفة الإنسان” الإمام موسى الصدر.