قصص من بلادي

العرس البيروتي …بين التقاليد الموروثة والتفرد بالقرار

تقرير من اعداد الكلمة نيوز

كثيرة هي الاقاويل والامثال التي ترافق خطوات الزواج منهم من يتساءل هل هو نعمة ام نقمة وغيرهم من يعتبره شراً لا بد منه وغيرهم من يصفه بامتحان صعب لا يمكن الوثوق بنتيجته الا بعد الاختبار ، لكن اياً تكن الآراء، فالزواج ارتباط ابدي يجمع احباء، معجبون، هدفهم في الحياة السعي لتأسيس اسرة واولاد تحت سقف واحد ملؤه الحب والحنان.

ولخطوة الزواج ترتيبات كثيرة، منها المادي ومنها العائلي ومنها النفسي ايضاً ، وفي تحقيقنا اليوم سنلقي الضوء على كيفية التحضير لمراسم الزواج عند العائلات البيروتية منذ القدم والتغيير الذي طرأ عليها في ظل الانفتاح الواسع الذي تشهده مدننا اليوم والاتجاه نحو التفرد بالقرار بعيداً عن التقاليد والعادات العائلية.

الخطوات الاولى

كانت خطوات الزواج تبدأ بالذهاب الى بيت العريس التي تكون احدى قريبات العريس قد صادفتها او تعرفت عليها ، فتقوم النسوة بالزيارة من باب التعارف والتودد، ويشربن القهوة على امل لقاء جديد، تبدأ معه معاينة العروس شكلاً ولفظاً ومضموناً ، فان نجحت في الامتحان ونالت رضى الام والاخت سمّيت الفتاة عروساً للشاب والا “لا نصيب ولعلها في مرة اخرى تصيب” .

هذا كله ، والعريس لا يعرف عروسه بعد، ويوم الطلبة، يتوجه كبار العائلة لطلب يد العروس من ولي امرها بوجود عدد كبير من اهلها واقاربها ، وبعد الكلام المنمق والوعود بالحياة السعيدة تتم الموافقة بقراءة الفاتحة وتشرب العائلتان نخب المناسبة على اصوات الزغاريد والتمنيات بالرفاه والبنين .

الخطبة … ولكن

باتت الفتاة مخطوبة ، لكن اللقاء المنفرد بعريسها امر حتماً مرفوض، حتى ولو بعد كتب الكتاب، فيظلان يلتقيان في بيت العروس او يخرجان برفقة احد افراد العائلة الى ان يتم النصيب.

يؤسس العروسان عشهما الزوجي بمعية الاهل، فعلى العريس البيروتي ان يجهز عروسه بمهر يقدمه وفق امكاناته المادية اما العروس فعليها ان تبتاع الملابس “وجهاز العرس” تحضر اغراضها بمرافقة وموافقة والدتها ، كما على اهلها تأمين غرفة النوم كهدية عرس لابنتهما. بعد الانتهاء من كل هذه الامور يحدد اهل العروسين يوماً لعقد القران اي كتب الكتاب والذي يكون عادة بعد صلاة الجمعة وقد درجت العادة ان يتم العقد في بيت والد العريس حيث يقوم القاضي او احد الشيوخ او المفتي ، وفق الحالة الاجتماعية للعائلتين، بكتابة العقد، تُقرأ الفاتحة على نية التوفيق وتوزع بعدها الحلوى والشراب على المدعوين الذين يقومون بتقديم التهاني للعروسين وعائلتيهما.

عادات وتقاليد واعراف توارثتها الاجيال، بعضها لم يتبدل وبعضها الآخر ذهب مع الريح ، فالشاب اليوم لم يعد يرضى بعروس لم يلتق بها من قبل والفتاة لم تعد ترضى بفرض آراء العائلة والجيران والاقارب، لقد بات الزواج في عصرنا هذا مشروعاً متكاملاً يقرره العروسان بعد فترة تعارف يتشاركان فيها الزيارات والاحلام وبناء عشهما الزوجي.

جهاز العروس مصموداً

جرت العادة في المناطق البيروتية ان ينقل جهاز العروس الى بيتها الزوجي بعد عقد القران بأيام قليلة، فيذهب اهل العريس الى بيت اهل العروس ويحضرون “الجهاز” الى البيت الجديد وسط زغاريد النسوة ورقص الاطفال وهناك يصمد او يعرض كل ما تكون جمعته العروس طوال فترة خطوبتها للدلالة على ذوقها الرفيع في الاختيار واستعدادها الكامل لتحمّل مسؤولية جديدة في حياتها.

والصمد عبارة عن مرآة وصندوق ملابس يحوي الكثير من الفساتين الحريرية والصوف والجوخ والكتان ، وبقج من المناشف المطرزة ، كما يتألف من فراش ولحاف ومخدة وطراحة ومسند وكراسي وابريق نحاس اصفر وطناجر وقبقاب وصابون مطيّب وعلبة خياطة بالاضافة الى كيس الفرك والليف، وهذه امور باتت مستحيلة مع عروسنا اليوم التي باتت تهتم بجهازها وفق حاجاتها الاساسية في البيت الجديد ، فالملابس المتنوعة العصرية ، والمناشف الاساسية للاستحمام والمطبخ وبعض انواع العطور هي ما تحمله معها ، وان كان الموضوع قد تم الاتفاق عليه بين العروسين مسبقاً وفق الحالة الاجتماعية لكليهما حيث من الممكن ان تتم بالمناصفة بينهما ان كانت الفتاة تعمل وتجني دخلاً لا بأس به.

فوطة العروس

حان موعد الزفاف وفي العادة يحدد في ليلة اول جمعة بعد كتب الكتاب ، وقبله بيوم اي يوم الخميس على العروس ان تذهب الى الحمام وهو الحمام العمومي حيث تقوم الفتيات اقارب وصديقات العروس بمساعدتها على الاستحمام ووضع الحنة على يديها ورجليها وكان على العريس ان يبعث لعروسه في هذا اليوم ما يسمى “فوطة العروس” ويكون فيها حلوى وفاكهة ونقولات وهنا تكتشف العروس بخل او كرم زوجها المستقبلي ، فان هو ارسل واغدق فهذا دليل عافية وان امتنع فالويل آت لا محالة، اذ كانت تلك الفوطة وفي كثير من الاحيان تفسد العرس على الرغم من ان هذا الاكتشاف كان يتم قبل موعد الزفاف بيوم واحد ، الا انه كان يلغي العرس .

اما العريس فكان يُحمل على الاكتاف الى “حمام الهنا” حيث ترافقه اغاني اصدقائه ومحبيه الذين يرافقونه من الحلاق الى الحمام. وهي عادة لم تعد سائدة في اعراس مجتمعاتنا اليوم حيث باتت الحمامات العمومية نادرة وان وجدت فللاستحمام الشخصي وليست من اولويات العرس.

زفاف وفرحة … وزغاريد

حان موعد الزفاف، على والدة العروس ان تبخر ليل الخميس اي قبل ليلة واحدة من الزواج، البياضات والمناشف والملابس التي تكون ابنتها اصطحبتها الى بيتها الجديد ، اما ليلة الجمعة فتتفرغ العائلة لاستقبال الاهل والاحباب في بيتهم حيث تقام الافراح ، وتغمر السعادة المدعوين في رؤية عروسهم جالسة على كرسي مرتفع هو المنصة او الكوشة تتوسط باقات الزهور بانتظار عريسها الذي عليه ان يتقدم مع رجال عائلته اولاً مقبلاً يد امه عربون محبة وشكر ليكشف بعدها عن وجه عروسه ، ويجلس الى جانبها في كوشتهما المخملية، كل ذلك وسط زغاريد النسوة والجدات اللواتي يركزن على اصل وجمال العروس ولباقتها.

تغيرت تقاليد الزواج اليوم، فالاتجاه انحصر اما نحو اتفاق مسبق بين العروسين على زفاف مختصر على الاهل والاقارب يليه سفر الى احدى الدول في جولة تعرف ب “شهر العسل” ، واما عرس يقترض من اجله العروسان وهو ما يعرف بيتزوجان بالدَين فينجبا اولادهما بالتقسيط ، اما في حال الوضع الاجتماعي المرتاح فيكون عرساً رناناً في افخم المطاعم واكثرها شهرة  . ولكن اياً كان نوع الزفاف المختار تبقى بعض التقاليد مطلوبة واساسية واهمها تعارف الاهل والمهر والفستان الابيض فيما نسفت العادات الاخرى الى غير رجعة.

جولة على عرسان زمان

بعد ان تعرفنا على تقاليد واعراف ليالي الملاح في بيروت، موقع الكلمة نيوز  استفتى بعض عرسان زمان وغيرهم ممن تم نصيبهم في عصرنا اليوم وكانت الآراء التالية :

السيدة نوال الشامي

في العام 1955 تزوجت ولم اكن قد تجاوزت الثالثة عشرة من عمري بعد وكان زوجي رحمه الله في الثلاثين ، النصيب تم بعد ان اخبره جيران جدتي عني، فجاءت امه واخته لتّعرف على عائلتي، وبما انه كان يملك منزلاً ولديه عمل يعتاش منه ويتحلى بصفات الشهامة والصيت الحسن كان لا بد من الموافقة على طلب الزواج ، فتمت الخطبة وكان المقدم نسخة من القرآن الكريم و 500 ليرة لبنانية متأخر للزواج، في هذه الفترة كنت اشتري جهاز العرس برفقة والدتي واذكر منه المناشف المطرزة والملابس الرسمية من فساتين وعباءات اضافة الى الصابون المعطر والدست والحرامات … .

وبعد شهرين من الخطبة والزيارات الرسمية لعريسي الى بيت اهلي، تقرر الزفاف فدعونا الاهل والمقربين والجيران الى حفل اقيم في بيت والده حيث جلسنا على “كوشة” وسط باقات الورد وزغاريد الاهل ورقصاتهم ومن ثم توجهنا الى بيت الزوجية.

السيدة ناديا سنو

تزوجت دون العودة الى التقاليد والاعراف، فأنا تعرفت على زوجي في بيت اصدقاء مشتركين وبعد فترة الاعجاب اتفقنا على الزواج . البداية كانت بموافقة الاهل ومن ثم انطلقنا لتحضير بيت الزوجية ولما بات كل شيء جاهزاً كتبنا الكتاب عند الشيخ وانتقلت معه الى بيتنا دون كوشة ولا فستان ابيض، برأيي هذه كلها شكليات المهم هو القناعة والاتفاق.

السيد عادل خير الدين

اخبرتني والدتي عن فتاة بعمر الورد تعرف كيف تتحمل المسؤولية ولديها القدرة على العناية بالزوج والاولاد كون والدتها تهتم بعائلتها كثيراً. طلبت من والدتي التقرب من اهلها ومعرفة ان كانت مخطوبة ولما كان الجواب انها بعمر ال 15 سنة ولم ترتبط بعد، ذهبت امي وخالتي واختي لمعاينتها والتأكد من سلامة صحتها، فوجدنها قوية البنية، جميلة، خجولة ، شعرها وعيناها واسنانها … ، كلها طبيعية، فقررت الارتباط  بها وهكذا توجهنا انا وعائلتي واعمامي الى بيت اهلها حيث كانت عائلتها بانتظارنا، تكلم كبيرنا وكان جدي بليغ الكلام، وتمت يومها قراءة الفاتحة.

بعد اسبوعين قررنا كتب الكتاب وفي هذه الاثناء كانت تذهب لتحضير الجهاز مع والدتها ووالدتي واحياناً اختي ولما بات كل شيءجاهز، ولم يكن باستطاعتنا اللقاء بحرية، قررنا الزواج قبل حلول شهر رمضان المبارك وكان يوم جمعة من العام 1940 ، واذكر يومها اننا دعونا اقرب المقربين والجيران والاهل الذين رافقوا جهاز العروس يوم الخميس وحضروا الزفاف في اليوم التالي الذي تم في بيت والدي وسط باقات الزهر والزغاريد ووزعت الحلوى لنذهب بعدها الى بيتنا الزوجي الذي لم نتركه يوماً.

أحمد مبسوط

تعرفت على زوجتي عند جيران عمتي فأعجبنا ببعض وطلبت رقم هاتفها، وافقت فرحت اتصل بها وانتظرها اثناء خروجها من العمل ولما اكتملت قصة حبنا قررنا تتويجها بالزواج فاشترينا البيت وبدأنا نحضر الاثاث ولما وجدنا اننا بتنا جاهزين طلبت يدها من اهلها فوافقوا بعد ان تعرفوا على عائلتي وبعد فترة من الزيارات والتعارف بين الاهل كتبنا الكتاب وتزوجنا في عرس متواضع ااقتصر على الاهل والاصدقاء دون زفة ولا ديون سافرنا بعده الى قبرص لقضاء سهر العسل.

بين الماضي والحاضر تقاليد عفا عنها الزمن واخرى ابت التراجع تجلّت بمباركة الاهل والفستان الابيض ولكن ايا تكن الطريقة المتبعة يبقى الحب سيد الموقف وتبقى العائلة الهدف الاسمى في كل زمان ومكان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى